الثورة – لينا شلهوب:
من يتابع مسيرة معرض دمشق الدولي يلحظ أن هذا الحدث العريق، الذي شكّل لعقود، نافذة اقتصادية وثقافية لسوريا والمنطقة، بدأ يخطو باتجاه الرقمنة، لكن بخطوات مترددة ومتقطعة، لاشك أن إطلاق تطبيقات بسيطة منذ عام 2017، ثم الانتقال في دورة 2025 إلى اعتماد الحجز الإلكتروني والدخول عبر الباركود، يعكس إرادة للتحديث، غير أن السؤال الجوهري يبقى: هل تكفي هذه المحاولات لتأهيل المعرض ليواكب المعايير العالمية للمعارض الحديثة؟
يقول الدكتور عمران النابلسي في لقاء مع صحيفة الثورة، وهو أحد المهتمين بالتحول الرقمي، إذا نظرنا إلى التجارب الدولية، نجد أن الفجوة لاتزال واسعة، ففي VivaTech بباريس، على سبيل المثال، يتصدر الذكاء الاصطناعي المشهد، إذ تُستخدم الروبوتات للإرشاد، وتُقدَّم تطبيقات عملية في الصحة والتعليم والصناعة، أما في Messe Frankfurt، أو عبر منصات مثل LetzFair، فقد أصبح الزائر قادراً من خلال هاتفه فقط على حجز مواعيد، والتواصل مع العارضين مباشرة، وحضور ندوات افتراضية، وحتى عقد صفقات رقمية متكاملة.
في المقابل، يظل معرض دمشق الدولي أقرب إلى النسخة التقليدية، يعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج والتغطية، من دون استراتيجية رقمية موحّدة، بينما تتحول معارض كبرى مثل CES إلى فضاءات رقمية بالكامل، قادرة على استقطاب مئات الآلاف من المشاركين من مختلف دول العالم.
إن ما حققه معرض دمشق الدولي حتى الآن لا يُستهان به، خصوصاً في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية المعقدة، لكن الطموح أكبر من ذلك بكثير، إذ إن التحول الرقمي لم يعد رفاهية، بل ضرورة، وهو ما يعني أن الإدارة مدعوة لتبني خطة شاملة، تشمل: تطوير تطبيق رسمي متكامل يوفر خريطة تفاعلية، وحجز تذاكر، وجدولة الفعاليات حسب اهتمامات الزوار، مع إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي لتقديم تجربة شخصية أكثر سلاسة وفعالية، بالإضافة إلى إطلاق استراتيجية تسويق رقمي مركزية توحد جهود الشركات والعارضين، علاوة على التفكير في منصات افتراضية موازية تجعل المغتربين والجمهور الخارجي جزءاً فاعلاً من التجربة.
باختصار، يقف معرض دمشق الدولي اليوم على مفترق طرق: إما أن يظل حدثاً تقليدياً يراهن على تاريخه العريق وحضوره الميداني، أو أن يتحول إلى منصة رقمية متكاملة تضاهي المعارض الدولية الحديثة، وتستعيد له مكانته كنافذة سورية إلى العالم.
بين التحديات الرقمية وفرص التحديث
الباحثة نورمان الطويل، لفتت إلى أنه على مدى السنوات الماضية، بدأ معرض دمشق الدولي بتبني أدوات رقمية محدودة، مثل تطبيق “دليل مكاني” في دورة 59 (عام 2017)، الذي قدّم خريطة ومعلومات أساسية للزوار، لكنه ظل ناجحاً فقط ضمن سياق محدود وغير مستدام، في الدورة التالية، وُجّهت الجهود لتطوير تطبيق رقمي رسمي أكثر تطوراً يحتوي على خرائط دقيقة وخدمات توعّوية للزوار، وكانت نية الإطلاق قبل أسبوع من بدء الدورة.
وفي دورة 62 عام 2025، بات الحجز الرقمي وإصدار بطاقات دخول إلكترونية بباركود خطوة ملموسة نحو الرقمنة، إلى جانب توفير خدمات النقل المجاني للزوار، ما أظهر قدرة الإدارة على دمج التكنولوجيا بخدمات التنظيم.
ومع ذلك، لاتزال الإدارة الرقمية متواضعة مقارنة بمعارض عالمية مثل VivaTech 2025 في باريس، إذ يُوظَّف الذكاء الاصطناعي بحيوية ويتصدر المشهد، ويُعرض من خلاله ابتكارات في شتى القطاعات بما في ذلك الصحة والبيئة.
كذلك، تقنيات مثل LetzFair تقدم نموذجاً متكاملاً من منصة رقمية تتيح التواصُل المباشر، وعلى الصعيد العالمي، تحوّلت فعاليات مثل CES 2021 إلى نسخ رقمية بالكامل، ومحافل مثل Messe Frankfurt طوّرت منصات افتراضية تُبقي المعرض حياً ومستمراً حتى في أوقات الأزمات.
باختصار، صحيح أن معرض دمشق الدولي حقّق تقدماً ملموساً نحو الإدارة الرقمية، إلا أنه لايزال بحاجة إلى استراتيجية شاملة تستوعب: بناء تطبيق رسمي متكامل للتوجيه والحجز والتفاعل الزمني، تبني أدوات AI للمطابقة الذكية، توصيات مخصصة، وتحليلات لحظية، مع إدخال التجارب الرقمية الغامرة (VR/AR أو بث تفاعلي) لتعزيز جاذبية المعرض خاصة للشباب، كذلك دمج ممارسة البيع أو العروض عبر المنصات الرقمية كجزء من استراتيجية تسويق مشترك مع الجهات المشاركة.