الثورة – تحقيق هلال عون:
الغابات من أعظم الثروات الطبيعية التي منحها الله لجميع مخلوقاته الحية، وهي من الموارد الطبيعية المتجددة، وتعتبر رئة الأرض، تلطف المناخ وتجعله أكثر اعتدالاً في درجات الحرارة وأكثر رطوبة.. وهي مصدر للأوكسجين والهواء العليل.
وهي غنية بالتنوع الحيوي وموطن للعديد من النباتات والحيوانات وتحتوي على معظم الأصول الوراثية للنباتات البرية، وهي مصدر من أهم مصادر جمال الطبيعة وأماكن السياحة والتنزه.
ما العمل الآن؟
بعد الحرائق الهائلة التي ضربت غابات سوريا، وقضت على مساحة تزيد على خمسة عشر ألف هكتار.. لا شك أن السؤال الأهم هو: كيف نمنع حدوث ذلك مستقبلاً؟ وما هي أفضل السبل وأكثرها تطوراً للوقاية من الحرائق، سواء كانت حرائق غابات أو معامل أو مستودعات.. الخ؟.
صحيفة الثورة أجرت هذا التحقيق، لتضع ما فيه من أفكار متقدمة بين أيدي المعنيين..
آلية إطفاء الحرائق
الخبير التقني والاقتصادي، رجل الأعمال الصناعي فيصل العطري تحدّث عن آلية إطفاء الحرائق، وقسّم تلك الآلية إلى جزأين: الأول: الإنذار المبكر والاكتشاف.. الثاني: مكافحة الحريق.
أما الإنذار المبكر فيعتمد على مجموعة درونات تحمل كاميرات حرارية حساسة، تكتشف اختلافات صغيرة جداً بدرجات الحرارة، وتطير الدرونات في الغابات وتغطي كامل الغابة بنفس الوقت، ويمكن باستخدام الذكاء الاصطناعي في تقدير الموقف واتخاذ القرار.
العطري أوضح أن هذا الحل يسمح باكتشاف أي كائن في الغابة، اكتشاف أي شرارة ما يسمح باكتشاف الحريق لحظة تكوّن الشعلة.
نظام المكافحة
أما نظام المكافحة فيتألف من ثلاثة مستويات:
المستوى الأول: يتألف من شبكة مرنة من الأنابيب مزودة بفوهات خاملة لإطفاء الحريق.. وعند الإنذار تقوم مجموعة كلاب روبوت مخصصة للإطفاء، بالتحرك نحو فوهات الحريق وتوصل خراطيم الإطفاء وترسل إشارة لإطلاق سائل مكافحة الحريق “يمكن أن يكون مركباً كيميائياً رغوياً يحيط بالحريق ويمنع عنه الأوكسجين” وتقوم بتوجيه فوهات إطلاق السائل باتجاه بؤرة الحريق.
المستوى الثاني: يتألف من مجموعة من الدرونات المحمّلة بخراطيم وفوهات إطفاء تتمركز فوق فوهات الحريق وتُدلِّي خراطيمها، وتقوم مجموعة كلاب روبوت ROBOT DOGS بوصل خراطيم الدرونات بفوهات الإطفاء، وتتجه الدرونات لموقع بؤرة الحريق وتوجّه فوهات الإطفاء التي تحملها نحو بؤرة الحريق، وترسل إشارة لإطلاق سائل الإطفاء.
المستوى الثالث: هو المستوى التقليدي.
أمثلة ناجحة
قد يقول قائل: إن هذه المنظومة أصغر من أن تكافح حريق غابات!! يرد العطري على سؤالنا بالقول: هذا الكلام صحيح عند تأخر المعالجة واستفحال الحريق.
ويطرح أمثلة على الاكتشافات والمعالجات الناحجة، فيقول: أسرع استجابة كانت في كاليفورنيا، سنة2021 باستخدام نظام الكاميرات الذكية FireWatch حيث لم تسجل أضرار تذكر.
بالمقابل هناك حالات امتد زمن الاكتشاف ليصبح 10-14 يوماً، ففي كندا – نورنفيل سنة 2023 اشتعل حريق في غابة نائية، ولم يكتشف إلا عبر القمر الصناعي!!. الحالات الأسرع بمنطقتنا أسرع حالات استجابة بمنطقتنا 3-6 دقائق في سنة 2020 في “الكيان الإسرائيلي”، باستخدام مستشعرات وكاميرات حرارية، تليها اسبانيا التي سجلت 7 -10 دقائق باستخدام نظام حراري وطائرات مراقبة سنة 2022، تليهما اليونان التي سجلت زمن استجابة 10- 15 دقيقة باستخدام نظام إنذار مركزي مع طائرات بدون طيار سنة 2021.
ما الذي يجعل الاستجابة سريعة؟
أولاً: أنظمة الإنذار المبكر.
ثانياً: استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات البيئية والكشف المبكر.
ثالثاً: استخدام نظام اتصالات مضاعف، بحيث نضمن وجود بديل عن غياب الأول.
رابعاً: آليات مكافحة حريق سريعة وجاهزة وفعالة وبعدة مستويات، ومتواجدة دوماً قرب مناطق الخطر.
وفي نهاية الحديث معه قال العطري: أود أن أعلق على مقال نشرته صحيفة الثورة الغراء، يوم أمس، وهو مترجم عن CNN حول بحث طموح وواعد تقدم به مجموعة طلاب وتبنته شركة Pyriscence.
