الثورة – زهور رمضان:
تعرضت العديد من مدن وقرى الريف الشمالي لحماة لاستهداف مباشر من طيران ومدفعية النظام البائد، شمل العديد من المرافق الخدمية والمباني السكنية، لكن المؤسف في الأمر هو تعرُّض العديد من المدارس للدمار، إما جزئياً أو كلياً، سواء بسبب القذائف المباشرة أم من خلال عمليات السرقة والتعفيش، ما أدى لخروج 67 مدرسة كلياً في المحافظة من الخدمة.. وكان آخرها تعرُّض مدرستي هشام بصيلة، وشفيق عبيسي للقصف قبل يوم واحد من تحرير البلاد.
واقع ترميم وإعادة تأهيل مدارس حماة التي دمرتها الحرب نتابعه في هذا التحقيق الصحفي..
479 مدرسة مغلقة
حين يذكر التعليم في سوريا لا يذكر كمهنة، بل كقضية وجود أو لا وجود، إذ عانى بعض طلاب محافظة حماة، كغيرها من المحافظات، من حرمانهم من التعليم خلال أربعة عشر عاماً، تعرضوا خلالها للتهجير ومغادرة المدارس قسراً تحت القصف والدمار، وويلات الحروب وآلامها، حتى غدا ربع مدارس المحافظة مغلقة أبوابها، ولأن العلم هو الركيزة الأساسية لتقدّم الأمم.. تتسارع وتيرة العمل في حماة لإنجاز مشروعات صيانة وترميم للمدارس المتضررة، أو المحتاجة لتأهيل شامل، وذلك بهدف توفير بيئة تعليمية آمنة ومناسبة للطلاب والمعلمين.
مدير تربية حماة أحمد المدلوش، أكد وجود 527 مدرسة متعرضة لضرر جزئي أو كلي، من عدد المدارس الكامل في حماة البالغ 1902 مدرسة، منها 1448 مدرسة مفتوحة بشكل كامل أمام الطلاب، فيما يوجد 479 مدرسة مغلقة تشكل 25 بالمئة من مدارس حماة، منها 67 مدرسة مدمرة بشكل كامل.
ترميم 12 مدرسة
إبان تحرير سوريا، سارعت وزارة التربية للكشف على واقع المدارس المدمرة جزئياً أو كلياً في حماة، وأوفدت وفداً وزارياً يرأسه مدير التخطيط والتعاون الدولي في الوزارة يوسف عنان، الذي أوضح أن الهدف الرئيسي من الجولة هو الاطلاع عن قرب على وضع المدارس المدمرة بالمحافظة، لتقييم واقع بناء المدارس إنشائياً والتأكد من سلامة البنية التحتية، ورصد الاحتياجات اللازمة للتأهيل تمهيداً لعودة طلاب المدارس للدوام فيها، ونتيجة لتلك الزيارة وضعت خطط لترميم مدرسة 288 من مدارس حماة المتضررة.
وبين عنان أنه ضمن حملة “حماة تنبض من جديد” تم وضع خطة لترميم 14 مدرسة كمرحلة أولى مع انتهاء العام الدراسي 2025، منها في مدينة حماة مدرسة الصواعق تم ترميمها بمساعدة من جمعية نسمة، وعمر بن الخطاب، وثانوية عبد العزيز عدي بالتعاون مع منظمة “رحمة بلا حدود، ومدرسة بسام العمادي بالتعاون مع فعاليات المجتمع الأهلي، وثلاث مدارس في صوران، هي مصطفى السند، وراكان السالم، وصلاح ديبو العلي، إضافة إلى مبنى المجمع التربوي، ومدرسة أبي عبيدة بريف محردة بتمويل من منظمة اليونيسيف، ومدرسة الذكور في اللطامنة ضمن خطة الترميم التي انتهت مع نهاية الفصل الدراسي الثاني من عام 2025.
وعلى الرغم من تلك الجهود، فهي لم تثمر إلا عن حل جزء يسير من مشكلات المدارس المدمرة، فيما بقي العدد الأكبر من المدارس دون ترميم أو إعادة تأهيل.
