افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير نور الدين الإسماعيل:
يمكن لمن يعيش في الداخل السوري اليوم التمييز بين سوريتين، الأولى يعيشها في الواقع، بينما يسمع عن الأخرى على وسائل التواصل الاجتماعي من أشخاص غالبيتهم يعيشون خارج البلاد، فيشعر بالرعب ويصاب بالإحباط والخوف، حتى يجرب بنفسه ويتنقل ليشاهد مدى الفرق الشاسع بينهما.
على وسائل التواصل الاجتماعي، يحاول البعض تصوير البلاد على أنها مازالت غابة، لا أمان فيها، تبتلع حواجزها العابرين، وتأكل فيها الطوائف بعضها، وسلطة قادمة من المريخ بأنياب طويلة وحادة تفترس السوريين الذين كانوا يعيشون في مناطق سيطرة النظام المخلوع، حتى يخيل للمتابع أن كل سوري يحمل في يده سيفاً متمترساً خلف جدار، لينال من السوري الآخر، ولا يمكن لأحدهم التنقل أو زيارة محافظة أخرى، حيث تتوقف الحياة في البلاد بعد مغيب الشمس.
أما في الواقع، يتفاجأ كثير من السوريين المتأثرين بالبروبوغندا الموجهة من زيف كل تلك الادعاءات، فغالبية من تنقلوا وسافروا ضمن البلاد، خصوصاً العائدين إليها من بلاد المهجر، يشيدون بتعامل الحواجز الأمنية معهم أثناء تنقلهم، مؤكدين عدم تعرضهم لأي مضايقات، واصفين الفارق الكبير بين سوريا على أرض الواقع، وتلك التي تصورها وسائل التواصل الاجتماعي بأنه “صادم” و”مفاجئ”.
بكل تأكيد ليس الواقع وردياً ومثالياً، كما أنه ليس بذلك السوء الذي يحاول البعض تصويره، فالناس يخرجون ويتنقلون، يسهرون في منطقة الجندي المجهول على قمة قاسيون حتى ساعة متأخرة من الليل، وآخرون يمرحون على الشواطئ بِحُرِّية، ثم يعودون إلى منازلهم، وغيرهم يمضون أوقاتاً في المقاهي والمطاعم، وهذا هو الأمر الطبيعي وأحد أبسط حقوق المواطن في بلاده، كما أنه لا ينفي وقوع تجاوزات أو أخطاء وأحياناً جرائم لا يمكن تبريرها، إلا أنها لا ترقى إلى مستوى الظاهرة العامة أو الحالة المنظمة التي تعمل على نشرها وتوصيفها آلات إعلامية مدفوعة بأهداف شتى.
بلد ينهض من تحت الركام، يبحث أبناؤه عن الحياة والأمان، ولا يطلبون من أحد إلا أن يتركوهم وشأنهم، ليعيدوا بناء ما هدمه نظام الاستبداد والقمع عشرات السنين، وهذا الأمر يحتاج إلى وقت بكل تأكيد، ولا يكون بكبسة زر، فلنكن عوناً في البناء لا أن نتحول إلى أبواق مأجورة أو غبية تساهم في عرقلة عجلة النهوض.