هل تعود الأرض لتثمر أملاً ؟ الزراعة بين وعود الدعم الحكومي وصرخات المزارعين

الثورة – ناديا سعود:

في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة، تبرز الزراعة كأحد الأعمدة الأساسية لتحقيق الأمن المعيشي للمواطن السوري، فدعم هذا القطاع الحيوي لم يعد خياراً بل ضرورة ملحّة لإعادة التوازن إلى معادلة الحياة اليومية، وتعزيز الاكتفاء الذاتي في مواجهة الأزمات.. فكيف يمكن للسياسات الزراعية المستدامة أن تُحدث فرقاً في حياة السوريين؟

مدير دعم الإنتاج الزراعي في وزارة الزراعة الدكتور محمد سعد صيلين، بين لـ”الثورة” أن الحكومة السورية وضعت نصب أعينها إعادة بناء القطاع الزراعي باعتباره أداة توازن حيوية في معادلة الأمن المعيشي للمواطن السوري، خصوصاً بعد سنوات الحرب والحصار، مشيراً إلى أن الوزارة أطلقت، بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، استراتيجية وطنية جديدة للفترة (2025 - 2030) تهدف إلى إعادة هيكلة القطاع الزراعي وتأهيل بناه التحتية، مع الاستمرار في تنفيذ خطة الموسم الزراعي الحالي وتمويل مستعجل لتأمين مستلزمات الإنتاج.

وحول أبرز محاور مسودة الاستراتيجية الوطنية 2025 - 203, بين صيلين انها تتضمن إعادة تأهيل البنى التحتية والري الجماعي، وإعادة تأهيل شبكات الري الجماعي والمضخات المتضررة، مع إدخال أنظمة الطاقة البديلة في استجرار المياه، والتحول نحو الري الحديث لتقليل الهدر وتعظيم الفائدة من الموارد المائية، مع زيادة إنتاجية القمح وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

وتسعى الوزارة لاستثمار كل شبر قابل للزراعة، مع التركيز على المنطقة الشرقية التي تُعدّ سلة المحاصيل السورية، بغية رفع إنتاجية الحبوب، خاصة القمح، وضمان الأمن الغذائي الوطني، إضافة لتنويع المحاصيل الاستراتيجية, ويشمل التوجه الزراعي الجديد توسيع زراعة محاصيل استراتيجية أخرى مثل الشعير، الذرة، البقوليات والحمضيات، بما يتلاءم مع الخصائص المناخية لكل منطقة، والعمل على تمكين المرأة الريفية من خلال التركيز الاستراتيجي على الدعم من خلال إطلاق مشاريع متناهية الصغر تعزز دورها كمساهمة ومعيلة في العملية الإنتاجية.

وكشف الدكتور صيلين أن هناك توجهاً واضحاً لزيادة الدعم الحكومي لمستلزمات الإنتاج الزراعي، سواء من حيث توفير المحروقات، الأسمدة، البذار أم القروض، موضحاً أن الوزارة بصدد إعادة دراسة آليات الدعم لتكون أكثر كفاءة وعدالة، مع وضع ضوابط تقلل من الفساد وتضمن وصول الدعم إلى مستحقيه دون تحميل موازنة الدولة أعباء غير مستدامة. ويؤكد أن الاستراتيجية تولي أهمية خاصة للزراعة الذكية مناخياً، من خلال استخدام تقنيات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي لتقليل الاعتماد على المواد الكيميائية، كما يتم التوجه نحو تصنيع الأسمدة العضوية من مخلفات المزارع (الكمبوست، الفيرمي كمبوست، السماد السائل)، ما يرفع الإنتاجية ويقلل الأثر البيئي. خطوات واقعية لمعالجة آثار الحرب في ظل التحديات الناتجة عن الحرب والعقوبات الاقتصادية، يشير صيلين إلى أن الوزارة تنفذ عدة إجراءات منها تأهيل قنوات الري والسدود في حلب، إدلب، الغاب بتمويل من منظمة الفاو، ومكافحة زهرة النيل الضارة وإعادة فتح المصارف، ودعم مشاريع الري الحديث بالتعاون مع الفاو وبرنامج الغذاء العالمي وتعويض المتضررين من الكوارث الطبيعية لتأمين استمرارهم في العملية الإنتاجية، وخفض فاقد المحصول بعد الحصاد من 20 بالمئة إلى 10 بالمئة عبر تطوير الحصادات، وبناء مخازن جديدة، وتحديث المطاحن.

