شراكة من أجل الوطن.. العشائر السورية بين إرث التاريخ وتحديات الحاضر

الثورة – جهاد اصطيف:

في ساحة مفتوحة، ضمت بين ثناياها عبق التاريخ وأصداء الحاضر، جلس وفد مجلس القبائل والعشائر في سوريا مقابل محافظ إدلب، محمد عبد الرحمن، ومحافظ حلب، المهندس عزام الغريب.

لم يكن اللقاء مجرد بروتوكول رسمي، بل كان أشبه بعودة جسور قديمة تربط المدن والبوادي، العائلات والقرى، في لحظة فارقة من عمر الوطن.

إرث ممتد عبر القرون

منذ مئات السنين، كانت القبائل والعشائر في سوريا الحارس الأمين لطرق القوافل، والحامي لقرى الأطراف، والراعي لمنظومة قيم تقوم على الكرم والشجاعة والوفاء بالعهد.

ولم تكن العشائر يوماً كيانات هامشية، بل كانت شريكاً أساسياً في صنع القرار المحلي، وضمان الأمن المجتمعي، وتسوية النزاعات وفق الأعراف والعادات.

يقول الباحث الاجتماعي حيدر السلامة: إن العشائر لعبت دوراً محورياً في ترسيخ الهوية الوطنية، وكانت القبائل تحافظ على الأمن في مناطق واسعة من البادية والشمال، وحين جاءت الدولة السورية الحديثة، استندت إلى هذا النفوذ الاجتماعي لبناء إدارة محلية أكثر فاعلية.

من الكلمات إلى خارطة الطريق

بدأ اللقاء بكلمات ترحيبية، إذ شدد الحضور، وفق البيان الصادر عن محافظة حلب، على أن العشائر ليست مجرد مكون اجتماعي، بل ركيزة أساسية في صون وحدة المجتمع السوري.

ففي أحلك الظروف، كانت العشائر تقف صفاً واحداً أمام محاولات تمزيق النسيج الوطني، والكل يراهن على دورها في إعادة الإعمار الاجتماعي قبل العمراني.

لا شك أن حلب وإدلب شقيقتان، وأبناءهما امتداد لبعضهم بعضاً، ولا بد أن نرى مشاريع تنموية متكاملة، تعيد الحياة إلى القرى والبلدات، وتربطها ببعضها كما تربط العائلة الواحدة بين أبنائها.

ومن المؤكد أن النقاشات على الطاولة لم تقتصر على الجانب الرمزي أو السياسي، بل دخلت في تفاصيل عملية مقترحة حول إعادة تأهيل الطرق الريفية لربط مناطق العشائر بالمدن، وتحديث شبكات المياه والكهرباء في القرى النائية، وإنشاء مراكز خدمية مشتركة بين بلدات عدة لتقليل الكلفة وزيادة الفعالية، على أن تكون مشاركة أبناء العشائر في هذه المشاريع ليست مجرد مشاركة رمزية، بل هي ضرورة لضمان استدامتها، وخاصة أن العشائر مرت بسنوات صعبة، وخسرت فيها بيوتاً وأراضي وأبناء، وعلى حد قول أحدهم: “العشيرة لا تموت”، لأنها تقوم على التضامن، فهم مستعدون لوضع كل إمكاناتهم في خدمة إعادة الإعمار والوحدة الوطنية.

العشائر كوسيط اجتماعي

من المعروف أن العشائر كثيراً ما لعبت دور الوسيط في النزاعات المحلية، سواء كانت خلافات على الأراضي أو مشكلات قبلية.

يبين المحامي حسام حميدي أن القضاء العشائري، رغم أنه غير رسمي، استطاع حل قضايا معقدة بسرعة تفوق المحاكم أحياناً، لأنه يستند إلى الثقة والالتزام بالعهد.

اقتصادياً، تمتلك العشائر إمكانات ضخمة في الزراعة وتربية المواشي، إضافة إلى شبكات تجارية تصل بين المدن والبوادي.

