الثورة – هنادة سمير:
يعد التعاون والتشارك بين الوزارات من الركائز الأساسية لبناء دولة حديثة وفعالة، قادرة على مواجهة التحديات التنموية والسياسية والاجتماعية.. ففي أي نظام حكومي، لا يمكن للوزارة أن تعمل بمعزل عن الأخرى، خصوصاً في ظل التعقيدات المتعددة التي تواجه الدول، فالتعاون يعزز من تكامل الجهود، ويوفر الموارد، ويقلل التداخلات والتضارب في القرارات، كما يضمن تقديم خدمات متكاملة للمواطنين، وعلى المستوى الإداري يدعم بناء مؤسسات أكثر شفافية وكفاءة، ويحفز الابتكار من خلال تبادل الخبرات والمعلومات.
في سوريا، التي مرت بفترة طويلة من الصراعات والاضطرابات، يكتسب هذا التعاون بعداً حيوياً لأنه يمثل عاملاً مهماً في إعادة بناء الدولة وإعادة تنظيم الإدارة العامة، فالحاجة إلى تنسيق متقدم بين الوزارات أصبحت ضرورية لتجاوز تداعيات الحرب وتحقيق التنمية المستدامة.
قبل اندلاع الأحداث في سوريا، كان التعاون بين الوزارات يعاني من عدة تحديات هيكلية وتنظيمية، وكان الاعتماد كبير على الهيكل المركزي الذي يركز السلطة في أيدي رأس الهرم، مع ضعف التنسيق الفعلي بين الوزارات.. مما ينشأ عنه في كثير من الأحيان ازدواجية في المهام وتضارب في القرارات، ما أدى إلى بطء في تنفيذ السياسات وضعف في استجابة الجهات الحكومية لاحتياجات المواطنين.
ومن جانب آخر أثرت الثقافة الإدارية القائمة على البيروقراطية على انسيابية العمل، مما جعل التعاون يتسم غالباً بالشكلية من دون تحقيق نتائج فعلية ملموسة على الأرض.. وأدى الفساد الإداري إلى إضعاف الثقة بين الوزارات وبين المؤسسات الحكومية والمواطنين على حد سواء.
واقع ما بعد التحرير
مع بدء مرحلة التحرير، ظهرت فرص جديدة لتطوير آليات التعاون بين الوزارات، وأصبحت الحاجة إلى تكامل الجهود بين مختلف الجهات الحكومية أمراً ملحاً بسبب حجم التحديات التنموية، ومنها إعادة الإعمار، تأمين الخدمات الأساسية، وإعادة النازحين.
وفي هذا السياق شهدت بعض الوزارات محاولات واضحة لإقامة شراكات وتعاون بينها مثل التعاون بين وزارة الأشغال العامة ووزارة التخطيط ووزارة المالية لتنظيم مشاريع إعادة الإعمار, كما بدأت بعض الوزارات باستخدام التكنولوجيا الحديثة لتعزيز التواصل وتبادل البيانات بشكل أكثر فاعلية.
لكن الواقع على الأرض لا يزال يواجه صعوبات كبيرة، منها التداخلات في الصلاحيات، ضعف التنسيق الرسمي، وتضارب القوانين والقرارات التي تصدر أحياناً بشكل منفرد من قبل وزارات مختلفة، ما يربك الموظفين والمواطنين، كما أن ضعف البنية التحتية الإدارية يؤثر سلباً على فاعلية التعاون.
يتفق أغلب الموظفين في المؤسسات الحكومية على أن التعاون بين الوزارات ضرورة ملحة لتحقيق إنجازات ملموسة، لكنهم يشيرون إلى وجود عقبات إدارية وثقافية تعوق هذا التعاون.
أما المواطنون، فغالباً ما يشعرون بالإحباط نتيجة التضارب في القرارات، ويرى آخرون أن ضعف التعاون بين الوزارات يعكس ضعفاً أوسع في منظومة الحوكمة، مما يستدعي إصلاحات جذرية تعزز التكامل وتسهّل الوصول للخدمات.
خارطة طريق لتعزيز التنسيق
في إطار الجهود الوطنية لإعادة تنظيم مؤسسات الدولة بعد التحرير، طرح الخبير في التخطيط الاستراتيجي وتطوير الأعمال الدكتور هاشم النوري مبادرة متكاملة تهدف إلى إعادة هيكلة آليات التعاون والتنسيق بين الوزارات، معتبراً أن العمل الحكومي في سوريا بحاجة إلى إدارة موحدة ومؤسساتية تتجاوز العمل القطاعي التقليدي.
وفي حديثه لصحيفة الثورة، أوضح النوري أن المبادرة ترتكز على خمسة محاور رئيسة تشكل خارطة طريق للإصلاح الإداري:
إعداد استراتيجية وطنية شاملة تضع رؤية مستقبلية واضحة لإدارة الدولة ومؤسساتها، وتأسيس فرق تخطيط استراتيجي ومكاتب لإدارة المشاريع داخل كل وزارة، لضمان توحيد الأداء وتسريع تنفيذ الخطط ووضع مؤشرات أداء واضحة لمتابعة تنفيذ المشاريع الحكومية وتقييم نتائجها بشكل دوري، إضافة لإطلاق برامج تأهيل وتدريب للكفاءات الوطنية، لتعزيز قدرات الكوادر الإدارية والفنية في المؤسسات الحكومية وتعزيز الشراكات مع المنظمات الدولية والجهات المانحة، بهدف الاستفادة من التجارب العالمية في إدارة المؤسسات.
وأكد النوري أن هذه المبادرة تمثل، حسب وصفه، مشروعاً نهضوياً يتجاوز إعادة الإعمار بالمعنى التقليدي، ليؤسس لبناء دولة حديثة قائمة على الحوكمة الرشيدة واقتصاد المعرفة.
وفيما يتعلق بالتنسيق الوزاري، شدد على ضرورة إنشاء مكاتب تنسيق داخل الوزارات والمؤسسات، تعمل كجسور تواصل فاعلة، تضمن تحقيق التناغم المؤسسي وسرعة اتخاذ القرار وتنفيذ المشاريع، معتبراً أن غياب هذه الآلية كان من الأسباب الجوهرية لترهل الإدارة السورية سابقاً.
وختم النوري بالتأكيد على أن “إعادة الإعمار تحتاج إلى عقل مؤسسي منظم، ينظم الموارد، يوجه الطاقات، ويبني القدرات بشكل علمي”.
فالتعاون والتشارك بين الوزارات في سوريا يمثلان ركيزة أساسية لإعادة بناء الدولة وتنفيذ سياساتها التنموية بفعالية، لكن ذلك يتطلب إرادة حقيقية وإصلاحات تنظيمية إضافة إلى تعزيز ثقافة التعاون داخل الجهاز الحكومي.