الدعم ضرورة وطنية

المهندس الزراعي موسى البكر أكد لـ”الثورة” أن الزراعة تمثل ركيزة أساسية في الاقتصاد السوري، لافتاً إلى أن البلاد تمتلك تنوعاً زراعياً واسعاً نظراً لتنوع جغرافيتها ومناخها، ما يجعل من دعم هذا القطاع أولوية استراتيجية.

وأوضح أن المناطق الشرقية من سوريا تتميز بزراعة الحبوب، خصوصاً القمح والشعير، بينما تختص المناطق الشمالية والجنوبية بزراعة الخضروات، بالإضافة إلى زراعة القطن في الجنوب.

أما في المناطق الساحلية والغربية، فتتركز الزراعة على الحمضيات واللوزيات وأصناف أخرى من الأشجار المثمرة، منوهاً بأن الدعم الزراعي يمثل عاملاً حيوياً في تعزيز الأمن المعيشي للمواطنين، إذ يسهم في زيادة فرص العمل وتحسين دخل الأسر، سواء كانت مرتبطة مباشرة بالزراعة أم لا.. كما أنه يدعم الإنتاج المحلي ويساعد في الوصول إلى حالة من الاكتفاء الذاتي، ولاسيما في المنتجات الأساسية كالحبوب والفواكه والخضراوات.

وشدد المهندس البكر على أن تحسين الإنتاج الزراعي يؤدي إلى تحسين الدخل القومي والفردي، لافتاً إلى أن القطاع الزراعي تضرر بشكل كبير خلال السنوات الأربع عشرة الماضية بسبب الحرب، ما أدى إلى تدمير البنية التحتية الزراعية وفقدان العديد من الأصناف الوراثية النباتية المهمة، داعيا إلى التركيز على المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح، القطن، والشوندر السكري، إلى جانب دعم زراعة الأشجار

المثمرة، مشيراً إلى أن هذه المحاصيل تمثل دعائم حقيقية للاقتصاد الزراعي ويمكن البناء عليها لتحقيق نتائج ملموسة.

تجربة إدلب كنموذج واعد ولفت إلى أن تجربة إدلب تُعد نموذجاً واعداً في مجال استثمار الدعم الخارجي بشكل فعّال، من خلال توفير تقنيات الري الحديثة، إنشاء منشآت ومعامل زراعية، تأمين أصناف محسّنة، بناء مختبرات ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي، واستغلال الموارد المائية المتوفرة بكفاءة، مؤكدا أن هذه المشاريع، إلى جانب إقامة الدورات التدريبية للمزارعين والفنيين الزراعيين، من شأنها أن تسهم في نقل الواقع الزراعي إلى مستوى أكثر تطوراً واستدامة.

وأشار البكر إلى وجود نماذج عالمية ناجحة في تحسين الواقع الزراعي يمكن الاستفادة منها، مثل التجارب اليابانية والصينية، وحتى بعض دول الخليج التي حققت قفزات نوعية في مجال تقنيات الري وتوفير المياه، مشدداً على أهمية البدء في إعادة تأهيل القطاع الزراعي من نقطة الصفر في المناطق التي تعرضت للدمار، وذلك من خلال تقديم دعم متكامل للمزارعين، إلى جانب وضع روزنامة زراعية وطنية تضمن تنظيم دخول المحاصيل إلى الأسواق المحلية واستيرادها في التوقيت المناسب، بما يحمي المزارع من المضاربة ويصون حقوقه.

وأكد أن التحديات لا تزال كبيرة، إلا أن هناك مؤشرات إيجابية وتفاعلاً متزايداً على أرض الواقع يبشر بتحسن تدريجي في المشهد الزراعي السوري.