كارثة تعليمية
بعد انتهاء العام الدراسي السابق 2024- 2025 وانشغال المديرية بامتحانات الشهادتين الثانوية والإعدادية، تباطأت وتيرة أعمال الترميم في العديد من مدن ومناطق المحافظة، فيما توافد العديد من قوافل العودة من مخيمات اللجوء التركية واللبنانية، وازداد عدد العائلات في مدن وقرى حماة، إذ تشير التقارير إلى أن عدد الأسر العائدة من النزوح في المحافظة تجاوز 250 ألف أسرة منذ سقوط النظام البائد.. وزاد بالتالي عدد الطلاب العائدين المحتاجين لتجهيز مدارسهم وصفوفهم الدراسية وتأمين المقاعد واللوازم.
هذا ما أكده وزير التعليم التركي عندما قال: إن 100 ألف طالب سوري عادوا إلى بلادهم بشكل طوعي، ما ينذر بحدوث كارثة تعليمية، إن استمر حال المدارس على ما هو عليه.
أزمة مدارس مورك
كما تعاني مدينة مورك هي الأخرى من دمار واسع في البنية التحتية، وخاصة التعليمية، حيث لم تعد المدارس القليلة القائمة قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب، خاصة مع استمرار عودة الأهالي الذين فضلوا العودة إلى مدينتهم بعد تحريرها، بيد أنهم اصطدموا بحجم الدمار الذي وجدوه، فناشدوا الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية لتضع ملف التعليم في مورك على رأس أولوياتها، لأن الوقت يداهمهم، فقد أصبحت الحاجة ماسة للتدخل فوري لإعادة الحياة لصفوف العلم للمدينة التي وقفت في وجه ظلم النظام البائد.
هذا الواقع المؤلم يُنذر بكارثة تعليمية حقيقية مع بداية العام الدراسي، إذ بات خطر تسرّب الطلاب من المدارس يلوح في الأفق بسبب الاكتظاظ الكبير للطلاب وانعدام المرافق المؤهلة.
بدورهم عبر العديد من الأهالي عن الواقع الحالي، أنه إذا لم يتم ترميم وإعادة تأهيل المدارس خلال هذه الفترة، فإن آلاف الأطفال مهددون بالحرمان من حقهم الأساسي في التعليم، ما ينذر بانعكاسات خطيرة على مستقبل جيل كامل.
رئيس مجلس المدينة المهندس إبراهيم الإبراهيم، أكد وجود 6 مدارس داخل الخدمة، وقد تم ترميم بعض منها، مخصصة لجميع المراحل التعليمية، لكنها لا تستوعب جميع الطلاب، خاصة بعد عودة المهجرين إلى ديارهم، فيما بقيت 8 مدارس خارج الخدمة، وهي بحاجة إلى إعادة تأهيل وتجهيز قبل العام القادم لاستقبال الطلاب بجميع مراحلهم التعليمية.
مدارس كرناز أيضاً
عضو اللجنة المجتمعية في بلدة كرناز محمد سالم العثمان، أكد وجود ثلاث مدارس في كرناز من أصل 12 مدرسة في البلدة تعرضت لأضرار إنشائية نتيجة قصف النظام البائد لها، جعلتها بحاجة ماسة للترميم والصيانة الشاملة، فيما تحتاج بقية المدارس إلى أعمال تأهيل، من أبواب ونوافذ وباحات وأعمال مدنية أخرى لضمان بيئة تعليمية آمنة للطلاب مع بداية العام الدراسي.
فيما أوضح أحمد القاسم مدرس في مدينة كفرنبوذة القيام بتنظيم حملة من التبرعات من أجل إعادة تأهيل الكرفانات المستقدمة من الشمال السوري، نظراً لعدم التمكن من تأهيل مدارس المدينة التي تعرضت للدمار على يد آلة القتل والبطش من قبل النظام البائد، مضيفاً: إنه ومع استمرارنا الحملة فقد تم القيام بتجزئة العمل حسب المال الوارد من هذه الحملة، وبالتالي تجزئة العمل إلى عدة مراحل تزامناً مع استمرار الحملة.
