الزراعة والحرف والمشاريع الصغيرة.. آليات ممكنة للحد من الفقر

الثورة – تحقيق هلال عون:

تشير التقارير الدولية إلى أن نسبة الفقر في سوريا تجاوزت 80 بالمئة من السكان، فيما يحتاج أكثر من 17 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية في 2025.

التقارير الاقتصادية توضح أن السوريين يعيشون في ظل أزمة اقتصادية حادة تشمل تراجع الناتج المحلي، وزيادة الأسعار، ونقص المواد الأساسية، ما يفاقم التحديات اليومية لتأمين الغذاء والمياه.

الزراعة والحرف اليدوية والمشاريع الصغيرة تمثل القطاع الأكثر اعتماداً في حياة ملايين الأسر، خاصة في المناطق الريفية، لكنها تواجه تحديات كبيرة من حيث الموارد، التمويل والبنية التحتية.

في هذا التحقيق الصحفي نتابع الواقع المعيشي، والحلول الممكنة لتحسينه.

مؤشرات اقتصادية وزراعية

الناتج المحلي انكمش بشكل كبير خلال سنوات الحرب، ولا يزال التعافي بطيئاً، فالزراعة، رغم انخفاض الإنتاج، تظل مصدر رزق رئيسي لملايين الأسر، لكن تراجع الأمطار في 2025 أدى إلى انخفاض المحاصيل الزراعية، وخاصة محصول القمح، ما زاد من الاعتماد على الاستيراد.

تقرير أممي حديث- بحسب الخبير الاقتصادي والزراعي الدكتور سامر حسام الدين- أكد أن الزراعة لا تزال مصدر رزق رئيسي لملايين الأسر رغم تراجع الإنتاج بسبب الجفاف ونقص مستلزمات الزراعة.

يقول المهندس الزراعي ميسم جليس: الجفاف المتكرر يهدد الأمن الغذائي، ودعم أنظمة الري بالطاقة الشمسية أحد الحلول الفعّالة التي يجب اعتمادها ودعمها.

شهادات من الميدان

في سوق شعبي بريف حماة، يقول أبو فراس (يبيع بذار القمح والشعير): “كان المزارع يشتري البذار كل سنة ويدفع ثمنها، أما اليوم فيأتيني ويقول: سامحني، الدفع على الموسم، لا أملك سوى ثمن الخبز”.

في ريف مصياف، تحاول أم علي، وهي امرأة في الأربعينيات، مساعدة زوجها الموظف وإعالة أولادها من خلال إنتاج الأجبان في منزلها: “أبيع الكيلو بـ 20 ألف ليرة، لكن الناس قدرتها الشرائية ضعيفة، لو كان هناك سوق منظّم أو دعم حكومي، لتمكّنت من الاستمرار”.

أما حنان. ع، من حمص فتقول: “تخرّجت في كلية الاقتصاد، قدّمت عشرات الطلبات للوظائف، ولم أجد فرصة، ثم بدأت بمشروع صغير على الإنترنت لبيع منتجات حرفية عبر فيسبوك، ولكن المشكلة أن خدمات التوصيل ضعيفة والزبائن خارج المحافظة، ولا أستطيع الوصول إليهم”.

الحل مع الجفاف

الجفاف المتكرر ونقص الموارد الزراعية يهددان الأمن الغذائي، فيما تظهر تجارب استخدام الطاقة الشمسية في أنظمة الري كحلّ واعد لخفض التكاليف وتحسين الإنتاجية، ومع ظروف الجفاف الصعبة يبقى القطاع الزراعي، والحرف اليدوية يمثلان خياراً استراتيجياً للحد من الفقر، نظراً لأسباب متعددة، منها:

أولاً: انتشارها الواسع، فمعظم الأسر الريفية والحضرية الفقيرة تعتمد على هذه القطاعات كمصدر مباشر للدخل.

ثانياً: التكلفة منخفضة، ولها أثر كبير، فتمويل صغير أو منحة موسمية قد يحسن حياة الأسرة بشكل ملموس.

ثالثاً: حفظ التراث وفتح الأسواق أمام المنتجات ذات الصبغة السورية، مثل صابون حلب أو المطرزات اليدوية التي تمتلك القدرة على الوصول إلى أسواق إقليمية ودولية، ما يفتح فرصاً للتصدير والدخل المستدام، بحسب الخبير الزراعي والاقتصادي، الدكتور سامر حسام الدين.

العقبات الرئيسة

هناك عقبات تقف في وجه الزراعة والحرف والمشاريع الصغيرة الخاصة بها كأزمات المناخ والمياه والجفاف، وتملُّح المياه الذي يقلل من إنتاج الحبوب.

وكذلك البنية التحتية المدمرة، كالمطاحن والمستودعات والطرق، وكل ذلك يحد من قدرة التسويق والنقل. ويضاف إلى ما سبق- بحسب الخبير الإداري والاقتصادي الدكتور عبد المعين مفتاح- التمويل شبه الغائب، فالبنوك محدودة النشاط.