يواجه المزارع معاذ الزعبي من مدينة طفس، بمحافظة درعا، واقعاً قاسياً نتيجة غياب الدعم الزراعي وارتفاع التكاليف بشكل غير مسبوق، مقابل انخفاض حاد في أسعار بيع المحاصيل.

ويقول: “لا يوجد أي نوع من أنواع الدعم الزراعي، كل شيء نشتريه على نفقتنا الخاصة، من البذار إلى الأسمدة وحتى الوقود، وجميعها تُحسب علينا بالدولار، وليس بالليرة السورية، بينما نبيع المحصول بأقل من تكلفة إنتاجه، ما يعني أن المواسم الزراعية كلها هذا العام كانت خسارة تلو الأخرى.

وأوضح الزعبي أن الخسائر طالت مختلف المحاصيل، من الفول والخس والبازلاء، وصولاً إلى البصل والثوم والخيار والبندورة، مؤكداً أن جميعها تُباع بأقل من سعر الكلفة بكثير، إضافة لمشكلة شح المياه تفاقمت بسبب قلة الأمطار هذا الموسم، ما زاد العبء على المزارعين، في حين تقتصر عملية تسويق المنتجات على الأسواق المحلية فقط، من دون وجود أي منافذ للتصدير، “وحتى عملية النقل من أرض الحقل إلى السوق باتت مكلفة جداً”، بحسب تعبيره.

ورغم هذا الواقع المرير، يؤكد الزعبي أنه لا يملك هو وغيره من المزارعين خياراً سوى الاستمرار في الزراعة، إذ لا مصدر دخل آخر لديهم، قائلاً: “نحن في بلد زراعي، والزراعة هي مورد رزقنا الوحيد، مطالباً باتخاذ إجراءات عاجلة لدعم القطاع الزراعي، وفي مقدمتها تقديم دعم مباشر للمزارعين، سواء عبر توفير مستلزمات الإنتاج بأسعار مدعومة، أو من خلال آليات تمويل ميسّرة وإعادة النظر في سياسة الاستيراد والتصدير، ولاسيما في مواسم الإنتاج المحلي، مشيراً إلى أن استيراد محاصيل مثل الفول والفواكه في أوقات ذروتها محلياً تسبب بانهيار الأسعار وتكبّد المزارعين خسائر فادحة.

آخر الأخبار
مساعدات إغاثية تصل إلى 1317 عائلة متضررة في ريف اللاذقية" عطل طارئ يقطع الكهرباء عن درعا تمويل طارئ للدفاع المدني السوري لمواجهة حرائق الغابات بريف اللاذقية إغلاق مؤقت لمعبر كسب الحدودي بسبب الحرائق في ريف اللاذقية محافظ حلب يتابع انطلاق امتحانات الثانوية كبار في السن يتقدمون لامتحانات الثانوية العامة بدرعا 20482 متقدماً في اللاذقية لامتحانات الثانوية العامة والشرعيّة ارتفاع الكشفيات الطبية في درعا يدفع المرضى لحلول بديلة تسويق 29 ألف طن قمح في درعا في حضرة الغياب.. نضال سيجري العفوية المدهشة والفن الصادق إزالة أكشاك بمحيط حديقة الجاحظ في المالكي بدمشق 15 ألف طالب وطالبة في امتحانات الثانوية العامة بدرعا تحسين البنية التحتية الكهربائية في الفوقا ودير مار سركيس انطلاق ملتقى فرص العمل للأشخاص ذوي الإعاقة بدمشق بين الفهم والحفظ والتحليل..  طلاب الفرع الأدبي: أسئلة الفلسفة طويلة والوقت قصير  طلاب الثانوي العلمي في امتحانهم الأول.. أسئلة الفيزياء متوسطة الصعوبة  وزير الطوارئ يثمّن الدعم القطري لإخماد حرائق ريف اللاذقية في اليوم العاشر للحرائق... عمليات ميدانية مكثفة لعزل النيران وتبريد البؤر الساخنة   امتحانات الشهادة الثانوية في سوريا.. محطة مفصلية تحدد مصير آلاف الطلاب ومستقبلهم  حافلات لنقل طلاب الثانوية في ضاحية 8 آذار إلى مراكز الامتحان