وأضاف: برأيي أن المشروع جيد كونه ذا تكلفة محدودة جداً، لكنه بطيء، إذ لن يكتشف الحريق إلا بعد اندلاعه ووصول درجات الحرارة لمستوى ينبه الجهاز، ما يعني أن الحريق يكون قد تحول إلى لهب يصعب التعامل معه.
بالنسبة للاستعانة بالأقمار الاصطناعية، برأيي أن شكلها الحالي غير مناسب لأنها بطيئة بتحديث بياناتها، لذا تعمل الحكومة الأميركية وGoogle على تطويرها وتطوير تقنيات تتبع حرائق الغابات، لكن هذه الأنظمة مكلفة جداً، لذا تصبح أنظمة مشابهة لما تحدثت عنه أكثر ملاءمة والتي أتوقع أن تكلفتها لن تكون كبيرة جداً.
العامل البشري
المهندس الزراعي ميسم جليس تحدث عن العامل البشري في حرائق الغابات، وخاصة في منطقة البحر الأبيض، ملخصاً الأمر فيما يلي:
أولاً: حرق بقايا الأغصان والمحاصيل الزراعية.
ثانياً: حرق النفايات في أماكن قريبة.
ثالثاً: بقايا السجائر والرماد الناتج عن التنزه والسيران والتحطيب.
وعن العوامل التي تساهم في انتشار الحرائق، أوضح المهندس جليس أن أهمها موجات الجفاف، وانخفاض الرطوبة، وارتفاع درجات الحرارة لفترات طويلة، والرياح الشديدة، والإهمال لعمليات المتابعة والمراقبة والحراسة والخدمات المخصصة للغابات.
وتحدّث عن أهم الأضرار الناجمة عن الحرائق، وذكر في مقدمتها: تدمير النظام البيئي الموجود في منطقة الحريق، وفقدان التنوع البيولوجي، وتدمير موائل العديد من الكائنات الحية، وفقدان التنوع الحيوي الذي يحتاج لعشرات السنين للتعافي، بالإضافة إلى تدهور التربة وانخفاض خصوبتها، وإزالة الطبقة الدبالية الغنية منها.
كذلك ذكر تلوث الهواء، نتيجة الدخان والغازات المنبعثة، بالإضافة للآثار الصحية والتنفسية على الإنسان، وكذلك الآثار الاقتصادية الكبيرة جداً.
الإجراءات الوقائية
وعن الإجراءات الوقائية، شدّد المهندس جليس على أهمية نشر الوعي وثقافة المواطنة وبيان أهمية الغابات، وطرق المحافظة عليها، تضافر الجهود لجميع السكان والمجتمعات المدنية مع الجهات المختصة والدفاع المدني، استخدام طرق حديثة للمراقبة كطائرات بدون طيار، وإقامة أبراج مراقبة وخزانات مياه وآبار داخل الغابات، وإنشاء خطوط نار ضمن الغابات لقطع مسار الحرائق ومنع انتشارها.
كذلك يجب تطبيق القوانين بشكل صارم بحق كل مستهتر،أو عابث، أو مخالف للقوانين المفروضة لحماية الغابات.
حماية المصانع والمستودعات
١وللحديث عن سبل الوقاية من الحرائق التي تتعرض لها المعامل والمستودعات المكشوفة، والأسواق، التقت صحيفة الثورة المهندس عصام جحا، الذي قال: في عام 2010 كنا بصدد أتمتة العمل في مستودعات شركة كهرباء ريف دمشق، ومن ضمن العمل كانت الحاجة لنظام الإنذار ومكافحة الحريق.
وكان التوجه هو استخدام كاميرات مراقبة وحساسات الدخان والحرارة. وتابع جحا: أرى أن حماية المستودعات المكشوفة تكون عبر:
أولاً: تنظيم التخزين وترك مسافات فاصلة بين أكوام الأعمدة الخشبية وبكرات الكابلات.
ثانياً: عدم تكديس المواد القابلة للاشتعال فوق الحد المسموح به وتخزينها في أماكن مخصصة وبشكل آمن.
ثالثاً: إزالة مسببات الاشتعال كالتدخين، ومنع إشعال النار قرب المواد القابلة للاشتعال أو استخدام أدوات تلحيم وقص المعادن دون تصريح، والحفاظ على نظافة الساحة من النفايات والمواد القابلة للاشتعال كالأعشاب الجافة.
رابعاً: تأريض الحاويات المعدنية والخزانات لتفريغ الشحنات الكهربائية.
خامساً: إجراءات الأمن والسلامة، مثل وضع لافتات تحذيرية وتعليمات واضحة، وتدريب العمال على السلامة ومخاطر الحريق.
سادساً: تركيب كاميرات مراقبة وأنظمة إنذار مبكر، مثل كواشف الدخان والحرارية.
سابعاً: تجهيز الأماكن الخطرة بأجهزة الإطفاء المناسبة، كمطافئ الحريق المتنقلة (بودرة جافة أو ثاني أكسيد الكربون) حسب نوع المواد المخزنة، وشبكات مياه رش عالية الضغط (Hydrants) حول الساحة مع خراطيم جاهزة، وصهاريج مياه احتياطية خاصة في المواقع البعيدة عن شبكات الإطفاء.
ولزيادة وثوقية العمل يجب دمج وسائل الوقاية والمكافحة مع خطة طوارئ متكاملة (تشمل التدريب، ونظام اتصال سريع مع الدفاع المدني) هو أفضل ضمان لحماية المستودع المكشوف من الحريق.