ثورة أون لاين:
تعتمد العملية التدريسية بمجملها على حوامل عدة، الطالب أو المتلقي، الأستاذ أو الملقن، المؤسسة التعليمية، المادة العلمية.
وتعكس المادة العلمية جودة العملية التدريسية، وتشكل النتاج العلمي المتراكم عبر الأجيال، من خبرات وممارسات للعملية التعليمية وتلافٍ للأخطاء السابقة.
وفيما يتعلق بالتعليم العالي في سورية، من المرحلة الجامعة الأولى إلى الدراسات العليا، فإن العملية التعليمية بحاجة إلى وقفة مع قضية المادة العلمية المتمثلة بالكتاب الجامعي. فهو اللبنة الأساس التي يمكن البناء عليها لتأسيس جيل يحمل الأفكار والقيم العلمية لهذه البلاد.
يدرس الطالب الجامعي في مرحلته الأولى وفي كل الاختصاصات التطبيقية أو الأدبية ما بين 50 إلى 60 مادة علمية على شكل كتاب جامعي يؤلف من قبل أصحاب الاختصاص المدرسين كل حسب اختصاصه، ويخضع لعملية تقويم علمي من قبل أصحاب الخبرة الأقدم، ويشترك في تأليف الكتاب في بعض الأحيان أستاذان أو ثلاثة من أصحاب الاختصاص، ويقوَّم من قبل لجنة مختصة. وهذا ما يدل على أن الكتاب الجامعي في سورية يحمل قيمة علمية عالية، لا يمكن التشكيك بها.
ولكن هل يدرك الطالب الجامعي هذه القيمة ؟ لا بد عند الإجابة على هذا السؤال من الاعتراف بأن نسبة عالية جداً من طلاب الجامعات السورية لا تعتمد على الكتاب الجامعي في تحصيل المعلومات، وفي كل الاختصاصات دون استثناء. بل تعتمد على ملخصات، تحت مسمى (محاضرات) منشورة في مراكز خاصة تُباع للطالب بطريقة غير شرعية. تفتقد في مجملها للتدقيق العلمي. عدا عن الأخطاء التي تحتويها.
الاعتماد على (الملخصات)
بتول عدنان الحموي – طالبة سنة ثانية كلية الإعلام تقول: لا يمكننا الاستغناء عن الكتاب ولا عن الملخصات (النوتات) ولا عن أسئلة الدورات نظراً لأهميتها في حصولنا على المعدل الأعلى في الامتحانات لكن اعتمادنا الأكبر يكون على الملخصات، وذلك لأن طريقة إعدادها غالباً طريقة عصرية تقوم بتنسيق المعلومات بشكل أوضح وأسلس يسهل علينا دراستها ونبتعد عن الكتاب قليلاً خلال فترة الامتحان بسبب ضيق الوقت وسرد المعلومات فيه بطريقة مكثفة وتقليدية ومملة بعض الشيء..
وهو أمر أكده سامر مكية – طالب سنة ثانية كلية الإعلام / تعليم خاص/ بالقول: أنا كطالب أفضّل من وجهة نظري الدراسة من الملخصات حيث تكون مختصرة وملمّة بالأشياء المهمة أكثر، وتكون سهلة الحفظ على الطالب وتكون الطباعة بها أفضل من الكتاب لأن الكتاب أصبح متداولاً للمعلومة بشكل تقليدي مقارنة بالمناهج الجامعية الأخرى خارج بلادنا..
مصطفى السلامة – طالب سنة أولى حقوق قال أفضّل الدراسة من الملخصات عوضاً عن الكتاب لأنه أسهل ومختصر ويقدم زبدة الكلام أي ما هو مطلوب أما الكتب الموجودة فيها كم هائل من المعلومات وبعضها يكون محذوف.
