الثورة – سهى درويش:
بدأت وزارة التربية تطبيق نظام الامتحانات المؤتمتة لطلاب الشهادة الثانوية هذا العام الدراسي بشكل تدريجي، وتضمنت الامتحانات مواد مؤتمتة وغير مؤتمتة، وتم تحديد تسع مواد تُقدَّم عبر الامتحانات المؤتمتة، وهي: الرياضيات، الجغرافيا، التربية الوطنية، الفلسفة، علم الأحياء، الفيزياء، الكيمياء، اللغة الإنكليزية، التاريخ.
أما المواد غير المؤتمتة، فهي: التربية الدينية الإسلامية والمسيحية، واللغات العربية، الفرنسية، والروسية.
فكيف كانت امتحانات المواد المؤتمتة؟ وهل هي خلاصة التعلم التراكمي لتقييم مستوى الطالب التعليمي؟
هل أصبحنا بحاجة لتغيير آلية الاختبار التقليدية، والتوجه نحو جمع درجات الأعمال على مدى سنوات الدراسة للتقييم النهائي بدلاً من اختبار واحد يتوقف عليه تحديد مصير الطالب؟.
تباين الآراء
تباينت آراء الطلبة والمدرسين حول الاختبار المؤتمت ومدى تحقيقه لغاية توظيف المعلومات لدى الطلبة.. إذ عبّر بعضهم عن تخوفهم من أن يُكرّس التعليم بالتلقين الفردي من دون فهم أو ممارسة إبداعية. إضافة إلى مشكلات قد تنجم عن نقص تدريب الطلاب على نموذج الأسئلة وطريقة التأشير أو الإجابة.
ورأى آخرون أن الأتمتة خطوة ضرورية لمحاربة الغش وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب.
الطالبة ريم العبد الله “طالبة ثانوية- الفرع الأدبي” رأت غياب مساحة الإبداع في نظام الأتمتة الذي فرض الحفظ “الروبوتي” من دون فهم، وطول صياغة الأسئلة مقارنة بالوقت المخصص.
محمد عبد الكريم “طالب ثانوية- الفرع العلمي”، أشار إلى أن الأتمتة نظام اختبار جيّد بالنسبة له، لكن كان من المفترض تعويد الطالب على هذا الاختبار من الصفوف الأولى والتدرج بها، كي لا يجد أي صعوبة في التعاطي مع الاختبار.
ولفت الطالب نمير قاسم إلى ضرورة جمع درجات أعمال الطالب على مدار عامه الدراسي، حتى لا يشعر بالخوف من الامتحان.
نماذج استرشادية
سعت وزارة التربية والتعليم إلى سد الفجوات، والإحاطة بكل ما يحتاجه الطالب والمدرس.. وعممت نماذج امتحانية استرشادية للمواد المؤتمتة عبر صفحاتها على فيسبوك وتلغرام قبل انطلاق الامتحانات لتدريب الطلبة على الاختبار وقياس قدراتهم ،وتهيئتهم للامتحان من خلال مصادر إلكترونية تعليمية تقدّم نماذج متعددة ، تم إعدادها من مستشارين وموجهين ضمن معايير الوزارة، مع مراعاة تنوّع مستويات الأسئلة مثل السهلة والمتوسطة والصعبة، إضافة إلى توفر مدونة ومنصات ومواقع تقدّم نماذج استرشادية تدريبية.
لا تختبر المهارات الإنشائية
الدكتور آصف يوسف- تخصص مناهج وطرائق تدريس في جامعة اللاذقية، رأى أن الموضوع كان مطروحاً للنقاش سابقاً، وكانت هناك آراء أن يكون النظام الدراسي مختلفاً، بحيث تكون هناك نسبة مئوية لأعمال الطالب السنوية أو الفصلية نسبة للامتحانات الفصلية، ونسبة مئوية للامتحان النهائي الذي ممكن أن يكون مؤتمتاً.
وأضاف: كانت هناك فكرة للامتحان المؤتمت في الثانوية العامة، وكان يفترض أن تبدأ الامتحانات المؤتمتة لصفوف سابقة عن الامتحانات العامة ليتدرب الطالب عليها ويعتادها نفسياً، وحين نصل للثانوية العامة أقترح أن تكون درجة الامتحانات مناصفة، وتكون ٥٠ بالمئة من أسئلة المقرر مؤتمتة و٥٠ بالمئة مقالية تقليدية، أي تحريرية، والسبب أن جزءاً من المقرر فيه جانب نظري ويحتاج إلى شرح الطالب، وإظهار مهاراته اللغوية والإنشائية وقدرته على الربط والمقارنة.
