بطالة حلب ليست رقماً.. بل واقع لشباب فقدوا الثقة في كل شيء

تحقيق – حسن العجيلي :

“أتابع كل الصفحات المتخصصة بعرض فرص العمل، وأزور عدة شركات ومصانع بحثاً عن عمل يفتح لي بوابة جديدة نحو المستقبل الذي ضاع في سنوات الحرب”، بهذه الجملة يختصر “عبد الكريم، م”، خريج كلية الهندسة الميكانيكية سنوات من الانتظار والخروج صباحاً دون وجهة محددة، منذ أن حمل شهادته الجامعية لم يحصل على وظيفة واحدة، ولا حتى مقابلة عمل حقيقية.

في مدينة مثل حلب، المدينة التي كانت تُلقّب بـ” العاصمة الاقتصادية لسوريا ” باتت مشاهد الشباب التائهين في الأحياء بحثاً عن فرصة عمل جزءاً من يوميات المدينة، ولم يعد غريباً أن يسألك أحدهم في الشارع: “بتعرف حدا عم يطلب موظفين”؟، أو أن تتلقى اتصالاً من قريب أو صديق يسألك نفس السؤال.

بطالة تتسلّل بصمت

في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد لم تعد “البطالة” مجرد أرقام ونسب، بل تحوّلت إلى تجربة يومية قاسية لكثير من الشبان والفتيات، ممن وجدوا أنفسهم بلا عمل ولا أفق، وسط مدينة تحاول أن تلملم جراحها.

فرص العمل المحدودة أصبحت تشبه اليانصيب، من يحالفه الحظ يجد عملاً مؤقتاً في مؤسسة، أو وظيفة شاغرة في متجر صغير، بينما يُجبر الآخرون على الهجرة أو القبول بأعمال لا تمت لتخصصاتهم بصلة.

وفي الوجه الآخر للبطالة، يتصاعد التوتر الاجتماعي، ففقدان العمل لا يعني فقط فقدان الدخل، بل هو أيضاً شعور بالعجز والتهميش، خاصةً في ظل غياب برامج رسمية واضحة لدعم الشباب أو تأهيلهم لسوق العمل المتغير.

غياب البيانات الرسمية

رغم وضوح معالم البطالة كأزمة اقتصادية واجتماعية، لا توجد حتى الآن إحصاءات رسمية دقيقة حول معدلات البطالة في حلب، وأثناء إعداد التحقيق، تواصلت “الثورة” مع مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل بحلب للحصول على بيانات، إلا أن الرد كان صادماً: “لا تتوفر لدينا دراسات أو أرقام عن البطالة، والمسؤولية تعود إلى مديرية التنمية الإدارية”، التي لم نتمكن من الوصول إلى أي مسؤول فيها.

في المقابل، تشير منصة “سوق العمل” إلى أن معدل البطالة في حلب بلغ نحو 18.5% عام 2021، لكن هذا الرقم – وفق خبراء – غير دقيق، خصوصاً أن ظروف جمع البيانات حينها لم تكن مثالية، إضافة إلى التفاوت في تصريحات المسؤولين، حيث تراوحت التقديرات بين 40 و70% في سوريا عموماً.

وفي تصريح سابق لصحيفة “الثورة” قال نائب رئيس غرفة تجارة حلب “حسين عيسى”: إن معدل البطالة يلامس حدود الـ 70% في سوريا، وهي نسبة مرعبة، إذا انطبقت على مدينة مثل حلب التي تعد من أكبر المحافظات تعداداً للسكان، والتي تعتمد على الصناعة والتجارة كمصدر رزق أساسي.

مشهد مركّب

يصف رئيس قسم التسويق في كلية الاقتصاد بجامعة حلب الدكتور “محمد غريب” مشهد البطالة بـ”المركّب والمعقد”، ويؤكد أنه رغم بعض عمليات التوظيف الجزئي في القطاعات الحكومية والخاصة والخيرية، إلا أن أعداد العاطلين عن العمل في ازدياد.

ويشير الدكتور غريب إلى أن تقديرات البنك الدولي لعام 2024 وضعت معدل البطالة في سوريا عند 13%، لكنه يعتقد أن الرقم “تجميلي”، ولا يعكس الواقع، فالمؤشرات الميدانية تشير إلى أن النسبة الفعلية أعلى بكثير، خاصة في حلب.

ومن أبرز عوامل ارتفاع نسب البطالة، بحسب الدكتور غريب، هو عودة أعداد كبيرة من المهجّرين واللاجئين إلى سوريا، وقد أكد تقرير مفوضية اللاجئين الصادر في أيار 2025 عودة نحو 500 ألف سوري، منهم عشرات الآلاف عادوا إلى حلب.

كما ذكر تقرير لقناة الجزيرة في آب الماضي أن أكثر من 411 ألف سوري عادوا من تركيا، وهؤلاء العائدون – كما يقول غريب – ينقسمون إلى فئتين: الأولى تملك مشاريع صغيرة تعتمد على عمل صاحبها فقط، دون توظيف آخرين، والثانية، لا تملك مصدر رزق، وتدخل فوراً إلى طابور البطالة، ما يزيد الضغط على سوق العمل المحلي المحدود أصلاً.

