الثورة- نور جوخدار
طوال سنوات الحرب شكّل استخدام السلاح الكيميائي واحدة من أبشع الجرائم المرتكبة بحقّ الشعب السوري، فمجازر الغوطة وخان شيخون وحمص وغيرها والتي راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء، تركت جراحاً عميقة لا تمحى من الذاكرة السورية. اليوم، وبينما تتعهد سوريا الجديدة بإنهاء ملف الأسلحة الكيميائية وتتطلع لمستقبل خالٍ من أسلحة الدمار الشامل، والانتقال إلى مرحلة جديدة من الانفتاح الدولي والتعاون البناء مع جميع شركائها في المجتمع الدولي، يبقى السؤال الأهم: ماذا عن العدالة للضحايا؟. وأين موقع المحاسبة في مسار بناء الدولة؟.
وفي لقاء خاص أجرته صحيفة الثورة مع المحامي والأكاديمي السوري زهيرمارديني الذي كان شاهداً على هذه المجازر، أكد أن عدد الضربات الكيميائية التي نفذها النظام البائد ضد أهداف مدنية تجاوز الخمسين هجوماً موثقاً، كان أعنفها مجزرة غوطة دمشق الشرقية في ٢١ آب عام ٢٠١٣ والتي شهدها شخصياً، واصفاً إياها بأنها “الهجوم الأشرس والذي لا يمكن تفسيره إلا برغبة جلاوذة النظام في الانتقام المباشر من المدنيين”.
مارديني أكد أنه في ذلك اليوم أطلق النظام في دمشق مسيرات تأييد تمجيداً للضربة بحسب ما وصلنا حينها، إمعاناً منه بتعميق الشرخ المجتمعي ونكايةً بالحاضنة الثورية التي أباح رأس النظام استهدافها بشتى السبل عبرعدة تصريحات له”.
وقال: بحسب الفقه القانوني الدولي، فإن أحد أسباب تحريم هذه الأسلحة هو عدم القدرة على الحدّ من نطاق انتشارها في المناطق المأهولة، فضلاً عن أثرها المدمرعلى البيئة وما تسببه بأضرار جسدية وصحية تتنافى مع حرمة الجسد البشري وما تلحقه من تعذيب وآلام غير مبررة، سواء بجنود العدو أو بالمدنيين.
واستحضر مارديني مثالاً آخر للهجمات الكيميائية فقال: “أذكر على وجه الخصوص الهجوم الذي وقع في الرابع من نيسان عام ٢٠١٨ مع نهايات معركة الغوطة الشرقية في مدينة دوما تحديداً، مخلفاً عشرات الشهداء من المدنيين”، وقال: إنه من المنصف تاريخياً للشهداء وذويهم إطلاق صفة “نظام العصابة الكيميائية” على نظام الأسد المخلوع، إنصافاً ودمغاً لصفحات التاريخ بما لا يمكن التشكيك فيه مستقبلاً.
وحول إعلان سوريا التزامها بإنهاء ملف السلاح الكيميائي، وما إذا كان من الممكن تجاوز هذا الملف من دون محاسبة المسؤولين عن المجازر السابقة، أكد المحامي مارديني أنه من غير المقبول تجاوزمسألة المحاسبة عن هذه الهجمات الانتقامية غيرمبررة عسكرياً وفقاً لقانون الحرب، لافتاً إلى الجهود التي بذلتها منظمات المجتمع المدني السورية قائلاً: “لقد كان لتلك المنظمات صولات وجولات أمام المحاكم الدولية، حيث أبلت ما استطاعت من جهد للفت النظر لهذه الانتهاكات ومعاقبة الفاعلين.
ورأى أن الوضع الحالي بعد تحرير سوريا يعيد الاختصاص إلى القضاء المحلي، باعتباره الأوّلى وصاحب الاختصاص الأصلي بمحاكمتهم، مضيفاً أن الضباط المنفذين في سلاح الجو والمدفعية في جيش النظام البائد لا يزالون داخل سوريا، أما بالنسبة للفارين خارجها، فأكد أن هناك وسائل قانونية لملاحقتهم وإلقاء القبض عليهم من خلال اتفاقيات تسليم المجرمين أو عبرمذكرات توقيف دولية، وتفاهمات دبلوماسية وسياسية وربما تعاون أمني بين الدول المضيفة لهم.
وعن دورهم كحقوقيين، طالب مارديني بصفته محام ومدافع عن حقوق الإنسان ومعني بالشأن العام داخل سوريا، الحكومة بتوضيح سياستها بخصوص معاقبة مجرمي الحرب من منسوبي النظام السابق، مشدداً على أن من حقّ ذوي الضحايا معرفة السياسة الحكومية المتبعة، دفعاً لأي جدل غيرنافع على وسائل التواصل الاجتماعي.
وعن سبل الإنصاف، تساءل مارديني: هل ستتشكل محاكم ثورية لها شرعتها الخاصة التي تلبي حالة الغليان الشعبي بإجراءات سريعة للقصاص والتعويض؟.
أم سنبقى نعاني في غياهب المحاكم العادية وإجراءاتها التي لا ترقى لخطورة إهمال مواكبة هذه المرحلة الخطيرة؟.
وأكد أن “ما يهمّ السوريين اليوم ليس مجرد رؤية الضابط المجرم “بالبزة المُخططة” دون رؤية محاكمة علنية ومنقولة على الإعلام، على غرار محاكمة الرئيس العراقي السابق صدام حسين، فالعلنية من شأنها تخفيف الاحتقان الشعبي، وتعزيزمفهوم دولة القانون، وردع الناس عن حالات استيفاء الحق بالذات بما يجهز على ما تبقى من السلم الأهلي، خاصة في المناطق متعددة الإثنيات والطوائف.