ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
ترسم تداعيات الحشد العسكري والسياسي التركي خطاً متعرجاً، يصعب فهم إحداثياته من دون الأخذ بالحالة التركية في سنواتها الأخيرة، التي أبرزت تقلباً لافتاً في المواقف السياسية للنظام التركي،
وأرخت بظلالها على كامل التفاصيل التي أتخمت المشهد السياسي بكثير من أسئلة الشك وأحاطته بوابل من قرائن الريبة، تعكسها حتى الآن التبدلات اللحظية في مقاربة النظام التركي، التي تورمت فيه المعادلات الخاطئة والحسابات المفلسة، وواجه تناقضاً حاداً بين الخطاب الرسمي الدعائي، والممارسة على أرض الواقع بشقيه التنفيذي المباشر والافتراضي غير المباشر.
فلم يكد يعلن رئيس النظام التركي عمّا سماه الخطوات العملية لتطبيق خفض التوتر، حتى برزت إلى العلن تفاهماته مع النصرة كجزء من السلوك التركي المتوقع، لتكون النصرة بحلتها جزءاً من المنظومة التركية للتنظيمات الإرهابية، حيث لا تكتفي حينها بتحييد النصرة، بل تدفعها لتكون الشريك للتركي في متاهة «تخفيض التوتر».. وصولاً لتصبح ممثلاً للإرهاب والإرهابيين، رغم اليقين بأن الصدام قابل للتصعيد بطريقة أكثر وضوحاً في الأيام القادمة، حيث سحب حملة الاتهامات المتبادلة من التداول سيبقى مؤقتاً.
المفارقة ليست في صياغة فرضية بأن ما يجري هو اجترار في أسطوانة مشروخة، حيث الدعم الإرهابي من جبهة النصرة إلى جيش الإسلام.. وصولاً إلى مرتزقة ما سماه توابع الجيش الحر البائد تعيد المواجهة إلى المربع الأول، وتضع التركي أمام المساءلة السياسية من الضامنين أنفسهم، والتساؤل عن جدوى المشاركة التركية في تطبيق تخفيض التوتر، إذا كانت تستبدل الإرهاب بإرهاب آخر وأحياناً من الفصيل ذاته، حيث تتدحرج قضية الإرهاب المعتدل والآخر المتطرف إلى نهاية الحلبة، لتكشف ما يتخفى وراء أكمة الموافقة التركية على أن تكون طرفاً في الضمانات، وشريكاً مفوضاً في قيادة الإرهاب.!!
الأدهى من ذلك أن يكون التعويل على التركي فصلاً إضافياً في لعبة تتورم في المزاج الإقليمي على شكل ما أنتجته المساهمة الأميركية في مواجهة داعش، حيث آستنة التي يعتقد أردوغان أنها تفتح الباب أمام مقعد على الطاولة السياسية، هي ذاتها التي تجرده من أوراق التسويف واللعب على حبال تعويم النصرة.
بين مطرقة الهروب التركي إلى الأمام وسندان الإذعان لاستحقاقات المرحلة وما تستدعيه يقف المشهد في إدلب على حافة الاختبار الأصعب الذي يتمترس عبره التركي في عنق زجاجة المواجهة، حيث النصرة ومستنسخاتها تجيز له المراوحة في الحيز الضيق والخانق، ليكون الوقوف في المنتصف الخيار الوحيد، رغم أنه خيار انتحاري، حين يصبح التركي الخصم والحكم والشاهد و«الضامن» على ما يجري من لهاث عبثي خلف أسطر آستنة المتخمة بأحجيات القراءة السياسية، والفارق أن التركي الذي يستبدل الكتف لبندقيته، يستعير في الوقت ذاته الخندق والجبهة والساتر وأحياناً الهدف ليصطاد في ماء التوافقات التي أنجزها مع النصرة ذاتها.
فبعد سيل الاتهامات التي أخرجت من الجيب التركي ما طفح به كيل التنظيمات الإرهابية المحسوبة على السلطان في زمان الوهم، يعود إلى الاجترار في المربع ذاته ليصوب على «تخفيض التوتر» الذي يريده بين الإرهابي المتمرد على أوامر السلطان والإرهابي المدجن مسبقاً على الطاعة وحسن التنفيذ للأوامر، التي تتبدل من ساعة لأخرى تحسباً لساعة غفلة الصدام المؤجل، الذي كانت أولى تباشيره على خطوط التماس بين النصرة وداعش.
بين تصعيد الساعات التي تلت إعلان أردوغان عن التحضير للبدء بما سماه مهمته في فرض تخفيض التوتر، و تفاهمات الدقائق التي تلت الاشتباكات بين إرهابييه من النصرة ومستنسخاتها كان الوقت كافياً لقراءة التفاصيل التي أراد النظام التركي تغييبها عن المشهد، حيث يريد أن يستبدل إرهاباً منبوذاً بإرهاب لا يقل عنه.. إن لم يكن يتفوق عليه، ويترك خيوط لعبته معلقة على فوهة «بندقية» النصرة بالأصالة عن نفسها وبالوكالة عن أردوغان، وهي القابلة للانتقال من كتف إرهابي إلى آخر، ومن اتجاه إلى نقيضه!!
a.ka667@yahoo.com