الصناعة تتراجع

ويتابع الدكتور غريب: رغم محاولات بعض المنشآت الصناعية الاستمرار بالعمل، إلا أن الإنتاج لم يصل إلى ما قبل الحرب، وهو ما انعكس بشكل مباشر على التوظيف، و”الصناعة في حلب ما زالت تعاني” بسبب ضعف القدرة التنافسية أمام المنتجات المستوردة، التي غالباً ما تكون أرخص وأكثر جودة، ما أدى إلى خفض الإنتاج، وبالتالي تقليص عدد العاملين، و”بعض المصانع لم تعد بحاجة لأي موظف جديد، بل على العكس، توجد مصانع قلّصت عدد عمّالها”.

القطاع العام.. فرص معدومة

ويؤكد الدكتور غريب أن القطاع الحكومي، الذي كان سابقا أحد أبرز مشغلي اليد العاملة، يعيش بدوره حالة من الجمود، فلا مسابقات توظيف واسعة، ولا خطط لتوسيع الكادر الوظيفي، باستثناء بعض العقود المؤقتة التي تُمول أحياناً عبر منظمات دولية.

وطرح مثالاً على ذلك: عقود النظافة في مجلس مدينة حلب التي دعمتها إحدى الجهات الدولية.

ويرى رئيس قسم التسويق في كلية الاقتصاد أن المشاريع الكبيرة لم تبدأ بعد بعمليات التوظيف، ولم تبدأ باستقطاب موارد بشرية لأنها ما زالت في طور التراخيص والتأسيس، وهذا ما أدى إلى عدم طلب اليد العاملة ولا تزال معدلات البطالة مرتفعة.

أما التوظيف في المنظمات الخيرية فهو محدود من وجهة نظر الدكتور غريب الذي قال: هناك افتتاح لفروع المنظمات الخيرية في مدينة حلب وقامت بتوظيف أعداد من المواطنين، ولكن على مستوى الاقتصاد الكلي فإن عمليات التوظيف لم تحدث أثراً في تخفيض معدل البطالة كونها محدودة.

فرص غائبة وآمال مؤجلة

في ظل غياب البيانات الرسمية الدقيقة، وركود الصناعات، وتوقف المشاريع الكبرى، يقف شباب حلب في مواجهة واقع بطالة قاس، لتبقى البطالة في حلب ليست مجرد رقم في تقرير، بل هي واقع يعيشه شباب فقدوا الثقة في كل شيء، وفقدوا الضمانات، والفرص، وحتى البيانات الرسمية التي يفترض أن تعترف بوجودهم، ولا يملكون سوى الانتظار… انتظار فرصة عمل، وبصيص أمل.

آخر الأخبار
الكاراتيه تحصد الوصافة بغرب آسيا  بطلا الشطرنج الضمان وعيتي يتصدران بطولة النصر والتحرير  في أهلي حلب.. تجديد لصنّاع السابعة و سؤال عن عودة أبو شقرا جمعة واتحاد الكرة:أفكر في دخول الانتخابات.. وإلغاء شرط الشهادة خطأ جميع الشركات أكملت تجهيز مواقعها.. معرض دمشق سيكون نموذجاً وطنياً مميزاً.. وترتيبات مبهرة بحفل الافت... الرئيس الشرع يستقبل وفداً من الكونغرس الأميركي لبحث ملفات الأمن ورفع العقوبات رسالة معرض دمشق الدولي بدورته الجديدة.. الانفتاح والشراكة مع العالم دمشق ترحب وتعتبر رفع العقوبات الأميركية تحولاً نوعياً يمهّد لمسار تعاون جديد تعزيز التعاون في مجال الطوارئ والكوارث بين سوريا والعراق معرض دمشق الدولي.. بوابات اقتصادية وآمال مشروعة لانفتاح أكبر "الرقابة المالية":  فساد "ممنهج" بتريليونات الليرات استهدف معيشة السوريين مباشرة جمعية "موصياد" التركية: فتح آفاق للتعاون مع سوريا وإطلاق منتدى اقتصادي دولي معرض دمشق الدولي.. منصة متكاملة لتبادل الخبرات والمعارف وعقد الاتفاقات تطوير العلاقات الاقتصادية بين "غرف التجارة السورية" و"التجارة والصناعة العربية الألمانية" محطة وطنية بامتياز.. في مرحلة استثنائية رسمياً ... الخزانة الأميركية تُعلن رفع العقوبات المفروضة على سوريا اجتماع جدة: إسرائيل تتحمل مسؤولية جرائم الإبادة في غزة معاون وزير الصحة يتفقد أقسام مستشفى درعا الوطني سعر الصرف يتراجع والذهب يحلق الحملات الشعبية في سوريا.. مبادرات محلية تنهض بالبنى التحتية وتؤسس لثقافة التكافل