كذلك نقص فرص التدريب المهني يحدّ من القدرة على الاستفادة من المشاريع الصغيرة ويؤدي للهجرة أو البطالة.

تجارب ومبادرات عملية

وتحدث د. مفتاح عن مضخّات الطاقة الشمسية، وأن المشاريع التجريبية خفضت تكاليف الري بنسبة 60 بالمئة وزادت إنتاجية الخضار، داعياً إلى إحياء الصناعات التقليدية ودعمها، كورش صناعة صابون حلب لتتمكن من إعادة التصدير إلى الأسواق العربية والعالمية، فهي توفر فرص عمل جديدة، وتدرّ قطعاً أجنبياً.

ويجب الاهتمام بالمنح الصغيرة مع التدريب لدعم المشاريع المنزلية للنساء، مثل إنتاج الأجبان والخياطة، فهذه المشاريع تؤدي إلى خلق مصادر دخل مستدامة وتحويل المستفيدين من متلقّي مساعدات إلى منتجين.

على المدى القصير، يجب- بحسب د. مفتاح- توفير قسائم بذوروأسمدة وخدمات إرشاد زراعي متنقلة، ونشر مضخات تعمل بالطاقة الشمسية عبر التعاونيات القروية، وإنشاء أسواق محلية موسمية للمنتجات الزراعية والحرفية.

أما على المدى المتوسط، من (1- 3 سنوات)، فيجب إطلاق حاضنات أعمال للتدريب على المحاسبة والتسويق الرقمي، وتأسيس صناديق قروض صغيرة بضمانات ميسّرة، ووضع آليات قانونية لحماية حقوق الملكية المؤقتة.

أما على المدى الطويل (3- 7 سنوات)، فيجب ضخ استثمارات في البنية التحتية، كسلاسل التبريد، والمطاحن، والطرق زراعية.

الربط مع الأسواق الإقليمية

الدكتور سامر حسام الدين يرى ضرورة تطوير علامة المنتج السوري للمنتجات الحرفية والتقليدية، وعمل كلّ ما هو مطلوب لتحقيق هذا الهدف، فلا تشتهر خارجياً أو داخلياً إلا بعلامة تجارية بجودة وبأسعار منافسة، ولا يتم ذلك إلا بالتأهيل والتدريب واختيار منتج قابل للمنافسة.

يقول د. مفتاح: على الرغم من التحديات الهائلة، يمكن للزراعة والحرف والمشاريع الصغيرة أن تكون آليات فعّالة للحدّ من الفقر وإعادة الاستقرارالاقتصادي، والتحول من سياسة المعونات التقليدية إلى التمكين الإنتاجي الذي يمنح السوريين فرصة استعادة الاعتماد على الذات والكرامة، ويتيح لهم بناء اقتصاد محلي مستدام قادر على مواجهة أزمات الغذاء والبطالة.

آخر الأخبار
الشيخ مضر الأسعد: كلمة الشرع إعلان انتصار حقيقي للشعب السوري تثبيت سعر المازوت والبنزين بالليرة السورية.. إنقاذ اقتصادي واجتماعي بيان خليجي - بريطاني: دعم سوريا ورفض الاعتداءات الإسرائيلية عليها مفوضية اللاجئين تدعو لرفع مستوى الدعم للمهجرين السوريين عجز وتحدّيات كبيرة.. غياب النظافة يشوّه وجه حلب الحضاري مكافحة 160 هكتاراً من الباذنجان البري في السفيرة متابعة الخدمات في "الشيخ نجار".. لجان قطّاعية لـ"صناعة حلب" اتفاق دعم رواتب الموظفين.. خطوة للنهوض والإعمار شراكات جديدة في قطاع الثروة المعدنية قصة إرادة لا تُكسر.. آصف داود.. من صعوبات الطفولة إلى نيران الجبال  "الغذاء في الوقاية والعلاج" طريقك إلى الرشاقة يبدأ مجاناً جهود إغاثية ورسائل مجتمعية لدائرة العلاقات المسكونية في درعا رحلة نحو أعماقنا.. كيف نكتشف ذاتنا ونحقق أهدافنا؟ حملة "ريفنا بيستاهل" تواصل تنفيذ المشاريع التنموية والخدمية المرأة في الاقتصاد السوري.. مشاركة فاعلة تحتاج إلى الاستثمار "المراكز الصحية" في حلب بين ضغط المرضى وضعف الموارد زيلينسكي يُعلن من نيويورك استئناف العلاقات الدبلوماسية بين أوكرانيا وسوريا بعد ثلاثة عقود من "الإنفاق الاستهلاكي".. قانون للضريبة على المبيعات بيئة الاستثمار الجاذبة تتطلب استقراراً تشريعياً وقانونياً الزراعة والحرف والمشاريع الصغيرة.. آليات ممكنة للحد من الفقر