ثورة اون لاين: يغيب «العربي» الذي خرج من بطانته، ويعود ليطل علينا بعباءة غيره، فيعيد النفخ في القربة المثقوبة بفصولها السبعة، وأحياناً من دون فصول، وقد اختلط عليه الشتاء بالصيف، كما تطابق الربيع مع الخريف.
يعود.. وفي حقائبه أوراق غيره.. من القطري إلى السعودي.. والممهورة بختم الباب العالي والواطي معاً، وفي عهدته وصايا المندوبين الساميين.. من الأميركي إلى الفرنسي مروراً بالبريطاني، وما يلحق بهم من تابعين ومرتزقة اعتادوا على الخدمة المأجورة في كل الأوقات والأزمان.
يعود ولسانه «العربي» قد بلعه، فيتحدث بالانكليزية والفرنسية والألمانية مطعّمة ببعض التركية بمصطلحاتها العثمانية في نسختها الجديدة، أما مفرداته فقد استلها من المرتزقة والإرهابيين ليقول بلسانهم ما انحرجوا من قوله، وينطق بما عجزوا هم عن النطق به.
على الضفة الأخرى يلاقيه العثماني بطربوش باشا السفاح، وقد استباحه طاغوت الحلم العثماني فيعين الولاة والحكام والمندوبين، دون أن ينسى لائحة التابعين لسلاطينه الذين سبقوه، أو أولئك الذين سيلحقون به من ملوك وأمراء معربة ومستعربة، استولت عليهم أضغاث أحلامهم، ودفعت بهم غير مرة إلى الهلوسة وأحياناً إلى التخيل والتوهم.
قبلهما كان القطري يستبق الاثنين في إضافات تستحضر مفارقات زمن مغاير للتاريخ والمنطق بحديث القوة الخائبة زماناً ومكاناً، حيث يقف العقل عاجزاً عن محاكاة الكثير من التورمات التي تتشابه في تفاصيلها كما في العناوين، وباتت اليوم تطرح الإشكال من بابه العريض..
بينهم.. وربما بالإضافة إليهم، كان الإبراهيمي قد أكمل تلونه المتدرج.. الفاقع منه.. وذاك الأكثر اندماجاً مع دوره في الخدمة الموكلة إليه، بعد أن جاهر في اصطفافه، وبالغ في انحيازه إلى حدود الفضيحة، فأضاع ما اكتنزه العمر كله من دبلوماسية وحنكة، وخانته مقدراته على حساب الفرق بين سورية وسواها وأخطأ في الحسابات كغيره ممن أخطؤوا.
المعضلة الفعلية أنهم في غيابهم، كما في حضورهم.. وعلى رؤوس الأشهاد.. يعلنون ما بطن وما ظهر، وما يعتبرونه سراً او كان سراً بات مفضوحاً وكل الأوراق فوق الطاولة، وما كانوا يتشاطرون في تمريره تحت الطاولة فقدوا معه التباري فيما بينهم وتاهوا في تحديد نقاط الاختلاف، ولا فرق في حساباتهم إلا بالآتي إليهم عبر البريد المختوم وأمر العمليات المستعجل.
ندرك أن أوهامهم تحاكي معظم ما تفاصحوا به وما ذهبوا إليه، لكن نعلم وكما يعلم الجميع اجتماعهم على النسق ذاته مع فارق الهامش، يعني بالعربي الفصيح أن هناك من حدد لهم المفردة والتوقيت، وأن هناك أمر عمليات مستجداً اقتضى هذا التقاطع وذلك التلاقي على المنوال ذاته، فهذا ليس لسانهم وتلك ليست لغتهم، تحضر فيها العثمنة الجديدة، ولكنه المندوب السامي!!.
ما فاتهم جميعاً أن أوامر عملياتهم السابقة كنستها التطورات.. واللاحقة ستلاقي المصير ذاته، وهي تسبقهم لتحجز لهم مكاناً هناك حيث ألقيت ورميت، وما عليهم إلا انتظار اللحظة التي لن تطول كي يذهبوا حيث ذهبت، أما ضجيجهم وصراخهم وفصولهم وألوانهم المتبدلة فستؤذيهم وحدهم، وسترتد عليهم كما ارتد غيرها من قبل.
فالسوريون قرروا.. وقرارهم.. باشروا بتنفيذه.. والسوريون صمموا.. وتصميمهم يترجمونه على الأرض.. في السياسة..في الإعلام.. في حراك يعبر عن قرارهم المستقل وإرادتهم، وما تمليه على مختلف الصعد.
بقلم رئيس التحرير علي قاسم