الثورة – إيمان زرزور:
في مشهد وصفته الصحف الغربية بالاستثنائي، اعتلى الرئيس السوري أحمد الشرع منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين بنيويورك، ليصبح أول رئيس سوري يخاطب هذا المحفل الدولي منذ عام 1967، كلمة الشرع، التي اعتبرتها وسائل إعلام أميركية «الأكثر تفصيلاً لرئيس سوري منذ عقود»، قدّمت إعلاناً واضحاً عن ميلاد سوريا جديدة تنتقل من الحرب والانقسام إلى السلام والبناء والانفتاح.
من رواية الألم إلى رسالة الأمل في خطابه الذي حمل عنوان «الحكاية السورية»، رسم الشرع صورة جديدة لسوريا ما بعد الحرب؛ دولة تسعى لطي صفحة الماضي، واستبدال خطاب المواجهة بخطاب الشراكة والانفتاح، من على منبر الأمم المتحدة تحوّلت رواية الألم إلى رسالة أمل تُعلن أن سوريا لم تعد موضوعاً للأزمات، بل طرف يسعى لصناعة الاستقرار الإقليمي والدولي.
هذه الكلمة بما حملته من مضامين سياسية وإنسانية تشكّل نقطة انطلاق لمسار دبلوماسي جديد يعيد تموضع دمشق في النظام الدولي، ويؤسس لفصل مختلف في تاريخها المعاصر.
كيف قرأ الإعلام الغربي الخطاب؟
رصدت وسائل الإعلام الغربية الكلمة بعناية، فوكالة AP News وصفتها بأنها لحظة تاريخية، مشيرةً إلى أن الشرع «يستعيد مكانه الصحيح في الأمم»، ويسلط الضوء على دعوته لرفع العقوبات وتحقيق العدالة.
معهد واشنطن رأى أنها ركزت على استعادة سلطة الدولة ودمج التشكيلات المسلحة ضمن هيكل مركزي، لكنه نبّه إلى أن هذه الرؤية ستواجه اختبارات صعبة، وخصوصاً في الملفات المتعلقة بالمحاسبة واللامركزية.
أما “رويترز” فشدّدت على الطابع الرمزي للخطاب باعتباره أول ظهور لرئيس سوري منذ 1967، وذكرت أنه انتقد إسرائيل ودعا إلى إشراك الأمم المتحدة في التحقيقات المتعلقة بالانتهاكات.
فيما ركّزت “الغارديان” على التحول الشخصي للرئيس الشرع من ماضٍ ارتبط بمجموعات مسلحة إلى زعيم دولي يسعى لإعادة سوريا إلى الخارطة السياسية، مع تسليط الضوء على التحديات التي تواجه شرعية حكمه.
من الماضي إلى المستقبل
استهل الشرع خطابه بوصف الحكاية السورية بأنها «صراع بين الحق والباطل» بين شعب ضعيف يطلب حريته وكرامته، ونظام قمعي استخدم كل أدوات البطش، والتهجير، والأسلحة الكيميائية.
واستعرض أرقاماً صادمة عن ضحايا النظام السابق، مؤكداً أن الشعب السوري لم يجد بداً من تنظيم صفوفه، وخوض «مواجهة تاريخية كبرى» أنهت ستة عقود من الاستبداد وأفضت إلى «نصر بلا ثأر ولا عداوات» لصالح المظلومين، والمهجّرين، والأمهات المكلومات.
وانتقل من توصيف الماضي إلى رسم ملامح المستقبل، فاستعرض الإجراءات التي اتخذتها الحكومة منذ سقوط النظام السابق، ومنها تشكيل لجان تقصي الحقائق ومنح الأمم المتحدة الإذن بالتحقيق في الانتهاكات، وإنشاء هيئة وطنية للعدالة الانتقالية، وأخرى للمفقودين، والتعهد بإحالة كل من تلطخت يداه بدماء الأبرياء إلى القضاء، كما أعلن السير نحو انتخابات المجلس التشريعي، وإعادة هيكلة المؤسسات المدنية والعسكرية وفق مبدأ «حصر السلاح بيد الدولة» باعتباره أساس الدولة الجديدة.
دبلوماسية وانفتاح واقتصاد
توقف الشرع عند التهديدات الإسرائيلية المستمرة منذ ديسمبر 2024، محذراً من محاولات استغلال المرحلة الانتقالية لإثارة الفوضى، ومجدداً التزام دمشق باتفاق فض الاشتباك لعام 1974 وتفضيلها الحوار والدبلوماسية على التصعيد العسكري.
وأكد أن سوريا وضعت سياسة واضحة تقوم على الدبلوماسية المتوازنة، والاستقرار الأمني، والتنمية الاقتصادية، فتم تعديل قوانين الاستثمار، وبدأت كبرى الشركات الإقليمية والدولية دخول السوق السورية للمساهمة في إعادة الإعمار.
سوريا الجديدة: دولة قانون وحريات
شدد الرئيس السوري على أن بلاده تؤسس اليوم لدولة قانون تحمي الجميع، وتضمن الحقوق والحريات، وتطوي صفحة الماضي البائس، معلناً أن «الحكاية السورية» تدخل فصلاً جديداً عنوانه البناء والسلام والتنمية، واختتم خطابه مستشهداً بالآية القرآنية «وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً» في إشارة إلى انتصار الحق على الباطل.
رسالة شكر وانفتاح
وجّه الشرع الشكر إلى كل الدول والشعوب التي وقفت إلى جانب الشعب السوري، مثنياً على تركيا وقطر والسعودية والدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وأكد أن زيارته الحالية إلى الولايات المتحدة هي الأولى لرئيس سوري منذ ستة عقود، معتبراً أنها خطوة مفصلية لعودة سوريا إلى المجتمع الدولي واستعادة دورها في استقرار المنطقة والعالم.