الثورة – غصون ديب:
تتمثل أهمية الحمضيات في محافظة طرطوس في كونها نشاطاً زراعياً رئيسياً، يساهم بشكل كبير في الاقتصاد المحلي، إذ تمثل مصدر دخل أساسياً لآلاف الأسر الريفية، كما تحتل المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد الزيتون، ما يعكس ثقلها في النشاط الزراعي المحلي.
هذا ويتمتع مناخ محافظة طرطوس بخصائص متوسطية رطبة، ما يجعله بيئة ملائمة لزراعة أنواع عديدة من الحمضيات، حيث تنتشر أصناف عديدة منها في طرطوس، تشمل الحامض، البرتقال، اليوسفي، والليمون و غيرها.
مصاعب
وللاطلاع على واقع الحمضيات في محافظة طرطوس التقت “الثورة” عدداً من الأشخاص المهتمين و العاملين في هذه الزراعة، فمن ريف المحافظة أكد المزارع فراس علي أن أبرز المصاعب التي يعاني منها مزارعو الحمضيات اليوم عدم توفر المياه بشكل منتظم وعدم قدرة الفلاح على شراء الأسمدة و المبيدات الزراعية التي تساعد هذه الزراعة.
يضاف إلى ذلك صعوبة شحن المادة، إذ تتراكم كميات كبيرة من الحمضيات كل عام بسبب عدم التصدير، و عدم وجود أسواق خارجية، و هذا ما أدى إلى تدني أسعار الحمضيات خلال الموسم.
كما أوضح المهندس الزراعي أيمن سليمان أن زراعة الحمضيات في المحافظة تراجعت في السنوات الخمس الماضية، و ذلك بسبب تأثير الزراعات الاستوائية بالدرجة الأولى، وفي الدرجة الثانية قلة المردود بالمقارنة مع تكاليف الإنتاج وقلة التصدير بسبب العقوبات.
ومن جهته، أوضح الخبير الزراعي في زراعة الحمضيات و الزراعات الاستوائية في محافظة طرطوس، المهندس سهيل حمدان، أن زراعة الحمضيات في السنوات الأخيرة الماضية كانت ذات مردود اقتصادي ضعيف على الرغم من أن تكاليف زراعتها قليلة مقارنة بالزراعات الأخرى ، لكن مزارعي الحمضيات و خلال السنوات الأخيرة الماضية لجؤوا إلى زراعات بديلة و هي الاستوائية و المدارية و شبه المدارية، كالأفوكادو و المانغا و الموز وغيرها من الأصناف، نظراً لمردودها الاقتصادي الجيد.
ولفت إلى أن شجرة الحمضيات تعد شجرة متأقلمة، باستثناء بعض الأصناف التي أثرت عليها هذه التغيرات نتيجة الإجهاد البيئي من انخفاض أو ارتفاع الرطوبة و زيادة نسبة الأفرع اليابسة أو الميتة و انتشار الآفات والحشرات و الأمراض.
مبيناً أن انخفاض منسوب الآبار و السدود زاد في عملية إجهاد الحمضيات، فبعض المزارع هذا العام لم تصلها المياه أكثر من مرتين خلال الموسم، و لوحظت عليها أعراض اليباس و العطش و صغر حجم الشجرة.
في حين لجأ بعض أصحاب المزارع إلى اعتماد طرق الري الحديثة أو استخدام الطاقة الشمسية لتوليد المياه، و هذا الأمر ساهم في تحسن الإنتاج فيها.
تشجيع المكافحة الحيوية
و بحسب مديرية الزراعة في طرطوس، فإن المساحة المزروعة بالحمضيات في المحافظة تبلغ حوالي 9200 هكتار، في حين يبلغ العدد الكلي للأشجار 3.4 ملايين شجرة، المثمر منها 3.2 مليون شجرة.
و أكد مدير زراعة طرطوس، المهندس حسن حمادة لـ”الثورة”، أن تقديرات الإنتاج نحو 150 ألف طن من مختلف الأصناف بزيادة 2000 طن عن العام الماضي، وأضاف: إن “زراعة طرطوس” تعتمد أسلوب المكافحة الحيوية للقضاء على الآفات، حيث تتم تربية الأعداء الحيوية في مركز بحوث الحمضيات و يتم نشرها في حقول الحمضيات بعيداً عن المكافحة الكيماوية، و بذلك تعتبر ثمار الحمضيات عضوية بامتياز بعيداً عن أي أثر متبقٍّ للمبيدات.
مشيراً إلى أن معدل الهطولات المطرية هذا العام كان منخفضاً، و لكن تم ترشيد مياه الري الموجودة حتى تكفي لانتهاء الموسم.
