الثورة – سيرين المصطفى
وجّه المعلمون في محافظة إدلب وريفها، نداءً عاجلاً إلى الحكومة للنظر في أوضاعهم المعيشية الصعبة وتحسين رواتبهم المتدنية، التي – بحسب وصفهم – لا تكفي لتأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية، في ظلّ ارتفاع الأسعار وتفاقم أعباء الحياة اليومية.
ويؤكد المعلمون أنهم يعيشون صراعاً يومياً لتأمين لقمة العيش، وأن أوضاعهم باتت لا تُحتمل بعد سنوات من الصبر والتطوّع في خدمة العملية التعليمية.
ومن خلال منصّات التواصل الاجتماعي والوقفات الاحتجاجية التي نظموها ، شدد المعلمون على ضرورة الاستجابة لمطالبهم المشروعة وتحقيق العدالة في الأجور، مشيرين إلى أنهم يواجهون أوضاعاً معيشية قاسية لا تتناسب مع الجهد الذي يبذلونه في تعليم الأجيال.
وأوضح المعلمون أن الحرب الطويلة تركت آثاراً مدمّرة على حياتهم، إذ فقد بعضهم منازلهم وممتلكاتهم ومصادر رزقهم، فيما اضطر آخرون للنزوح مراراً، ومع ذلك – كما يؤكدون – أصرّوا على متابعة رسالتهم التعليمية رغم غياب الرواتب وانتشار الفقر، فعمل كثير منهم لسنوات تطوعية بلا مقابل حفاظاً على مستقبل الطلبة واستمرار العملية التربوية.
وفي حديث لصحيفة “الثورة”، تقول مرام الأحمد، معلمة حلقة أولى، إحدى المعلمات اللواتي قدمن شكاوى إلى وزارة التربية، وإلى محافظ إدلب، وإلى مدير التربية، بالتعاون مع مجموعة من المعلمين الأحرار، ، إنها أرملة ولديها ثلاثة أولاد، أحدهم في الصف البكالوريا والآخر في الصف التاسع.
وتشير إلى أن راتبها البالغ 130 دولاراً لا يكفي لتلبية متطلبات الحياة اليومية، بما في ذلك الطعام والشراب، فضلاً عن تسجيل أبنائها في الدورات والمعاهد الخاصة حتى يتمكنوا من تقديم الامتحانات، بالإضافة إلى دفع إيجار السكن.
وتضيف مرام أن الراتب لا يغطي هذه الاحتياجات جميعها، مشيرة إلى أن بيوتهم تعرضت للدمار على يد قوات الأسد، وعاشوا في خوف دائم بسبب القصف.
وتطالب الأحمد بصرف راتبها بانتظام كل شهر، وإعادة النظر في وضع المعلمين ورفع الرواتب لتأمين حياة كريمة لهم.
في حين تؤكد المعلمة فاطمة، وهي مدرسة لغة عربية، أنهم كانوا بعد تحرير البلاد يأملون بحياة أفضل وتقدير لجهودهم، لكن الواقع خيّب التوقعات، وتوضح للثورة، أن رواتب المعلمين لا تزال متدنية جداً مقارنة بالعاملين في المنظمات الإنسانية، إذ يتقاضى المعلم ما بين 120 و170 دولاراً فقط، بينما تتراوح أجور موظفي المنظمات بين 250 و300 دولار أو أكثر، مشيرة إلى أن هذا الفارق الكبير يجعل المعلمين في مواجهة العوز المستمر وغلاء الأسعار المتصاعد.
أما محمد العبدالله، مدرس اللغة الإنجليزية، فيروي أنه اضطر بعد نزوحه للعيش في منزل مستأجر مع أسرته المكونة من ثلاثة أطفال، وأن راتبه البالغ 150 دولاراً لا يكفي سوى لأسبوع واحد تقريباً، ويقول للثورة: “اضطررت للعمل في مهنة أخرى إلى جانب التعليم لتغطية النفقات، لكن ذلك كلّفني إرهاقاً جسدياً وضغوطاً نفسية كبيرة”.
ويطالب المعلمون في إدلب برفع الرواتب الشهرية إلى مستوى يضمن لهم حياة كريمة واستقراراً وظيفياً، مشددين على أن مبلغ 150 دولاراً لا يكفي سوى لعشرة أيام في ظل الأسعار الحالية.
ويدعون إلى تعويضهم عن سنوات التطوع المجاني التي قضوها في خدمة التعليم من دون مقابل، أسوة بزملائهم في مناطق أخرى، مع توفير الدعم النفسي والمهني للكوادر التعليمية، وتمكينهم من أداء رسالتهم بعيداً عن الضغوط الاقتصادية التي تهدد استمرار العملية التعليمية في المنطقة.
يأتي هذا النداء في وقتٍ تشهد فيه العملية التعليمية في إدلب وريفها تحديات متفاقمة على الصعيدين المعيشي والإداري، نتيجة استمرار آثار الحرب وتراجع الدعم المخصص لقطاع التعليم، فمنذ سنوات، يعاني المعلمون في شمال سوريا من تأخر الرواتب وضعف التمويل، بعد انسحاب عدد من المنظمات الداعمة، ما أدى إلى تفاقم الأزمة المعيشية للكوادر التربوية التي تشكّل الركيزة الأساسية لاستمرار التعليم.