وأشار د. يوسف إلى أن هذا كله يحفّزنا على نقطتين، أولاً: تطبيق الاختبار المختلط المؤتمت والتحريري بدءاً من الصف العاشر.. وثانياً وفي مرحلة لاحقة إلى المرحلة الإعدادية، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة تضمين تقييم الطالب لكل درجات الأنشطة الصفية واللا صفية، وأوراق العمل الدرسية والاختبارات الشفوية والكتابية المرحلية
ضعف في الاختبار
وحول مواءمة المناهج لتطبيق الاختبار المؤتمت، أوضح د. يوسف أن المناهج جيّدة بشكل عام ، ولكن لابدّ من أن تخضع للتقييم من أطراف عدة قبل اتخاذ أي قرار من حيث التغيير الجذري أو التعديل، وهي: “المعلم الميداني – الموّجه الاختصاصي- أولياء الأمور- نقابة المعلمين- الموّجه الأول في الوزارة”، وتنتهي بلجان التأليف في المركز الوطني لتطوير المناهج التربوية، حين نحصل على تقييمات هذه الأطراف جميعها، وبالتالي يمكن أن تقرر الوزارة حينها مدى الحاجة لتعديل المناهج من عدمه.
ولفت إلى أنه لا يمكن تغطية أي منهج لجميع جوانب الاختبار التي تقيس المعارف والمهارات والقيم، فهناك جوانب لا يمكن أن تقاس بأسئلة الأتمتة، ولو كانت تغطي أكبر جزء من المقرر، مشيراً أنه من الجوانب الإيجابية للاختبارات المؤتمتة، أنها تتضمن الموضوعية بالتقييم، إذ لا يدخل التحيّز الشخصي لأحد في التقييم، ولا الحالة النفسية للمقيّم.
ونوه بأنه من الظلم ألا يتم إدخال كل أعمال الطالب الفصلية بكل الواجبات والأنشطة وأوراق العمل، ومن الظلم أن تبقى خارج تقييمه النهائي ومن أعماله، لأن التقييم النهائي المقتصر فقط على مجموعة أسئلة لا يمكن من تقييم مستوى الطالب من حيث المعارف وحضوره وشخصيته ومهاراته العلمية والتواصلية المجتمعية، إضافة إلى التغيير غير المنظّم للمناهج، وإن قسماً كبيراً من لجان التأليف منهجها الطابع التجريدي على المناهج، ومن الضروري أن يكون هناك ٥٠ بالمئة نظري و٥٠ بالمئة تجريدي.
غياب المهارات
الدكتورة مطيعة أحمد- رئيس قسم في كلية التربية، رأت أن الأتمتة لا تقيس مهارات الطالب الفكرية والعلمية، ولا تنمي القدرات الإبداعية عنده مثل الرياضيات التي تحتاج للحل والحذف، وحتى في اللغات لا يعمل الفكر، ويجب أن يمتلك الطالب كماً من الكلمات في ذهنه، وعندما تكون الأسئلة مؤتمتة هنا نشجع الطالب للحفظ السريع، لكن تبقى مشكلة لديه في التعبير والكتابة، لأنه يحتاج للربط، والأتمتة لا تقيس مهارات اللغة مثلاً حتى الأجنبية، مثل التعبير الشفوي، التحدث الكتابة، الاستماع والقراءة، فالأتمتة لا تنمي المهارات، لكنها تعتمد على الفهم للطالب الذي من المفترض أن تكون لديه مهارات تفكيرية باستنتاج الإجابة الصحيحة.
وأضافت: إن هناك شروطاً للأتمتة، قد لا تراعي طبيعة الأسئلة التي يجب أن تكون مستوفية لكامل الشروط.
لنا كلمة..
التحوّل نحو الاختبار المؤتمت أصبح حاجة وليس تجربة، و هذه الخطوة نقلة نوعية في آلية تقييم طلاب البكالوريا، من خلال التحول إلى نظام امتحانات مؤتمت بدلاً من الأسئلة المقالية التقليدية.
ومع مواجهة التحديات اللوجستية والتقنية، التي تحاول الوزارة التعامل معها بتدابير تصحيحية تدريجية، نصل إلى اختبارات يقاس من خلالها فهم الطالب ،وتعكس قدراته وإمكاناته، ما يساعد على مواكبة التطورات العالمية، وتوفير الجهد على المدرسين في تصحيح المواد، وإصدار النتائج في وقت قصير، والأهم تكريس الاهتمام بالتعليم في الصفوف الانتقالية عند تثقيل درجات الطلاب فيها مع الاختبارات، وهذا يساهم في استقرار العملية التعليمية،واعتماد منهجية ثابتة للوصول إلى أفضل المخرجات العلمية التي تبرز جهود الطلبة على مدار سنواتهم الدراسية،وليس حصرها في اختبار واحد يقرر مستقبلهم.
والأهم تطوير المنظومة التعليمية ومواكبة تطورات العصر الرقمي من خلال توفير البيئة التقنية والكوادر المدربة.