حين يصبح “اللايك” عملة.. اقتصاد المؤثرين أرقام بمليارات الدولارات

الثورة – رولا عيسى:

تحوّل مفهوم “التأثير” خلال السنوات الأخيرة من مجرّد صفة اجتماعية إلى اقتصاد قائم بذاته، ولم يعد الأمر يقتصر على نجوم الشاشة أو الرياضيين، بل انتقل الضوء إلى فضاءات رقمية خلقت مؤثرين من خلف شاشاتهم، قادرين على تحريك الأسواق وتغيير ذائقة المستهلك.

كيف بدأ ينتشر؟

مع صعود وسائل التواصل الاجتماعي، تغيّرت العلاقة بين الأفراد والعلامات التجارية. صار الإعلان يخرج من قوالبه الرسمية الجامدة إلى أشكال أكثر دفئاً وشخصية.

تقول سارة عوض (28 عاماً): “بكل صراحة أثق أكثر بتجربة مؤثرة أتابعها يومياً على إنستغرام، لأنها تشبهني في أسلوب حياتها، فالإعلان التقليدي لم يعد يقنعني.

“وتضيف ناهد زريق “موظفة”: “المؤثرون دخلوا حياتنا وباتوا سبباً في بحثنا واشتراكنا على التطبيقات والمواقع، لكن هنالك حالات وصلت للإدمان وإضاعة الوقت ضمن تفاصيل غير مهمة أو مفيدة، وبعضها احتيال لعقل المتابع.

“ما عبرت عنه آراء من التقيناهم في تلقي ظاهرة المؤثرين هو ليس شعوراً فردياً بل تحول إلى شعور جماعي، انعكس على استراتيجيات الشركات، إذ بدأت توجّه جزءاً كبيراً من ميزانياتها للتسويق عبر المؤثرين.

بحسب الخبير الاقتصادي فاخر قربي، يعود انتشار اقتصاد المؤثرين إلى ثلاثة عوامله، تتمثل في انخفاض تكلفة الوصول للجمهور مقارنة بالإعلام التقليدي، تغيّر سلوك المستهلك الذي يبحث عن توصيات شخصية، والدور المحوري للخوارزميات التي ترفع من ظهور المحتوى.

لكن من وجهة نظر الخبير قربي: “المشكلة أن عالم الأرقام قد يختزل التجربة الإنسانية في أرباح سريعة، بعيداً عن متطلبات الحياة اليومية.”

وهنا تتحدث ريم الحمصي طالبة جامعية عن فرص اقتصادية جديدة تهيأت لها عبر تعاملها مع أدوات الانترنت: “لم أكن أتخيل أن فيديو بسيط أصوره بطريقة بسيطة يرصد منتجاً معيناً، يمكن أن يفتح لي مصدر دخل شهري يساعدني في دراستي.”

هنا يوضح محمد العسلي- خبير تسويق في إحدى الشركات، أن “المؤثرين لديهم قدرات كبيرة للتأثير ضمن مجتمعات صغيرة، وهذا يمنح الشركات مرونة في استهداف عملاء محددين بدقة، مما يدفعهم للاستعانة بهم في الترويج لمنتجاتهم.”

ويرى أن هذا الأمر يسهم في تمكين الأفراد، إذ صار بإمكان أي شخص أن يبني علامته الخاصة ويحوّل شغفه إلى مهنة.

لاشك أن ظاهرة المؤثرين كما تستحوذ على الإيجابيات والمشجعين هي أيضاً لديها سلبيات، فيقول الشاب مصطفى سليمان: “أحياناً أشعر أن كل شيء صار إعلاناً، ولم أعد أفرّق بين رأي حقيقي وترويج مدفوع.

“من جانبها تشير الخبيرة التنموية والاجتماعية ميرنا السفكون إلى بعض السلبيات المتمثلة في أن “المؤثر يعيش حالة من القلق المستمر بسبب الخوف من فقدان المتابعين أو انخفاض التفاعل، أيضاً فقدان المصداقية، مع كثرة الإعلانات يبدأ الجمهور بالتشكيك، ناهيك عن أن اقتصاد المؤثرين يوصف بالاقتصاد الهش، فنجاح المؤثر يبقى رهينة خوارزميات قد تتغير في أي لحظة.

مليارات الدولارات

ومن خلال المتابعة، تكشف الأرقام حجم الظاهرة وسرعة نموها، وفي بحثنا عن الأرقام تبين عبر تقارير عالمية أن سوق التسويق عبر المؤثرين بلغ 24 مليار دولار عام 2024، مع توقعات بالوصول إلى 32,55 مليار دولار في 2025.

أما البنية التحتية لسوق المنصات المخصصة لإدارة هذا القطاع قدّر بـ 25,44 مليار دولار في 2024، مع توقع وصوله إلى 97.55 مليار دولار بحلول 2030 بحسب منصة (Grand View Research).