الكتاب الجامعي هو المرجع الأساس
أما فراس سبّور – طالب دكتوراة في العلاقات الاقتصادية الدولية فيؤكد على أنه لا غنى عن الكتاب الجامعي كونه المرجع الأساس الذي يتضمن المادة العلمية والمقرر الأكاديمي المعتمد ولا يمكن أن تتم مقارنة الكتاب بأي (ملخص) أو (محاضرة) نظراً لكم المعلومات المجموعة والموثقة داخل الكتاب لذلك لا يوجد لدي قناعة بالاعتماد على النوطة كبديل عن الكتاب أما عن سبب عزوف الطلاب عن اقتناء الكتاب الجامعي وتفضيل الملخص فالسبب برأيي هو الطالب بحد ذاته لأنه هو الذي يقرر ذلك فأغلب الطلاب تنظر إلى (الملخصات) إلى أنها وسيلة سريعة للدراسة بغض النظر عن شمولية المادة العلمية لذا فالطالب هو الذي يتحكم بتضيق أو توسيع آفاقه العملية والمعرفية.. البعض يذهب بالحديث عن مقررات كبيرة وكتب جامعية قديمة وأن الملخص هو بالنتيجة تلخيص لمحاضرات الدكتور أثناء القاعة وبالتالي أسهل لجهة القراءة والحفظ لذلك نقترح بأن يكون هنالك لجنة مهمتها الاطلاع على هذه الملخصات والمحاضرات من حيث جودة المادة العملية المقدمة طبعاً كمكمل للمقرر الجامعي وليس كبديل عنه فهو الركن الأساس في العملية التعليمية الجامعية.. وما عدا ذلك هو اجتهادات شخصية.
في حين يفضل وائل زيد الصفدي وهو طالب دكتوراة علاقات دولية الكتاب الجامعي لأنه يقدم المادة العلمية شريطة أن يواكب التطورات والمتغيرات، وأن مسألة المحاضرات الجاهزة (الملخصات) تحولت كما يقول إلى مسألة تجارية يجري استغلالها من أكثر من مصدر..
أما لؤي أحمد إبراهيم وهو دكتور في العلاقات الدولية فيقول إنه لا بدّ من الاعتراف بأن السوية العلمية ومخرجات العملية التعليمية تدنت وأحد أسباب ذلك هو الاعتماد على (الملخصات) بدلاً من الكتاب العلمي الأكاديمي وخاصة بعد ملاحظتهم أنها تكفي للنجاح، وهنا تقع المسؤولية على الدكتور والطالب معاً لأن الدكتور المدرس عندما يضع الأسئلة الامتحانية أحياناً لا تكون شاملة ولا تغطي كامل المقرر ولا تراعي جميع الفروقات من الأدنى إلى الأعلى. أما السبب الآخر كما يرى د. ابراهيم فيعود به إلى العلاقات التجارية للبعض مع أصحاب المكتبات، إضافة إلى إهمال بعض الطلاب لتحصيلهم العلمي لذلك أقترح بتشكيل لجنة لدراسة الحالات المخالفة والصرامة بمسألة التقيد بالكتاب الجامعي الأكاديمي.
الملخصات تقدم معلومة منقوصة للطالب
رئيس لجنة الدراسات العليا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة دمشق مجد هرمز يرى أن لجنوح الطالب إلى (الملخصات) أو المحاضرات أسباب كثيرة، يمكن تلخيصها في رغبة الطالب أولاً بالبحث عن مادة أقل حجماً من المادة العلمية الواردة في الكتاب الجامعي، اعتقاداً منه أنها تفي بالغرض بالإضافة إلى عدم توفر بعض الكتب الجامعية في مركز بيع الكتب المختص لكل كلية من الجامعات السورية، وبالرغم من كل الإجراءات المتبعة من قبل الجامعات السورية والإداريين القائمين عليها، فإن هذه الظاهرة لم تتوقف ولا يمكن إيقافها بهذه السهولة. وتحتاج لتضافر الجهود من قبل المؤسسات التعليمية والكادر التدريسي من جهة، والطالب الجامعي وإدراكه لمصلحته العلمية، من جهة أخرى.
