ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
لم يكن من السهل أن تفرد أوراق العمل الحكومي في ظرف لا يغيب فيه عن بال أحد مدى دقته وصعوبته، وأحياناً كثيرة مدى حراجته، خصوصاً حين يكون مترافقاً بطموحات تبدو مشروعة من حيث المبدأ، وتمتلك منسوباً مرتفعاً من صلاحية الطرح، وإن كانت في الوقت ذاته تعيد استحضار الظروف والمعطيات بكثير من الدقة.
في الجلسة الحوارية التي شهدتها صحيفة الثورة مع السيد رئيس مجلس الوزراء المهندس عماد خميس كان هناك ما يشبه الإجماع على أن الأوراق المفرودة كافية منطقياً للإحاطة بشمولية الوضع، وما يترتب عليه من مقتضيات ومعطيات، يعرف الكادر الإعلامي الكثير من تفاصيلها، ويلمّ على الأقل بمختلف عناوينها، بل لديه ما يضيفه إلى التفاصيل التي كانت حصيلة لجلسة نوعية نترك للقادم الحكم على مخرجاتها.
لكن من المفيد التطرق إلى الكثير من الجوانب التي كانت تصلح عناوين لتوجهات عمل الحكومة، وجردة حساب ذاتية قدمها رئيس الحكومة علانية، وبعضها كان مدعاة للتفكير الذاتي والموضوعي بصوت عال، تخطى في بعض جوانبه حدود المتوقع، وتجاوز في كثير من تفاصيله المعطى الآني، ليصب في المنحى الاستراتيجي، وإن كانت في معظمها تصلح لتكون خطوطاً وتوجهات عامة تتجاوز الآني على أهميته، وتبحث في الرؤى الاستراتيجية التي تحكم العمل الحكومي في هذه المرحلة وما يليها.
لا نختلف بالتأكيد على حجم التحديات كماً ونوعاً في مسار ما يتطلبه الوضع المعيشي للمواطن، خصوصاً في سياق ما راكمته الحرب المفروضة على سورية، والتي أضافت أعباء وصعوبات ناتجة في كثير من مفازاتها عن الحرب ذاتها ومخلفاتها، مضافاً إليها ما يطرأ من مفاجآت قد تكون غير محسوبة، ومن تطورات غير منظورة في المسار بحكم طبيعة الحرب، ونوعية المشروع التدميري التكفيري المعد والتخطيط الإرهابي المتواتر وفق مسارات تعبر عن نفسها بصيغة ما يجري.
بين حدي المواجهة والتحديات كانت عملية الشرح تقتضي في أحيان كثيرة البحث المضني عن مفردات تعبّر عن مسار التوجه وما يرمي إليه، وتقدم قرائن قدرتها على الإحاطة بجوانب متداخلة من جهة، ومتقاطعة من جهة أخرى، ومتنافرة في ثالثة، حيث إن اللوحة الخارجة من الجلسة تعطيك ما كنت تحتاجه على تنوعه، وتشبع ببعض جوانبها التعطش إلى المعلومة التي كانت أحد أوجه الضائقة الإعلامية في التعاطي مع القضايا الجوهرية المباشرة.
في التفاصيل المنشورة في صفحات هذا العدد حول الجلسة ومجرياتها، كان حجم المعلومات يفيض في كثير من الأحيان عن المسار الذي افترضه سؤال هنا، أو استيضاح هناك، وأساسه أن التوصيف البسيط والهادئ للمشهد ومعطياته، رغم العوامل الضاغطة التي تحكمه، أو تفرض عليه مقاساتها وقوالبها، استطاع أن يقدم صورة واضحة تصلح لتكون مرحلة نوعية لعمل إعلامي يأخذ بثوابت الدور الإعلامي ويرفع من منسوب العلاقة الترابطية القائمة، والجوهر فيها أن القواسم الجاذبة أكثر بكثير من نقاط التنافر، وأن الدور المهم والنوعي للإعلام كما قدمه السيد رئيس مجلس الوزراء يقتضي الإضاءة على جوانب تشكل هاجساً مشتركاً ومتفقاً عليه للحكومة والمواطن، وربما تشكل واحدة من الركائز المؤتمن عليها الإعلام في هذه المرحلة بالتحديد.
هذا لا يعني أن الأمور جميعها بمقاس واحد، وأن المسطرة تصلح لتكون عامة وشاملة على كل ما تم تقديمه، بل ثمة فروق واضحة لمسناها جميعا ولمسها أيضاً السيد رئيس الحكومة، وهي تحتاج إلى تأطير، وربما تنظيم، كي تجد طريقها إلى التنفيذ والتجربة على ضوء ما قدمته الإجابات والشروحات المسهبة والإيضاحات المكثفة التي شهدتها قاعة الجلسة.
التفاؤل لم يغب عنا أمس طوال ثلاث ساعات وأكثر من الوقت في النقاش بأسئلة ومداخلات، حاولت أن تحيط بأوسع كمٍّ من التساؤلات التي تشغل بالنا جميعاً، رغم متاعب يومية وأحياناً لحظية نواجهها، والثقة كانت حاضرة، رغم نقاط تتفاوت فيها القوة الفعلية المدعمة بأرقام ومعطيات وقرائن، والأهم مشروعية العلاقة التي تنظم حالة التكامل والانسجام، وإن كنا نظل متمسكين بأن الاختلاف في بعض المقاربات فيه ما يكفي من المشروعية لتفضيله على الاتفاق، خصوصاً في ظل عمل ندرك جميعاً حجمه واتساع مساحة طيفه المتداخل، وفي ظروف عمل بالغة الاستثنائية، التي لا يضيرها حضور البدائل، ولا يقلل من شأنها تفاعل الأفكار وتباين وجهات النظر.
بالعموم كانت جلسة تقتضي النظر إلى ما سيبنى عليها، ليس في الوعود التي بدت شحيحة على نوعيتها وضرورتها، بل في قواعد عمل، نكاد نجزم بأننا نتفق على ضرورة تغيير معادلها الموضوعي والذاتي في آن معا، وتعديل قواعد القبول فيها وشروط التفاعل ضمنها، حيث تصح المقولات المعتمدة في جزء منها، لكن بالتأكيد تحتاج إلى مقاربة تعيد تركيب التفاصيل الكثيرة، لتكون منسجمة مع العناوين كتعبير عن حالة التفاؤل، وإن كانت مبررات التساؤل لما تنتهِ بعد.
a.ka667@yahoo.com