ومن المؤكد أنه تم التطرق خلال اللقاء إلى ضرورة دعم مشاريع زراعية تكاملية، تعتمد على إنتاج الحبوب والخضروات وتربية الأغنام، مع إدخال تقنيات حديثة للري والحفاظ على المياه.

ولم نغفل هنا البعد الثقافي، فالدعوة إلى تنظيم مهرجانات تراثية تستعرض الفلكلور الشعبي، الشعر النبطي، والمأكولات التقليدية، ستكون الوسيلة لتعزيز الانتماء ونقل التراث إلى الأجيال الجديدة.

وأكد الخبير الاجتماعي حيدر السلامة، أن هذه الفعاليات ليست مجرد نشاطات ترفيهية ، بل هي أدوات فعالة لإعادة بناء الثقة بين المكونات، وترسيخ شعور الفخر بالهوية الوطنية الجامعة.

بين الماضي والحاضر

العشائر السورية، التي حملت على عاتقها حماية الأرض والإنسان عبر قرون، تجد نفسها اليوم أمام مهمة جديدة، هي المساهمة في بناء وطن جريح، وتحويل إرثها من حارس للماضي إلى صانع للمستقبل، وإذا ما تحققت الرؤية التي طرحت في هذا اللقاء، وغيره، فإن القرى والبوادي السورية قد تشهد نهضة شاملة تعيد إليها الحياة، وتربطها بالمدن عبر جسور من التعاون والثقة، ففي حين تتضافر إرادة الدولة مع إرادة العشائر، لا يصبح المستقبل ممكناً فقط، بل حتمي، ولعل اللقاء يأتي كإشارة إلى بداية مرحلة جديدة من الشراكة الوطنية.

آخر الأخبار
غرفة صناعة دمشق وريفها تبحث مشاركة القطاع النسيجي في المعرض السعودي للأزياء والنسيج الشيباني: الحكومة ملتزمة بحماية جميع المكونات في السويداء  تخفيض الرسوم الجمركية وإنشاء مركز  تجاري سوري- تركي في ريف دمشق على الطاولة  لجنة لإعادة الأموال المصادرة وتعويض المتضررين في سوريا المركزي يلغي قيود نقل الأموال بين المحافظات باراك: سوريا ملتزمة بعملية موحدة تحترم وتحمي جميع مكوناتها خلال استقباله الشيباني .. ملك الأردن يجدد دعم بلاده لاستقرار و وحدة وسيادة سوريا من داخل مستشفى الرازي بحلب.. أجهزة جديدة تكتب فصولاً من الشفاء خدمات مجانية للعيادة السكرية المركزية بدرعا محافظ السويداء: سيتم تأمين كل مستلزمات المحافظة بالتنسيق مع الوزارات المعنية بيان سوري أردني أميركي مشترك: دعم إعادة بناء سوريا وتعزيز الاستقرار في السويداء نقل مجاني للأطفال في القنيطرة الحسينية.. معاناة خدمية متردية.. ورئيس البلدية للرد يطلب موافقة المكتب الإعلامي  بحث فرص الاستثمار في محافظة درعا الهيئة الوطنية للمفقودين تعقد لقاءً تشاورياً مع "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" لتعزيز مسار العدالة ا... اجتماع عمان: تشكيل مجموعة عمل مشتركة لدعم جهود الحكومة بإعادة الاستقرار للسويداء تشكيل مجموعة عمل سورية – أردنية – أمريكية لدعم جهود الحكومة في محافظة السويداء  فايننشال تايمز : خطة نتنياهو الكارثية تلحق المزيد من الموت والدمار في غزة موجات حر غير مسبوقة.. الجفاف يضرب أوروبا والبحر الأبيض المتوسط  الطاقة الشمسية.. حلّ إنقاذي يرافقه تحديات ومخاطر بيئية