مقترحات لإنعاشها
جملة من المقترحات و الحلول تم طرحها، إذ يؤكد المهندس أيمن سليمان أنه من الضروري تأمين ثمار ذات جودة عالية ومواصفات عالمية للمزارعين، والتقليل من استخدام المبيدات الكيماوية والتعويض بالمبيدات الحيوية والأسمدة العضوية، وهذا يتطلب تعاوناً جماعياً وشاملاً بين الفلاحين، و يحتاج لوقت طويل نسبياً بالمقارنة بالأسمدة الكيماوية، وهنا يظهر دور الوحدات الإرشادية وأهمية توعية المزارعين، و هذا يقع على عاتق تلك الوحدات، والمرشد الزراعي فيها.
وأشار إلى أهمية الالتزام بفترة الأمان لكل مبيد وعدم رش الأشجار قبل الجني بيومين إلى ثلاثة أيام من الرش و الالتزام بالمعالجة المتكاملة وتوقيت المعالجة المناسبة مع فترة ظهور الحشرات التي تسبب الأمراض.
إضافة إلى ضرورة تسويق الحمضيات بشكل مجدٍ يناسب تكاليف إنتاجه.
تشجيع المزارعين
من جهته، أكد م. سهيل حمدان على ضرورة تشجيع المزارع على العودة لزراعة الحمضيات من خلال استبدال الأصناف القديمة بزراعة أصناف جديدة ذات مردود عال و مطلوبة للتسويق الخارجي، موضحاً أن المزارع عندما يجد أن أسعار منتجه تحسنت، سيتجه لرعاية زراعته و تطويرها و إزالة الأعشاب و التقليم و الري و مكافحة الآفات التي ازدادت في السنوات الأخيرة، و هذا متعلق بنجاح العملية التصديرية.
افتقارها لشهادة الجودة
و حول أهمية دخول الحمضيات السوق العالمية، أوضح م. حمدان أن محصول الحمضيات في الساحل السوري يعد ذا جودة عالية، ولكن هناك مواصفات ومقاييس محددة لدخول السوق العالمية، كمعايير تتعلق بنسبة الملونات ونسبة السكريات والحجم و غيرها، هذه المواصفات تختلف حسب كل بلد مستورد، وعلى الرغم من أن تكاليف إنتاج الحمضيات منخفضة، فالإنتاج كبير و يفيض عن حاجة السوق المحلية بنسبة تتراوح بين 70 ـ75 بالمئة في المنطقة الساحلية.
افتقار لمراكز توضيب وفرز
تفتقر محافظتا طرطوس واللاذقية إلى مراكز توضيب وفرز، فالمراكز الموجودة-حسب م.حمدان- لا تكفي والعملية الإنتاجية تمر بمراحل، وهذه المراحل من المفترض أن تخضع إلى مراقبة وشروط صارمة من قبل شركات متخصصة، ولكن للأسف لا توجد مثل هذه الشركات في سوريا، ودخولها ليس صعباً عندما تتوفر لها الرعاية والدعم ،والمشاغل الحالية ميكانيكية وتعتمد الفرز حسب الحجم وتفتقر إلى التقنيات، بينما تعتمد المشاغل الخاصة بالتوضيب والفرز في مصر وتركيا على سبيل المثال على المشاغل الإلكترونية من حيث الفرز باستخدام كاميرات مراقبة.
مضيفاً: يجب أن يحصل المنتج السوري من الحمضيات على شهادة جودة لدخوله السوق العالمية، وخاصة الأوروبية التي تستهلك هذه المادة بكثرة، فعندما لا يحمل شهادة جودة يكون سعره أقل يضاف إلى ذلك عمليات الشحن والتبريد وغيرها، وهذا يحصل في أغلب دول العالم التي تسوق المنتج الزراعي بشكل يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني وعلى المزارع أيضاً.
كما ذكر م. سهيل أنه وعلى الرغم من وجود فائض كبير في إنتاج الحمضيات في الساحل، وعلى سبيل المثال في إحدى السنوات تجاوز المليون طن، إلا أنه لا يوجد معامل عصائر طبيعية تستجر هذه الكميات من المزارعين بما يلبي حاجة السوق من هذه المادة الهامة، مع وجود العديد من التراخيص لهذه المعامل التي تستجر المشروبات الغازية بدلاً من الطبيعية المفيدة للصحة العامة!، فعلى أرض الواقع توجد كميات كبيرة من الحمضيات كل موسم لا تسوق داخل السوق المحلية بشكل جيد أو إلى السوق العالمية، ولا يتم تحويلها إلى معامل عصائر للاستفادة منها، فالمزارع السوري نشيط وجاهز لتقبل أفكار جديدة تفيد إنتاجه وتعود عليه بالفائدة وعلى الاقتصاد الوطني، فحين يحصل المنتج السوري على شهادة جودة يكون المزارع حريصاً على الرعاية والاهتمام أكثر بزراعته.
وفي الختام لا بد من القول: إن الحمضيات محصول هام، فهو يدعم الاقتصاد الوطني بالدرجة الأولى ويستحق الدعم من قبل الجهات الحكومية.