الثورة – جهاد الزعبي:
تشهد محافظة درعا اليوم عجزاً مائياً قد يصل في أي وقت إلى مستوى الجفاف الكامل، بحسب مديرية الموارد المائية ومؤسسة مياه الشرب.
في هذا التحقيق نستقصي أسباب جفاف الكثير من الآبار والبحيرات والينابيع في درعا..
ناقوس خطر
كان عدد الآبار في درعا قبل عام 2011 لا يتجاوز 4000 بئر مرخصة أصولاً لدى مديرية الموارد المائية، وكان الوضع المائي جيداً من حيث مناسيب المياه الجوفية وغزارة الينابيع، وبعد انطلاق ثورة الكرامة والحرية عام 2011، بدأت مناطق المحافظة في ذلك الوقت تخرج عن سيطرة النظام البائد، ما دفع الكثير من المزارعين في درعا إلى الإسراع في حفر الآبار في أرضهم وتحويلها من بعلية إلى مروية، بعد أن أصبح الحصول على ترخيص من عدمه غير مهم أو مؤثر، وأدى هذا الواقع إلى نشوء ظاهرة الحفر العشوائي للآبار التي استمرت باطراد منذ 14 سنة وحتى الآن.
آلاف الآبار المخالفة
المواطن علي المحمد، أكد أن مختلف مناطق المحافظة شهدت حفر آلاف الآبار المخالفة ما أدى لاستنزاف كبير في مخزون المياه الجوفية، إذ ظهر ذلك واضحاً في عام 2022 بعد جفاف مجموعة من الآبار في الريفين الشرقي والغربي، من ضمنها آبار معدة لإرواء بلدات ومدن بمياه الشرب، ليضاعف ذلك من صعوبات حياة الناس في سبيل تأمين مياه الشرب.
مهندس من مراكز الضخ في مديرية الموارد المائية، طلب عدم ذكر اسمه، أوضح أن كثافة حفر الآبار على مجاري وخطوط تغذية المياه الجوفية للبحيرات والينابيع أدى لاستنزاف تلك المياه، وبالتالي جفاف تلك البحيرات مثل: بحيرات مزيريب، والعجمي، وزيزون، وعيون العبد، ونبع الساخنة، والفوار، وغيرها الكثير في ظل شح الهاطل المطري لمواسم متتالية.
مهندس جيولوجي، طلب عدم ذكر اسمه أيضاً، بيّن أن المزارعين يتحملون مسؤولية الحفر السري العشوائي للآبار، إذ أصبحت المسافة بين البئر والآخر لا تتجاوز 100 متر، وعلى نفس المصدر المائي الجوفي، ما ساهم بشكل كبير في استنزاف المياه الجوفية وعدم وصولها إلى البحيرات والينابيع في غرب المحافظة، وبالتالي جفافها كما حصل لبحيرات مزيريب، والعجمي، وزيزون، إذ تم حفر مئات الآبار في محيطها ما أدى لجفافها.
وعن مخزون المياه الجوفية، قال: الآبار التي أعيد حفرها كثيرة جداً ومنها بمدة زمنية لا تتجاوز ستة أشهر، فالعدد الكبير للآبار وقربها من بعضها يؤديان إلى شح كبير في كمية المياه المستخرجة.
أما المهندس الزراعي محمد شحادات فقال: إن غياب الضوابط والرقابة والمتابعة خلال سنوات الحرب، وعدم مبالاة أصحاب الآبار العشوائية، وتراجع كميات الأمطار في المنطقة الجنوبية، هي أبرز الأسباب التي دفعت لانتشار ظاهرة حفر الآبار العشوائي، مؤكداً أن العديد من الآبار قد جفت تماماً في 6 بلدات بالريف الشرقي للمحافظة، والمصيبة أنها مخصصة لإرواء قرى بكاملها بمياه الشرب.
الأسوأ قادم
أحد الجيولوجيين وهو على اطلاع بأحوال الآبار في المنطقة، أكد على وجود نوعين من الآبار في محافظة درعا، شعرية، أو كما يطلق عليها عادة آبار سطحية، وهي مياه جوفية في عروق نهرية تحت الأرض يستلزم الحفر بعمق من 200 إلى 700 متر للحصول عليها، وعادة تكون غزارة المياه من إنشين إلى 3 إنش.. وأخرى بحرية عميقة جداً في مناطق درعا وتستلزم حفراً بعمق من 800 متر إلى 1200 متر وتكلفتها كبيرة، لذلك هي نادرة في المنطقة لعدم وجود حفارات خاصة بهذه الأعماق لدى القطاع الخاص.
وأضاف: في العلم الجيولوجي، يجب ترك مسافة لا تقل عن 1000 متر بين البئر والآخر، لكن الحفر هنا يتم دون مراعاة للقوانين ودون دراسة أو حسابات علمية دقيقة، لنجد أحياناً 3 آبار على النهر الجاري نفسه وأحياناً 4 على الحوض ذاته.
وأضاف: هذا السحب الكبير للمياه من الحوض ذاته، يؤدي إلى استنزاف النهر أو الحوض لأنه يعطي أكثر من طاقته، فالريف الشرقي في درعا، الواقع فوق حوض الأزرق المائي لا يكاد يترك 300 متر مربع دون حفر بئر فيه، بعضها ليس بناء على حاجة لصاحبه، وإنما استغلال للحالة والظروف التي عاشتها المحافظة سابقاً.
فالاستنزاف الحاصل للمياه الجوفية دون كمية أمطار كافية لتعويض النقص الكبير الحاصل سيصل بالمنطقة في النهاية إلى الكارثة التي بدأت بوادرها هذا العام بجفاف عدد كبير من الآبار.
وقف الحفر العشوائي
وأكد أن الوضع الذي وصلت إليه الآبار فيها، يدفع المنطقة إلى الترشيد، وإلا الأسوأ قادم بجفاف الآبار جميعاً ذات المصدر المائي الواحد، ما يصل بالمنطقة إلى خطر العطش والجفاف والقضاء على الزراعة وهجرة الأهالي بحثاً عن مياه الشرب.