الثورة – إخلاص علي:
شهد السوق في الفترة الأخيرة تدفقاً كبيراً للسيارات المستعملة بعد رفع الحظر الطويل على الاستيراد لإرضاء الطلب الجماهيري.
إلا أن الصدمة التي بدأ الجميع يتحدث عنها كانت في المشكلات التي ظهرت في هذه السيارات، وتدهور جودتها، وارتفاع تكاليف صيانتها التي قد تفوق أحياناً ثمنها الأصلي، وهذا نتيجة طبيعية للاستعجال في فتح الاستيراد دون وضع ضوابط وشروط حماية كافية.
شكاوى
خلال جولة ل ” الثورة” على مكاتب بيع السيارات في دمشق اشتكى أحد أصحابها من تحول السوق إلى “مقبرة للسيارات”، وقال يستغل البعض شوق الناس لشراء سيارات حديثة لبيع سيارات رخيصة وبحالة فنية متدنية بأسعار معقولة، مما يجعل مهمة شراء سيارة بحالة جيدة صعبة جداً حتى على الخبراء.
بينما أكد صاحب مكتب آخر أنه حتى بعد تعليق الحكومة لاستيراد السيارات المستعملة، لم تنخفض الأسعار كما كان متوقعاً، بل ارتفعت بنحو ألف دولار بسبب سوء تنظيم السوق وعمليات الاستيراد غير الرسمية.
على أرض الواقع، قابلنا عدة حالات تعكس هذه المعاناة، محمد يعمل كمساعد مهندس في إحدى المؤسسات الحكومية اشترى سيارة مستعملة قبل أشهر باعتماده على السعر المغري، لكنه وقع في فخ الصيانة المتكررة.
وقال خلال حديثه ل “الثورة”: “ظننت أنني اشتريت سيارة جيدة، لكن خلال أسابيع قليلة احتجت لتغيير المكابح وتبديل أجزاء في المحرك، والتكلفة وصلت تقريباً لنصف سعر السيارة نفسها”.
بينما يعاني سالم وهو موظف في إحدى الشركات الخاصة من غلاء قطع الغيار المستوردة وصعوبة إيجادها، هذا ماكشفه خلال حديثه مضيفاً: “حتى لو وجدت القطعة، السعر يجعل من الصيانة أمراً صعباً وأحياناً نؤجل المشكلة هرباً من التكاليف.
ضعف بالجودة والمتانة
في هذا الإطار يرى الخبير الاقتصادي فادي ديب أن الحالة الراهنة لسوق السيارات المستعملة نتيجة طبيعية لانفتاح السوق بعد سنوات من الحظر والتقييد، حيث تُشكل السيارات المستعملة الواردة من دول الخليج وتركيا أغلب المعروض، وتتنوع أعمارها بين سبع إلى اثنتي عشرة سنة، لافتاً أن هذا التوفر السريع يلبي حاجة السوق الملحة لكنه يأتي بثمن ضعف في جودة ومتانة المركبات، ما يتحول إلى عبء إضافي على أصحابها.
وأشار ديب خلال حديثه ل “الثورة” إلى أن التحديات تكمن في ارتفاع تكاليف صيانة هذه السيارات ونقص قطع الغيار المناسبة أو ارتفاع أسعارها، ما يُغذّي نزيف العملات الصعبة في أسواق ليس لها دور مباشر في دعم النمو الاقتصادي، وهذا يعكس وجود ثغرات مهمة في منظومة استيراد السيارات لم تواكب تطلعات المستهلكين أو حماية الاقتصاد الوطني.
ضغط على الدولار
تظهر تداعيات تدفق السيارات المستعملة في الاقتصاد بحسب ديب من خلال زيادة طلب السوق على العملات الأجنبية بسبب الحاجة المستمرة لاستيراد قطع الغيار، ما يؤدي بدوره إلى تصاعد الضغط على سعر الدولار المحلي وتفاقم معدلات التضخم، مضيفاً أن الإنفاق الأكبر على صيانة السيارات يحد من قدرة الأسر على شراء منتجات أخرى، مما يضعف القطاعات الإنتاجية، إضافة إلى ذلك يؤدي وجود سوق شبه مفتوح وغير منظم إلى تقلبات شديدة في أسعار السيارات وقطع الغيار، وانتشار سيارات دخلت بطرق غير رسمية، ما يُصعب عملية تحصيل الرسوم الحكومية ويخفض من الإيرادات العامة للدولة.
ضبط الاستيراد
وأكد ديب أن فتح السوق دون ضوابط صارمة يشكل عبئاً مضاعفاً على المستهلكين والاقتصاد على حد سواء.
واقترح وضع شروط واضحة لاستيراد السيارات، منها تحديد سقف لعمر السيارة المستوردة لا يتجاوز سبع إلى ثماني سنوات، وفرض فحوصات فنية دقيقة لضمان جودة المركبة قبل السماح بدخولها إلى السوق، كما يرى ضرورة تشجيع استيراد السيارات الجديدة أو شبه الجديدة من خلال تقديم إعفاءات ضريبية مفصلة لدعم جودة السيارات المتاحة، وتنظيم سوق قطع الغيار لمنع الاحتكار والتهريب، ودعم إنشاء مراكز صيانة معتمدة توفر خدمات بأسعار مناسبة تُعين المستهلكين على التعامل مع الأعباء المالية.
في المحصلة يمكن القول: إذا تم تبني سياسات متكاملة ومتوازنة يمكن تحويل سوق السيارات المستعملة من عبء إلى نقطة انطلاق إيجابية ترفد الاقتصاد وتوفر للمواطنين وسائل تنقل مناسبة، بما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعافي والاستقرار الاقتصادي.