أما على مستوى الشرق الأوسط التسويق عبر المؤثرين بلغ 1,3 مليار دولار عام 2023، أي 6.5 بالمئة من السوق العالمي، كما يتوقع أن يصل حجم سوق المنصات في المنطقة إلى 11.6 مليار دولار بحلول 2030.

أما عن العامل الديموغرافي، فتشير النسب إلى أن أكثر من 60 بالمئة من سكان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحت سن الثلاثين يتأثرون بمواقع، ما يجعل وسائل التواصل الاجتماعي المنصة الطبيعية للتأثير.

بدورها الخبيرة الاقتصادية والتنموية الدكتورة زبيدة القبلان قالت إن وراء كل منشور يلمع على إنستغرام أو تيك توك، سلسلة من المفاوضات بين المؤثر وصاحب المنتج، والعملية ليست عشوائية بل منظمة كصناعة لها أدواتها قنوات الوصول: شركات تسويق، منصات وسيطة، أو تواصل مباشر.

وتتضمن بنود الاتفاق نوع المحتوى (فيديو/ قصص/ بث مباشر)، عدد مرات النشر، طبيعة التعاون (مرة واحدة أو سفير للعلامة)، والمقابل: مبلغ مالي مباشر، نسبة من المبيعات، منتجات مجانية، أو مزيج من ذلك، كما أن العقد يتضمن تفاصيل دقيقة حول النشر، الحقوق، والالتزامات.

وتشير إلى أن اقتصاد المؤثرين ليس مجرد موجة، بل انعكاس لتحولات اجتماعية واقتصادية، لكنه ساحة مليئة بالتناقضات بين تمكين الأفراد، وتحويل حياتهم إلى “واجهة تسويقية” قد تفقد أصالتها.

وتقول: “نجاح اقتصاد المؤثرين مرهون بقدرة هؤلاء على الحفاظ على المصداقية، وإذا فقدوا عنصر الثقة، يفقد هذا الاقتصاد جوهره بالكامل.”

نحو مأسسة العلاقة

الخبيرة التنموية والاقتصادية تؤكد أنه مع توسّع السوق، بدأت بعض الدول الخليجية تضع تشريعات تنظم الإعلانات المدفوعة، وتفرض الإفصاح عن التعاونات مع العلامات التجارية، ووكالات التسويق أيضاً تتوسع لتكون الجسرالرسمي بين الطرفين.

وتوقعت أن تشهد المرحلة المقبلة انتقالاً من التعاون العفوي إلى عقود أكثر رسمية، وربما قوانين موحّدة، وهذا ضروري لحماية حقوق المؤثرين وضمان شفافية السوق.

وتلفت إلى أنه بهذا يبدو أن “اللايك” لم يعد مجرد تفاعل عابر، بل تحوّل إلى عملة صريحة في اقتصاد رقمي آخذ بالترسخ.

آخر الأخبار
الشيخ مضر الأسعد: كلمة الشرع إعلان انتصار حقيقي للشعب السوري تثبيت سعر المازوت والبنزين بالليرة السورية.. إنقاذ اقتصادي واجتماعي بيان خليجي - بريطاني: دعم سوريا ورفض الاعتداءات الإسرائيلية عليها مفوضية اللاجئين تدعو لرفع مستوى الدعم للمهجرين السوريين عجز وتحدّيات كبيرة.. غياب النظافة يشوّه وجه حلب الحضاري مكافحة 160 هكتاراً من الباذنجان البري في السفيرة متابعة الخدمات في "الشيخ نجار".. لجان قطّاعية لـ"صناعة حلب" اتفاق دعم رواتب الموظفين.. خطوة للنهوض والإعمار شراكات جديدة في قطاع الثروة المعدنية قصة إرادة لا تُكسر.. آصف داود.. من صعوبات الطفولة إلى نيران الجبال  "الغذاء في الوقاية والعلاج" طريقك إلى الرشاقة يبدأ مجاناً جهود إغاثية ورسائل مجتمعية لدائرة العلاقات المسكونية في درعا رحلة نحو أعماقنا.. كيف نكتشف ذاتنا ونحقق أهدافنا؟ حملة "ريفنا بيستاهل" تواصل تنفيذ المشاريع التنموية والخدمية المرأة في الاقتصاد السوري.. مشاركة فاعلة تحتاج إلى الاستثمار "المراكز الصحية" في حلب بين ضغط المرضى وضعف الموارد زيلينسكي يُعلن من نيويورك استئناف العلاقات الدبلوماسية بين أوكرانيا وسوريا بعد ثلاثة عقود من "الإنفاق الاستهلاكي".. قانون للضريبة على المبيعات بيئة الاستثمار الجاذبة تتطلب استقراراً تشريعياً وقانونياً الزراعة والحرف والمشاريع الصغيرة.. آليات ممكنة للحد من الفقر