ثورة أون لاين: رغم مضي شهر على انتظار دوره اليومي لإجراء العلاج، يخالجه شعور داخلي، أنه سينال أخيراً نصيبه من التداوي ، متمنياً ألا يحتاج إلى قضاء بضع ليالٍ أخرى في المشفى..
انه العتال (أبو عادل)يقف منتظرا إجراء تصوير شعاعي لظهره بعد معاينته من قبل طبيب إحدى العيادات الخاصة. في مستشفى المواساة،
فيما يفكر (أبو عادل) بابنه الناجح في شهادته الثانوية العامة بعلامات تؤهله دخول الجامعة، غير أن الضائقة المادية ستمنعه من ذلك، ما اضطر الولد إلى اقتناء "بسطة مشروع جامعي" في شارع الثورة، والجري بها من مكان لآخر كلما لاحت لعينيه هيئة شرطي. وبينما يسند ظهره بيده متذكراً زملاءه العتالين المنتظرين على بعد أمتار في الطرف الآخر من ساحة المواساة، يتأمل شقوق يديه، التي تظهر أن عمره الأربعيني أضحى بفعل مهنته كمن يزيد على الثمانين
في حديقة مشفى المواساة، يوجد العشرات منهم، أكدوا أنهم من محافظات عدة يلتقون كل يوم من الساعة السابعة صباحاً وحتى السابعة مساءً ينتظرون من يطلب منهم نقل حمولة سيارة رمل أو بحص أو أثاث منزلي أو ترحيل وغير ذلك من الأعمال التي تحتاج إلى جهد عضلي ملحوظ
ظروف قاسية
وقال عبدالله هواش إن ظروف عملهم قاسية جداً وتحمل الكثير من المخاطر الجسدية والنفسية نتيجة للأمراض التي تسبّبها مع تقدّم العمر، إضافة إلى ذلك فإن الكثير ممن يحتاجون لجهدهم يقومون بابتزازهم واستغلال حاجتهم ويمارسون أبشع أنواع الظلم عليهم، وفي بعض الأحيان يتحكمون بالأجرة المتفق عليها مسبقاً، ونظرة المجتمع لهم بأنهم مجرد عمال لاقيمة لهم على الرغم من أن الكثير منهم أرباب أسر ويعيلون ذويهم.
العتالة، من أكثر الأعمال الشاقة التي تستهلك الصحة الجسدية، لدرجة أن ما يحققه صاحبها في سنوات لا يكفي ثمن علاجه من الديسك أو انقراص الفقرات. وفي ظل الأزمة التي تعيشها البلاد، ونشاط الأبنية المخالفة، كثر عمل العتالين ونشط، الأمر الذي من شأنه أن يطرح ضرورة تسليط الضوء على واقع عملهم والمخاطر التي يتعرضون لها
اتحاد العمال
عمّال الحمل والعتالة، إحدى شرائح المجتمع، مثل باقي العاملين في المهن الأخرى من القطاع العام والخاص". هذا ما يعتبره أحمد الحسن، أمين شؤون العمال في اتحاد العمال، مضيفاً: "إن مشكلتهم ظاهرة للعيان منذ الستينات والسبعينات، ولم تنته رغم صدور تعميم رئيس مجلس الوزراء لتنظيم الصيغة القانونية لعملهم"، وهذا دليل أهمية عملهم للمجتمع؛ فلا يمكن أن يحصل أي قطاع على خدماته لولا العامل الذي يحمل البضائع خلال الاستيراد والتصدير، كما أن هناك جهات تتعامل معهم مباشرة مثل الحبوب، والمطاحن، والمؤسسة الاستهلاكية، والمصرف الزراعي. آلية التعامل التي تنظم عمل هذه الفئة والجهات العامة، لم تكن واضحة، ما عرّضها للظلم بسبب اختلاف وجهات النظر حول طبيعة أصحاب العمل، "هل هي الجهات العامة، أم مورد خاص"، يتساءل الحسن، مضيفاً:"حسم الموضوع لا يمكن إلا عبر تعميم مجلس الوزراء
لامكان للقلم والأوراق هنا.. ولا لخيال الكاتب"، يعلق محمد.ع، خريج قسم الصحافة، الذي يعتبر أن عدم إيجاده فرصة عمل، دفعه إلى العمل في العتالة؛ حيث ينتظر الحصول على رزقه يومياً مع مجموعة من الشباب بجانب دوار المواساة، متمنياً لو أنه عمل في مهنة معينة منذ الصغر، لوفر على أهله تكاليف الدراسة، وتمكن من اكتساب ما يؤهله امتلاك منزل أو محل معين.
تنوع كبير
معظم المجتمعين في الساحات، ابتداءً من ساحة عرنوس والمواساة إلى شارع الثورة، وباب الجابية، وأسفل المحلق الجنوبي، منبتهم الجغرافي من الأرياف والمحافظات الشرقية، كالحسكة ودير الزور والرقة، أو الجنوبية مثل السويداء ودرعا، ونادراً ما يدخل ضمن تركيبتهم عمال من سكان دمشق؛ حيث يعتبرون عمّال عتالة غير نظاميين، ولا يُعترف بهم نقابياً أو صحياً. وفيما يلاحَقون اجتماعياً بنظرات الخوف والازدراء، تجاهد الشرطة في إمساكهم ومعاقبتهم، ولدى مراجعة الجهات المسؤولة في شرطة محافظة دمشق، يتبين أن هؤلاء العمال هم مصدر خدمة لباقي المواطنين، وذلك عند وجودهم في مكان لا يلحق الضرر بأصحاب المحلات الواقفين أمامها، ولا يبدون تصرفات تسيء إلى الآداب العامة، أو تخدش الحياء العام، أو حتى تخالف القانون، لكن وقوفهم بشكل جماعي يلفت الانتباه، ويشكّل مظهراً غير حضاري.