مدارس اللطامنة مدمرة
تعرضت مدارس مدينة اللطامنة التي عاد إليها 2700 أسرة، وهي أكبر مدن الريف الشمالي لحماة للدمار الممنهج، إذ يوجد فيها ثماني مدارس خارج الخدمة، لا تصلح للعملية التربوية نهائياً، وكنا قد تناولنا مشكلة المدينة بشكل خاص بتاريخ الثالث والعشرين من أيلول ضمن التحقيق التي صدر في صحيفة الثورة بالعدد (17934)، فأصبح ستة آلاف طالب وطالبة في جميع المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية مهددين بالتسرب، وهنا تلوح المشكلة في الأفق، وتدق جرس الخطر حول مشكلة عدم وجود بناء مدرسي في المدينة المدمرة، رغم نجاح مديرية تربية حماة بترميم مدرستين فقط، إلا أن المجتمع المحلي وبدعم تركي سارع في بدء ترحيل الأنقاض في مدرسة عبد العزيز النعسان باللطامنة، تمهيداً لترميم المدرسة الابتدائية المتوقع أن يحتاج ترميمها لمدة تتراوح بين 45-50 يوماً تكون بعدها المدرسة جاهزة لاستقبال الطلاب.
خطط إسعافية
ومع انتهاء امتحانات العام الدراسي السابق انطلقت مديرية التربية والتعليم في حماة في سباق مع الزمن للتجهيز لعام دراسي جديد لا يتماثل مع الأعوام السابقة، فأطلقت في المرحلة الأولى خطة لترميم عشر من المدارس، هي مدرسة كفرنبوذة الثانية، ومدرسة أحمد الأحمد في قلعة المضيق، ومدرسة قبر فضة، وثانوية حي الثورة في كفرزيتا، وواحدة في معركبة، وأخرى في عقيربات، ومدرسة بنات اللطامنة، ومدرسة الحماميات وغيرها من المدارس.
“حماة تنبض من جديد”
وضمن حملة “حماة تنبض من جديد” بدأت أعمال تنظيف مدرسة الكريم في ريف حماة الغربي في سهل الغاب تحديداً، استعداداً لاستقبال طلابها بوجه مشرق وأمل متجدد.. وواصلت الفرق الفنية والإدارية عملها الدؤوب لإنجاز مشاريع ترميم المدارس في الوقت المحدد، الأمر الذي يبعث رسالة أمل إلى الطلاب وأسرهم أن التعليم سيبقى أولوية راسخة على الرغم من كل التحديات.
كما تسارعت وتيرة العمل في حماة لإنجاز مشاريع صيانة وترميم للمدارس المتضررة أو التي تحتاج إلى إعادة تأهيل شامل في حماة وريفها، بهدف توفير بيئة تعليمية آمنة ومناسبة للطلاب والمعلمين، وتم تحقيق إنجاز متقدم بنسبة تجاوزت 70 بالمئة من حجم الأعمال في ترميم مدرستين، شملت إعادة بناء أجزاء متضررة بشكل شبه كامل، فضلاً عن تحديث البنية التحتية وتزويد المدارس بوسائل تدريس حديثة.
حملة تنظيف أهلية
أكدت مصادر في وزارة التربية والتعليم، أن أعمال ترميم المدارس المتضررة تأتي ضمن خطة شاملة لإعادة تأهيلها في جميع المناطق، بهدف استيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب وتوفير ظروف تعليمية أفضل.
وأضافت: إن التعاون مع المجتمع المحلي ساعد كثيراً في تسريع وتيرة العمل، سواء من خلال المساهمات المادية أم التطوعية.
الخبير التربوي سامر الخطيب، أشار إلى أن الاستثمار في إعادة تأهيل المدارس هو استثمار في المستقبل، لأنه ينعكس بشكل مباشر على جودة التعليم والتحصيل العلمي للطلاب.