ويقول هرمز إن خطورة الاعتماد على (الملخصات) التجارية التي تباع في مراكز البيع الخاصة خارج الجامعة تأتي من فكرة مهمة، وهي أن تلك المعلومات الواردة مُختصرة بشكل كبير، ما يؤدي إلى وصول معلومة منقوصة للطالب الجامعي، ويقوم هو باختصارها، وبالتالي نصل إلى معلومة ممسوخة يدلي بها الطالب أثناء الاختبار، ما يؤدي إلى تدني نسبة النجاح وانعكاسها على مخرجات التعليم العالي في سورية. وهنا لا بدّ من التمييز بشكل واضح ما بين خريج جامعي اعتمد على الكتاب العلمي في دراسته، وخريج جامعي اعتمد على الملخص الذي تم بيعه بطريقة غير شرعية.
لجنة خاصة من رئاسة الجامعة
الكتورة فاتنة الشعال عميدة كلية الآداب بجامعة دمشق تحدثت عن إحراءات حازمة بحق المكتبات التي تبيع الملخصات لأنها تقدم مادة علمية مشوهة وغير صحيحة حيث سيتم تشكيل لجنة خاصة من رئاسة الجامعة مكلفة بمراقبة المكتبات مراقبة شاملة ابتداء بالملخصات غير النظامية التي يوضع عليها اسم المدرس الجامعي زوراً وبهتاناً وليس انتهاء بالأسعار والخدمات التي تقدمها للطالب خاصة أن هذه المكتبات وقعت عقداً مع الجامعة لتقديم خدمات معينة وأي اخلال بالعقد يفسخ العقد.
وترى الدكتورة الشعال أن هذه الإجراءات هي لمنع الملخصات وإعادة القيمة للكتاب الجامعي لأنه المرجع العلمي السليم للطالب معتبرة أن الأمر يعتمد على المدرس الذي يشدد أثناء المحاضرة على أن الدراسة والأسئلة الامتحانية هي من الكتاب أو المحاضرات فقط بالإضافة إلى أسلوب المدرس بجذب الطالب وترغيبه بالحضور واستخدام وسائل مساعدة لذلك كعرض الأفلام الوثائقية والنشاطات.
وسردت الدكتورة الشعال بعض الحالات التي حصلت في كلية الآداب كطباعة المضغرات (روشيتات) ومطبوع عليها اسم المكتبة وهي مخالفة صريحة لا يمكن السكوت عنها كما ضربت مثالاً عن أحد المدرسين الذين أعطوا أول محاضرة لطلابهم ليتفاجؤوا بعد نصف ساعة من المحاضرة الأولى بعرض المحاضرة رقم ثمانية باسمه في إحدى المكتبات.
وأضافت الدكتورة الشعال إن المدرسين اتخذوا قراراً في مجلس كلية الآداب بأنهم سيرفعون دعوى قضائية ضد أي مكتبة أو شخص يؤلف (نوتة) أو محاضرة ويضع اسم المدرس عليها وذلك كإجراء رادع ضد من يقوم بهذا العمل الذي يشوه المادة العلمية ويقدم معلومة مغلوطة للطالب.
وأشارت عميدة كلية الآداب بجامعة دمشق إلى أنه في حال عدم توافر الكتاب الجامعي فإن البديل موجود بمحاضرات نظامية موجودة بمركز بيع الكتب المخصص للكلية ومطبوعة بمطابع الجامعة وموجودة على موقع كليات الآداب بشكل مجاني بالإضافة إلى تعويض الطالب للنقص عن طريق الحضور.
بعد هذه الآراء من الطلاب والمعنيين بالعملية التعلمية الجامعية بأكبر تجمع طلابي بجامعة دمشق لا يمكن أبداً المقارنة بين كتاب يعتمد منهجية البحث العلمي الدقيقة، ألفه أهل الاختصاص مع بضع وريقات مكتوبة بطريقة تجارية لا تأخذ مصلحة الطالب العلمية بعين الاعتبار وهذا ما يدعو إلى تساؤل هل سيبقى بعيداً عن قيمته الحقيقية وموجوداً في مراكز البيع بأقبية الكليات؟.