الثورة – إيمان زرزور:
تشهد مدينة إدلب في الشمال السوري أزمة سكن متفاقمة، تتجلى بوضوح في الارتفاع الحاد لأسعار الإيجارات، ما أدى إلى إنهاك شريحة واسعة من السكان، لاسيما العائدين من اللجوء أو مناطق النزوح، والباحثين عن مسكن دائم بعد سنوات من الشتات.
ويأتي هذا التصاعد في أسعار العقارات بالتوازي مع تداعيات سقوط نظام الأسد، وعودة تدريجية لحركة السكان في عدد من المناطق، ورغبتهم في الاستقرار في مراكز المدن الرئيسية، لاسيما مدينة إدلب، انعكس سلباً على باقي المقيمين مع تحكم أصحاب المنازل واستغلالهم للظرف.
قال سكان محليون لصحيفة “موقع الثورة” إن أسعار إيجارات المنازل تضاعفت في الفترة الأخيرة بشكل غير مسبوق، إذ تجاوزت في بعض الحالات حاجز 300 دولار شهرياً، وهو مبلغ يفوق قدرة الكثير من العائلات، لا سيما تلك التي لا تمتلك دخلاً ثابتاً، أو تعتمد على المساعدات المحدودة.
ويصف الأهالي ما يحدث بأنه “فوضى سوق”، في ظل غياب رقابة حقيقية من الجهات المختصة على قطاع الإيجارات، وامتناع أصحاب العقارات عن الالتزام بتسعيرات عادلة أو عقود منظمة، ما فتح الباب أمام استغلال واضح، خاصة للعائدين من المهجر الذين يبحثون عن بداية جديدة في المدينة.
لا يقتصر العبء على ارتفاع الإيجار فقط، بل يتعداه إلى واقع المنازل نفسها، حيث يضطر الكثير من المستأجرين إلى تحمل تكاليف إضافية لإصلاح المرافق الأساسية، كالكهرباء والمياه والصرف الصحي، وهي مسؤوليات من المفترض أن تقع على عاتق المالك، إلا أن كثيراً منهم يرفضون إجراء أي صيانة، ويشترطون استلام الإيجار كاملاً دون تنازلات.
وأشار عدد من المستأجرين إلى أن بعض المنازل المعروضة للإيجار لا تصلح للسكن الآدمي، إذ تفتقر لأبسط شروط السلامة أو التهوية الجيدة، ومع ذلك تُطرح بأسعار مرتفعة، في ظل انعدام البدائل المناسبة أو المخيمات القريبة القادرة على استيعاب المزيد.
يشكل العائدون من تركيا وأوروبا ولبنان الشريحة الأكثر استهدافاً من قبل مالكي العقارات، حيث يعتمد كثير من المالكين على كون هذه العائلات تمتلك بعض المدخرات أو المساعدات الخارجية، فيرفعون الأسعار بشكل مبالغ فيه بمجرد معرفتهم بكون المستأجر عائداً من الخارج.
كما يشير مراقبون إلى أن غياب سياسة إسكانية واضحة، أو برامج حكومية لإعادة تنظيم القطاع، ساهم في زيادة الأزمة، وخلق بيئة ملائمة للربح غير المشروع، في وقت لا تزال فيه البنية التحتية للمدينة بحاجة ماسة إلى إعادة تأهيل شاملة.
ويطالب الأهالي في إدلب الحكومة المحلية والجهات المسؤولة عن إدارة المنطقة بالتدخل العاجل لوضع حد لجشع مالكي العقارات، عبر وضع تسعيرة رسمية للإيجارات تتناسب مع الوضع المعيشي، وإلزام المؤجرين بتحسين حالة المنازل المعروضة للسكن، وتنظيم العقود بشكل قانوني يضمن حقوق الطرفين، أو إطلاق مشاريع إسكان بديلة لذوي الدخل المحدود.
ويرى السكان أن استمرار هذا الوضع دون تدخل حازم، قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، وزيادة حدة الفقر والنزوح الداخلي، ما يهدد الاستقرار الهش في مدينة تحاول لملمة جراحها بعد سنوات الحرب.