وبما أن عدد المدارس المتضررة في حماة أكبر من طاقة مديرية تربية حماة، فلا يمكن للمديرية بمفردها، وخلال أقل من عام واحد على التحرير تجهيز وتأهيل كل هذا الكم من المدارس المتضررة معاً، فقد سارعت الفعاليات المجتمعية للقيام بحملات تنظيف وتـأهيل لمدارسها، إضافة للقيام بحملات تبرع من المجتمع الأهلي لصالح ترميم المدارس، إذ كانت البداية من كفرزيتا، التي قامت بحملة تنظيف شملت مدرسة شايش سويد استعداداً لعودة الطّلاب وسط بيئة صحّية، بجهود أهالي المدينة وفريق النور التطوعي، مع دعوة للداعمين للمساهمة في ترميم المدارس المتضررة، وذلك ضمن جهود النّهوض بالتّعليم في كفرزيتا في ريف حماة الشمالي، التي يفترش فيها التلاميذ الأرض لعدم توفر مقاعد يجلسون عليها، إذ يُقارب عدد التلاميذ في الصف الواحد من المئة تلميذ.
تنظيف المدارس
كما أطلق عدد من شباب بلدة كرناز بريف حماة، حملة تطوعية لتنظيف المدارس استعداداً للعام الدراسي الجديد، وشملت الحملة تنظيف مدرستي بنات كرناز، الإعدادية والثانوية، فيما تعمل اللجنة المجتمعية على التحضير لإطلاق أنشطة وفعاليات ترفيهية موازية، تهدف إلى تعزيز التزام الطلاب بالدوام المدرسي، وتشجيعهم على تحقيق نتائج إيجابية ومتميزة، كما تم إطلاق مبادرة أهلية لتجهيز المدرسة الشرقية الريفية في بلدة عقرب جنوب حماة، في خطوة تعكس الاهتمام بالتعليم وتعزيز دوره في المجتمع، برعاية محافظ حماة عبد الرحمن السهيان، وبالتنسيق مع مديرية المنطقة الجنوبية، وبمساهمة فاعلة من المجتمع المحلي.
كما بدأت ضمن حملة “حماة تنبض من جديد” أعمال تنظيف مدرسة الكريم في ريف حماة الغربي في سهل الغاب تحديداً، استعداداً لاستقبال طلابها بوجه مشرق وأمل متجدد.
تبرع لمصلحة مورك
ولم يكتف أبناء حماة بالقيام بمبادرات لتنظيف المدارس، بل سارعوا لتقديم الأموال للإسراع بالترميم قبل انطلاق العام الدراسي، فقد تبرّع أحد أبناء مدينة مورك المغتربين بمبلغ يفوق نصف مليون دولار أميركي، لإنشاء مدرسة حديثة، دعماً للبنية التعليمية والدينية فيها، ضمن رسالة تحمل روح الانتماء والعطاء، إذ تجسّد هذه الخطوة حرص أبناء الوطن، في الداخل والخارج، على الإسهام الفاعل في خدمة مجتمعاتهم، وتعزيز جهود البناء والتنمية في محافظة حماة.
ترميم 531 مدرسة
تشير تقارير وزارة التربية والتعليم إلى أنها أنهت أعمال ترميم وإعادة تأهيل 531 مدرسة في مختلف المحافظات حتى الآن، فيما تعمل حالياً على ترميم 676 مدرسة في مختلف المحافظات.
وأوضح مدير الأبنية المدرسية في وزارة التربية والتعليم محمد الحنون أن عدد المدارس المنجز ترميمها تبلغ 28 في حماة، فيما تعمل الوزارة حالياً على ترميم 49 مدرسة أخرى.
إن ما يجري اليوم في حماة ليس مجرد أعمال بناء وترميم، بل هو جزء من مشروع وطني يهدف لإعادة الحياة إلى مدارس حماة، لتكون قادرة على احتضان الأجيال الجديدة في بيئة تعليمية صحية وآمنة.