ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم: لم يكن باستطاعة أحد تجاهل الفارق الشاسع بين الخطاب الذي قدمته حركة عدم الانحياز، والخطاب الغربي في محاكاتهما للأزمة في سورية،
وحتى المفردات-رغم حالة النكوص من قبل البعض- بدت مختلفة ومغايرة، وأحياناً متناقضة بالمطلق.
هذا الفارق وإن كانت مبرراته وتفسيراته متعددة الأوجه، فإنه يعكس على الأقل المؤشر السياسي للقراءات التي أسست لها قمة طهران، حيث أعادت حضور لغة تحاكي مفهوم الشعوب أكثر مما تسترضي رغبات الحكام.
وهذا الفارق – أيضاً – يؤكد أن المتغير في المشهد الدولي لم يعد مجرد تحليل أو استنتاج، بقدر ما هو واقع تتلاقى معه مختلف المعطيات الدامغة، التي ترسم عناوين جديدة استطاعت من خلالها أن تستعيد هذه الدول جزءاً من كلمتها وبعض مفردات لغتها الخاصة بها، بعد أن صادرتها قوى الهيمنة لسنوات طويلة ووفق تجارب مريرة.
لكن رغم الفارق، فإن الأصوات التي اعتادت على ترداد ببغائي لأمر العمليات لم تتغير، وروح المساكنة أو التعايش التي أظهرتها داخل القمة أو في الأروقة الجانبية لا تعكس على الإطلاق تبدلاً في مزاجها أو حساباتها، إنما فقط، كانت مهادنة مؤقتة تخفي خلفها انتظاراً مشوباً بالقلق الواضح من تداعيات الفشل وانفضاح دور المرتزقةأفراداً ودولاً.
ما غيبته تلك الأصوات في قمة طهران، حاولت تعويضه بما استأجره الغرب من أصوات وأدوات في مجلس الأمن، حين كانت تعاكس إلى حد الإلغاء ما تلاقت حوله في طهران، وحتى أنها راهنت على تفخيخ القمة عبر ذاك الصراخ الجانبي و الضجيج المفتعل.
اللافت أن الخطاب الغربي المنكفئ على ذاته يصر على تعويض نقص كفاءته ومقدرته بتلك الحركات البهلوانية، وكأن المتغيرات الكبرى على المشهد الدولي، لم تلامس مفرداته ولا مصطلحاته.
لذلك، كانت المواجهة مفتوحة.. ولا يزال السباق على أشده وفي أكثر اللحظات أهمية وحساسية حين انتقلت المعركة من مرحلة الاستلاب في المقاربة إلى لحظة تظهير جديدة لعناصر الأزمة في سورية، وهو ما سيسجل لاحقاً لقمة طهران، حين نقلت المعركة بشكلها الكلي إلى الخنادق الأساسية، بعدما كانت المحاولات الغربية وطوال الأشهر الماضية منصبة على إبقاء معاركها في جبهات ملتبسة.
وحين تنتقل المعركة إلى الجبهات الأمامية من الطبيعي أن نصادف مهزلة مرسي.. وفضيحة الوزير المغربي والخروج الفرنسي الفظّ.. والسكوت القطري والسعودي المريب، وأن يبقى التركي يلوك استجداءه المخزي!!.
ولم تعد مهازل السياسة حصراً على صبيانها العرب وبعض مراهقيها، فها هم الفرنسيون يسابقون البريطانيين والأميركيين في منافستهم وأحياناً يتفوقون عليهم في غير موقع.
فقد اعتدنا أن نرى فصولها، وقد أتقنها بعض العرب إلى حد الاحتراف، واعتدنا أيضاً أن تكون أحد الطقوس التي تعطيهم العلامة الفارقة في أي مداولات.
لكن في الحال الغربي، يبدو الأمر مختلفاً، وإن كنا ندرك أن النفاق السياسي ورياء الشعارات يشكل جوهر السياسة الغربية وقد اختبرناها على مدى قرن من الزمن، بعد أن حطت رحال أطماعها في المنطقة وكانت زادها لاستنزاف طاقاتها السياسية، في محاولة لاختصار وجودها على منابر الأمم ومجالس الدول.
محاولة الاختصار الغربي للحضور العربي كان يقتضي أو يفترض في حده الأدنى أن ينأى بنفسه عن تقليد صبيان السياسة وأن يرفض الانزلاق إلى القاع الذي كان يعيب فيه على العرب، وأن تحول عراقته في السياسة والدبلوماسية دون الارتطام بالقاع ذاته في خروج عن كل الأعراف والتقاليد المعتادة.
لا ننكر أننا حاولنا مراراً أن نكون خارج المحاججة في قضايا محسومة، ولكن ما تطالعنا به الدبلوماسيات الغربية، يدفع إلى إعادة التذكير حتى بأبجديات الدور والميثاق والغاية، وأحياناً ببنود وصلاحيات المجالس والمنظمات، ونستطيع أن نحصي كم مرة اضطرت الدبلوماسية الروسية إلى التذكير باختصاصات مجلس الأمن.. وكم مرة قالت: إن ما يطالب به الغرب هو خارج تلك الصلاحيات..
والواضح أننا سنضطر كما غيرنا إلى تذكيرهم طويلاً بما قالوه.. وما اقترفوه.. وما جاهروا به وما صنعوه.. وهو يوم ليس ببعيد؟!!
a.ka667@yahoo.com