ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير علـي قـاسـم:
يستفيض الأميركي في حديثه عن قرب نهاية تنظيم داعش، بل يسهب الكثير من مسؤوليه العسكريين والاستراتيجيين في شرح المآلات النهائية القادمة، ويذهب قسم منهم إلى حد الترويج المسبق عن التنظيم أو التنظيمات المؤهلة لتكون الوريث الشرعي له،
مع ما يفرضه من صياغات إضافية على السياسة الأميركية لتكون الحاضن المعتمد، وما يقتضيه من تباينات حادة في عملية البحث عن الوكيل الإقليمي للتنظيم القادم، بحكم التجاذبات التي سيخلفها اندثار داعش والفراغ الإرهابي الذي يبحث عن أدوار إقليمية ودولية راعية وقادرة على سد ذلك الفراغ.
المفارقة أن الحديث الأميركي لا يُخفي نياته المسبقة من الطرح وإن كانت ملتبسة أو حمالة أوجه، حيث الترتيبات والاتصالات قطعت شوطاً بعيداً يفسر إلى حد بعيد التلكؤ الأميركي في التعاطي مع الجهد الدولي المطلوب للفصل بين ما سمته الإرهاب المعتدل والآخر المتطرف، حيث ما كان غير مفهوم أو غير واضح بات مع الإسهاب الأميركي شديد الوضوح، وهو ما يضيف إلى خانة التحليلات السابقة حول الدور الأميركي في نشأة داعش والاستثمار بالإرهاب عمومــاً،المزيد من الشواهد.
على الضفة المقابلة كانت التطورات الميدانية تفرض إيقاعها السياسي بطريقتها التي تريد من خلالها خط رسائلها من دون الحاجة إلى شروحات أو تفسيرات موازية لها، وتتعمد أحياناً أن تبرز جوانبها الصادمة في بعض تجلياتها كتعبير أولي عن الحسم في الكثير من المسائل العالقة، فترسم إلى حد بعيد التصورات المحتملة عن نهايات بدأت تتجلى عملياً على أكثر من صعيد، رغم أنه من المبكر الذهاب بعيداً في التقاط التداعيات التي ستكون أكبر من مساحة أي افتراض، وهو ما يعكس الحالة الانقلابية القائمة في الكثير من المواقف، ويترجم جزءاً من المقاربات المختلفة التي يتعمد بعض الساسة في الغرب أن يظهروها بشكل تلقائي ومن دون مقدمات تمهيدية!!
فالمسألة ليست في إنجاز عسكري على أهميته، ولا هي في دحر الإرهاب من مساحات واسعة على ضرورته، وإنما في المحاولات المحمومة أميركياً لتبييض صفحة الإرهاب والبحث عن بدائل تصلح للتسويق، خصوصاً مع تزايد الحديث عن أن النصرة ستكون الحامل الاساسي للإرهاب في المرحلة القادمة، وأن الدعم المباشر وغير المباشر الذي كانت تتلقاه كان يتم بانتظار هذه اللحظة أو تحضيراً لها، حيث العلاقات القائمة بين بعض الدول الإقليمية والنصرة لم يكن خارج المباركة الأميركية، ولا بعيداً عن الاستراتيجية المعتمدة أميركيا في سياق البحث عن الخيارات المتاحة للاستثمار في الإرهاب حتى إشعار آخر.
وهو ما نتفق فيه مع وزير الخارجية الروسي السيد سيرغي لافروف بأن جهات عديدة تحمي جبهة النصرة، وأن أميركا تشجعها، صحيح ربما كانت لا تفصح علانية عن ذلك،أو يتم بصمت في بعض الأحيان أو هكذا اقتضت اللغة الدبلوماسية، لكنه في ظل غياب أي مؤشر على نية أميركا بمواجهتها أو القبول بمعاملتها كما تقتضي أصول التعاطي مع التنظيمات الإرهابية، يترك الباب مفتوحاً على الكثير من التساؤلات الصعبة وأحياناً المحرجة، التي تطال بالقرينة والدليل المقاربة الأميركية في التعاطي مع التنظيمات الإرهابية.
مضمون الحديث الروسي على ما فيه من معادلات جديدة في السياسة، قد يتوازى مع التوقيت من حيث الأهمية، لكن الاثنين معا يحتاجان إلى الكشف عن تلك الجهات التي تحمي النصرة، والدول التي ترعاها، وإن كان يعكس واقع الحال في العلاقات الدولية التي انشطرت بحكم الضرورة إلى قسمين منفصلين لا يتلاقيان في شيء، إلا في سياق تأكيد أن الأحادية القطبية لم تعد هي ذاتها وقبضتها على المشهد الدولي إلى تلاشٍ وربما انهيار، وأن التفرد الأميركي بالقرار الدولي وحالة الهيمنة والاستلاب باتت من الماضي على الأقل فيما يخص شعاراته الفارغة حول مكافحة الإرهاب.
في رحلة البحث الغربي عن ورثة داعش لن تعييها الحيلة، فالوكلاء حاضرون ويقدمون خدماتهم علناً، والأدوات جاهزة وتحت الطلب أو ربما بما يفوق الطلب، فيما الظواهر التي بررت بعض المقاربات الخارجة عن سياقها المعتاد لا تعني أن التحول في بعض جزئيات الموقف الغربي حقيقي أو واقعي ، بل يستهدف تبرئة سجلها من دعم التنظيمات الإرهابية التي أفلت، ويعكس مخاض مرحلة انتقالية لإعادة الاصطفاف الإرهابي على وقع الحراك الأميركي، لأنه في نهاية المطاف لا يمكن للغرب أن يغتسل إلا بما تسمح به أميركا، حتى لو اغتسلت هي، في وقت لن تتردد بدعم وتبني ما تؤشر إليه واشنطن، حتى لو انزلق بعضها في كلام كان أكبر من سقفه السياسي أو حاول أن يتورم ويستطيل بما لا طاقة له..!!.
a.ka667@yahoo.com