الثورة – عمار النعمة:
تمر الأيام وتبقى الذكريات، وتتكرر المناسبات فيما يظل بعض الأشخاص كأنهم لم يغيبوا، من بين هؤلاء، يطلّ نضال سيجري كحالة استثنائية من النقاء الفني والصفاء الإنساني، ممثلٌ لا تكرّره المهنة، وروحٌ يصعب أن تحتضنها الكلمات.
لم يكن نضال سيجري مجرد ممثل بارع، بل كان مدرسةً قائمة بذاتها، امتلك أدواته بمهارة فنية عالية، وجسّد أدواراً متنوعة ببراعة جعلته قادراً على التنقل بين كوميديا خفيفة وأخرى سوداء، وبين دراما مؤلمة وإنسانية شفافة، في كل دور، كان يحمل رسائل تتجاوز حدود الشخصية، وتغوص في عمق الإنسان، في هشاشته وجماله وتناقضاته.
“أسعد خرشوف”..عندما يصبح الدور مرآة الروح
في مسلسل “ضيعة ضايعة” الذي أخرجه الليث حجو، قدّم نضال شخصية “أسعد خرشوف” بأسلوب جعلها جزءاً من وجدان السوريين، لم تكن مجرد شخصية خيالية، بل تجسيد لما يمكن أن يكون عليه الإنسان إذا نزع عنه التكلف والتصنع، تلك العفوية المدهشة، والحسّ الكوميدي الفطري، خلقت أيقونة فنية لا تنسى، وأثبتت أن الأداء الصادق يصل للجمهور بلا وسيط.
شراكته الفنية مع الراحل باسم ياخور شكّلت ثنائياً نادراً في الكوميديا السورية، حيث امتزج الذكاء الأدائي بالانسجام الطبيعي، ليحمل العمل قيمة اجتماعية وثقافية عالية دون أن يفقد سحره وبساطته.
ما ميّز نضال سيجري ليس فقط موهبته، بل رؤيته للحياة كان يرفض أن يكون الفن وسيلة للتمثيل فقط، بل أراده أداة للتأثير والتعبير والاحتواء. وحتى حين اشتدت عليه الأزمة الصحية، ظلّ صوته وأفكاره حاضرين، يعكسون قدرة الإنسان على مقاومة الألم بالجمال، وعلى مواجهة الضعف بالقوة الوجدانية.
في لقاء عابر جمعني بسيجري في مجمع صحارى بدمشق، سألته أنذاك عن إمكانية إنجاز جزء ثانٍ من مسلسل ضيعة ضايعة، خصوصاً أن الأجزاء الثانية كثيراً ما تفتقد بريق البداية.. أجابني حينها بهدوئه المعتاد: “لا أريد، ولكن الجمهور يطلب ذلك”.
وبالفعل، استجاب لنداء الجمهور، ونجح الجزء الثاني كما الأول، مؤكداً من جديد أن الفن الصادق يصل دائماً.
كان نضال سيجري فناناً يحترم فنه وجمهوره، يحافظ على اتزانه وأدائه في كل مرة، لتبقى أعماله تعبّر عن روحه النقية وإحساسه العالي.
رحل نضال سيجري بصمت، لكن حضوره باقٍ فينا، بأدواره، وبروحه المرحة، وبإنسانيته التي سبقت فنه.
نضال سيجري الذي تمر ذكرى وفاته لم يكن ضيفاً عابراً على الشاشة، بل أحد من صنعوا ذاكرة فنية وإنسانية متكاملة، سيبقى في القلوب والوجدان، لأنه اختار أن يكون فناناً بمستوى الروح، لا فقط المهنة.