الثورة – جهاد اصطيف:
في مشهد يعكس تحولاً جذرياً في الواقع السوري، افتُتح مساء أمس معرض دمشق الدولي بنسخته الأولى بعد سقوط النظام البائد، وسط حضور رسمي واسع، ومشاركة دولية غير مسبوقة منذ أكثر من عقد، ليكون بذلك ليس مجرد فعالية اقتصادية، بل إعلان صريح عن دخول سوريا مرحلة جديدة من الانفتاح والتعافي، وخطوة على طريق استعادة علاقاتها التجارية والصناعية مع العالم.
عاد معرض دمشق الدولي بعد سنوات من الانقطاع بسبب الحرب والعقوبات، ليؤكد أن سوريا بدأت تستعيد موقعها الطبيعي كمنصة إقليمية للتجارة والصناعة، ولاسيما أن المعرض كان في فترة ما، يعد من أقدم المعارض في العالم منذ تأسيسه عام 1954، ويشهد بنسخته هذا العام مشاركة أكثر من 800 شركة، ما بين شركات محلية وعربية وأجنبية، بعضها يشارك لأول مرة.
نقطة تحول حاسمة
كما يأتي افتتاح المعرض تزامناً مع رفع العقوبات الاقتصادية الدولية عن سوريا، الأمر الذي يشكل دفعة قوية للقطاعين الصناعي والتجاري، بحسب الاقتصادي فادي حمود، مضيفاً في حديث لــ” الثورة”: هذا التحول السياسي والاقتصادي يتيح عودة الشركات الأجنبية للاستثمار في السوق السورية، وخاصة في مجالات الطاقة، الإنشاءات، والصناعات التحويلية، واستئناف التبادل التجاري مع دول الجوار والأسواق العالمية، بعد سنوات من العزلة، وإعادة تشغيل المصانع المتوقفة وتوظيف آلاف العمال، الأمر الذي يساهم في تقليص نسب البطالة، وتحفيز الإنتاج المحلي عبر توفير المواد الأولية والتقنيات الحديثة.
منصة استراتيجية للنهوض الصناعي
لا يقتصر المعرض على عرض المنتجات، بل يشكل نقطة التقاء بين الصناعيين والمستثمرين والمصدرين، ومن أبرز أهدافه، كما يبين حمود، فتح أسواق تصدير جديدة للمنتجات السورية، وخاصة أسواق دول الخليج والعراق وتركيا والأردن وغيرها، وعرض الابتكارات الصناعية المحلية، وخاصة في مجالات النسيج، الأغذية، الأدوية، والتقنيات الهندسية، فضلاً عن تشجيعه الشراكات الدولية التي تساهم في نقل التكنولوجيا وتطوير المهارات، وتعزيز الثقة بالمنتج السوري بعد سنوات من التراجع.
وختم بالقول: جل ما نأمله أن يشهد المعرض توقيع عدد من مذكرات التفاهم بين شركات سورية وعربية ودولية، في خطوة تعكس جدية التوجه نحو إعادة بناء الاقتصاد على أسس حديثة.
عودة للخارطة الاقتصادية العالمية
مما لا شك فيه، أن افتتاح المعرض يحمل رسالة سياسية واقتصادية واضحة، مفادها أن سوريا لم تعد دولة منكفئة على ذاتها، بل تسعى لبناء اقتصاد منتج متكامل، قائم على التصدير والتعاون الدولي، حيث يأمل المشاركون أن يكون هذا الحدث بداية لسلسلة من المعارض والمؤتمرات التي تعزز مكانة سوريا وتعيدها كوجهة صناعية وتجارية واعدة.
عدد من الصناعيين والتجار والحرفيين بحلب، قبل مغادرتهم للمشاركة في المعرض، عبروا عن تفاؤلهم الكبير بفرص التصدير والتعاون الدولي، وخاصة بعد إزالة القيود التي كانت تعرقل حركة التجارة والصناعة.
صوت المواطن
رغم الطابع الرسمي للحدث، فإن الحضور الشعبي كان لافتاً، إذ توافد آلاف الزوار من مختلف المحافظات للاطلاع على المنتجات الجديدة، والتفاعل مع الشركات المشاركة.
يقول عبد الله عبد الغفور من حلب: هذا المعرض يعيد لنا الأمل أن سوريا قادرة على النهوض من جديد، وأننا نستحق حياة كريمة وفرص عمل حقيقية، فمعرض دمشق الدولي هذا العام ليس مجرد فعالية اقتصادية، بل هو إعلان عن بداية جديدة لسوريا، عنوانها الانفتاح والإنتاج والتعاون، حيث تتشكل بين أروقة المعرض ملامح مستقبل واعد، يطمح من خلاله السوريون لبناء وطن مزدهر يليق بتضحياتهم، ويعيد لهم مكانتهم في العالم.