الموجودين في الشوارع يختلفون عن عمّال الحمل والعتالة المنتسبين إلى النقابة، كما يقول الحسن، مضيفاً: "أغلب هؤلاء يعملون في البناء، وبالتالي عليهم أن يسجلوا في نقابة العمران، لكن معظمهم يرفض ذلك، كونه يريد أجراً صافياً، وعندما تحدث مشكلة ما تعلو الشكاوى وصيحات عدم العدل. فإذا لم يسجل العامل نفسه، لايستطيع أحد إجباره على ذلك، ما يعد عمالة غير منظمة". أما بالنسبة إلى المسجلين في نقابة العتالة، فأقرَّت لهم العديد من الحقوق حسب قانون العمل؛ حيث كلفت وزارة الشؤون الاجتماعية ومديرياتها في المحافظات حل الخلافات، وتأمين إصابة العمل والوفاة، بالتعاون مع نقابة الحمل والعتالة، التي تساعد المحتاج منهم. فإذا حدث أي خلاف يعلمنا الطرفان
أمانة السر
محمد الأخرس، أمين سر اللجنة النقابية للعتالين الموجودين في سوق الهال، التابع إلى مؤسسة الخزن والتسويق، يعمل في هذه المهنة منذ 25 سنة، وعليه يعتبر حقوق العتالة مهضومة، وإيجاره قليل مقارنة بطبيعة عمله؛ فالمساعدات تقدم من اللجنة النقابية عند تعرض بعض العمال للإصابة، أما بالنسبة إلى العمال الموجودين حول سور السوق، فيحضرون عند الحاجة إليهم فقط، وتعطى أجرتهم يومياً دون تعويض صحي، لكن مشكلة العقود، حيث هناك عمال لايجدون عقودهم، ما يجعلهم ضمن نطاق التأمين الصحي، لعام واحد فقط، فيما يفقدون عملهم وتأمينهم في العام الآخر، إضافةً إلى أوضاعهم الصحية السيئة، ولهذا يردف الأخرس قائلاً: "أجريت عملية ديسك، ولدي تسعة أولاد، كلهم عملوا في العتالة منذ بدايتهم، ثم سعيت لهم بوظائف أخرى، حتى لم يبق إلا أصغرهم
أطفال عتالون
أعداد كبيرة من الأطفال يعملون في العتالة في سوق الهال، سواء بشكل بشكل نظامي أم غيره، حيث يقول، عيد خالد المصري، 15 سنة: "تزوج أبي من امرأة أخرى، وتخلى عنا وعن مصروفنا، ما اضطرني إلى ترك المدرسة، والعمل في العتالة، لتحمّل نفقات دراسة إخوتي، لكن الأجر اليومي قليل، إذ لا يتجاوز 150 ل.س، والآن يؤلمني جسدي، وأخاف أن أكون الفرد الثالث في أسرتي الذي يعاني من مشكلات آلام الظهر، بعد زوج خالتي، وخالي الذي فقد قدرته مؤخراً على المشي".
أما إبراهيم حسين، 13 سنة، فيعبر عن خوفه من مستقبل عمله، بعد ما شهد إصابة صديقه عندما علقت رجله في المصعد، وأصيب بعاهة دائمة أثناء قيامه بتنزيل براد تفاح، دون حصوله على تعويض.
مؤسسة التأمين
لا تقل المخاطر التي يتعرض إليها العتالون، سواء كان خلال عملهم في الأزمة الحالية، أم دونها، أهمية عن ضرورة تثبيت وتأمين تسجيلهم في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، التي ترى على لسان مديرها العام، الدكتور خلف العبدالله، أن مطالب العتالين بتسجيلهم في التأمينات الاجتماعية حق مشروع لهم، ولكن بشرط الاتفاق بين الجهات المنصوص عليها ضمن قانون العمل؛ أي اتحاد العمال، ونقابة العتالين، والجهة التي سيعمل فيها العتالون. وأضاف العبدالله: "نحن موافقون على تسجيل العتالين ضمن التأمين الصحي".
عمال العتالة في اتحاد عمال دمشق المسجلون ضمن إصابات العمل، ليس لهم تأمين كامل، لذا "من الأفضل أن يكون هناك تأمين كامل لهم"، حسب قول العبدالله.
لكن، وفي المقابل، يشير رئيس نقابة عمال دمشق للعتالة، إلى أن ما يناسب العتالين أكثر هو تخفيض رسوم الاشتراكات المفروض دفعها للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وهذا الأمر حسب قول مفعلاني موجود ضمن الشروط الداخلية للمؤسسة، حيث بإمكانها حسب المادتين 22، و23 تخفيض رسوم الاشتراكات من المتعهد من 25 إلى 75%.
وحول أهمية هذا الإجراء، قال مفعلاني: "ندفع شهرياً إلى مؤسسة التأمينات 600 ألف ل.س، وفي تخفيضها حسب النظام الداخلي إلى النصف على سبيل المثال، من الممكن جمع مبلغ 3 ملايين و600 ألف سنوياً، يمكن وضعه ضمن صندوق خاص بالنقابة، يستفيد منه العتالون، في حال العجز، والشيخوخة
ثورة أون لاين- موسى الشماس