الثورة – لينا شلهوب:
في صباح يوم امتحاني مشحون بالتفكير والأسئلة العميقة، جلس طلاب الفرع الأدبي اليوم أمام ورقة امتحان ليست كغيرها من الأوراق، إنها ورقة الفلسفة، إذ لا تكفي المعلومات المجردة، بل يُختبر فيها العقل، ويُستدعى المنطق، ويُقاس مدى القدرة على التحليل والربط.
امتحان اليوم، يعتبره كثيرون من “أعقد الامتحانات” وأكثرها تطلباً من حيث الصياغة والعمق، ما يجعلها محطة حاسمة في مسيرة الطلبة نحو الشهادة الثانوية.
فيما اعتبره البعض من الطلبة، من أكثر المواد إثارة للجدل، لما تتطلبه من عمق في التفكير ومهارات تحليلية عالية، ورغم انطباع الكثيرين بأنها مادة نظرية صعبة، إلا أن لها أهمية مركزية في بناء التفكير النقدي والمنهجي.
مادة العقل والأسلوب
تتميز الفلسفة بطابعها الفكري والمنطقي، وتتناول موضوعات تتعلق بالوجود، القيم، المعرفة، الجمال، الأخلاق، والمجتمع، وترى المعلمة نجلاء بركات أن الفلسفة ليست فقط مادة دراسية، بل تدريب على التفكير المنهجي، والتحليل النقدي، فهي تعلّم الطالب كيف يطرح الأسئلة، ويفكك المفاهيم ويعيد بناءها وفق منطق واضح.
وتضيف: صعوبتها تكمن في أنها لا تكتفي بالحفظ، بل تشترط الفهم العميق، وصياغة الأفكار بأسلوب واضح ومتماسك، وهي بذلك تكشف عن النضج الفكري للطالب.
أكثر من مجرد مادة دراسية
خرج الطلاب من قاعات الامتحان سواء بدمشق أم ريفها، بآراء متباينة حول الورقة الامتحانية، الطالبة هدى من دمشق قالت: الأسئلة ليست غريبة، كانت مألوفة، لكن التعبير عن الفكرة بطريقة فلسفية كان صعباً، لذا يقال عنها “من السهل الممتنع”.
ورأتها ديما. ش أنها ليست مجرد إعادة ما درسناه، كان عليّ أن أرتب أفكاري وأضعها في سياق منطقي.
بينما وصف مازن. أ طالب من ريف دمشق، أن الامتحان “محيّر”، موضحاً أن الأسئلة كونها مؤتمتة تعتبر طويلة، وكان هناك تشابهاً في الخيارات، وهذا متعب.
لبنى. ع من ريف دمشق، خرجت مرتبكة ومتوترة، واصفة بأن الإجابات المراد الاختيار بينها متقاربة، ولم تستطع التركيز ومعرفة الإجابة الصح، وسؤال المذاهب كان من الأصعب.
واعتبر ياسر. م أن الأسئلة طويلة ومعقدة، قائلاً: رغم أنني درست جيداً، إلا أنني شعرت بحاجة إلى المزيد من الوقت كي أستطيع أن اختار بين الخيارات المقترحة والتي كانت تضعني في دوامة.
الأستاذ مروان. س يؤكد أن الفلسفة تعتمد على التفكير النقدي، ولا يمكن لأي طالب أن ينجح فيها إذا اكتفى بحفظ المعلومات، فالنجاح يتطلّب تفكيراً عميقاً وسعياً لإيجاد روابط بين المفاهيم المختلفة.
ضمن الإطار المنهجي
من جانبهم، أكد عدد من المراقبين التربويين أن الامتحان جرى بهدوء نسبي، من دون تسجيل مخالفات كبيرة، مع التزام الطلاب بالتعليمات.
الأستاذ سمير. د مدير ثانوية، بيّن أن الأسئلة جاءت واضحة من حيث اللغة، لكنها تحتاج إلى طالب متمرّس في الأسلوب الفلسفي، وهي بذلك تعكس طبيعة المادة وتفي بالغرض التربوي منها، ولا يخفى على أحد أن الفلسفة توصف بأنها حب الحكمة والمعرفة، وتحاكي في إحدى جوانبها الطبيعة الإنسانية غير المرئية والمكنونات الذاتية، إضافة إلى مقاربات طبيعية وموضوعية.
وفي تقييم أوّلي للأسئلة، أشار بعض معلمي الفلسفة إلى أن الورقة الامتحانية راعت الفروقات الفردية، مع احتوائها على أسئلة من صميم المنهج، تتدرّج بين الفهم النظري والتطبيق التحليلي.
المدرّسة جمانة م. وصفت الفلسفة بأنها تُعتبر من أروع الأدوات لقياس مستوى نضج الطالب الفكري، والأسئلة هذا العام راعت تنوع مستويات الطلاب، وكونها تعتمد على التحليل والفهم، فهي تعد مادة فريدة لأنها تجمع بين التحدي والإبداع.
بداية مشحونة
مع الانطلاق بامتحان مادة الفلسفة، شعر طلاب الفرع الأدبي بأنهم عبروا واحدة من أكبر التحديات في مسيرتهم الامتحانية، بينما تنتظرهم في الأيام المقبلة مواد أخرى تعتمد على مهارات الكتابة والتحليل، مثل اللغة العربية والتاريخ، ورغم القلق الذي رافق اليوم الأول، بدا بعض الطلاب متفائلين بأن البداية الصعبة قد تمنحهم دفعة معنوية للاستمرار، خاصة أن مادة الفلسفة– كما يقول أحدهم– تُعلِّمنا التفكير، حتى وسط التوتر.