ثورة أون لاين:
شكل مرض السرطان مخاوف كبيرة منذ لحظة اكتشافه وحتى الآن سواء على مستوى الأفراد أم على مستوى السياسات الصحية التي تتصدى له.. وتشير الاحصائيات العالمية إلى أن أعداد الوفيات الناتجة عن مرض السرطان في الدول النامية والدول التي يحدث فيها حروب تتزايد بشكل كبير نتيجة غياب الكشف المبكر والعلاج المكتمل وقلة المراكز العلاجية في المدن والأرياف.
فقد أشارت بعض التقارير والاحصائيات المتناقلة على أن الأمراض السرطانية في سورية احتلت المرتبة الأولى في قائمة الأمراض المميتة ووصلت إلى نسبة تقارب 51% وأن هناك 85 ألف مريض قضوا نحبهم في المستشفيات السورية العامة والخاصة في عام الـ 2015.
السبب الثالث للوفيات
هذه الحقيقة الصادمة تشكل دافعا قويا لتقصي واقع السرطان في سورية في ظل ظروف الأزمة وما وصل إليه حتى الآن؟ حيث كشفت أحدث الدراسات الصحية في سورية التي أجريت مؤخرا على أن السرطان هو السبب الثالث للوفيات بعد الأمراض القلبية والانتانات التنفسية لدى السوريين، وأكثر الوفيات هي الناتجة عن اصابات الرئة والثدي والقولون كما أن توفر أماكن الفحوصات والتشخيص والدواء والكشف المبكر يقدم نسبة شفاء عالية.
الدكتور أحمد ضميرية مدير الأمراض السارية والمزمنة في وزارة الصحة أكد أن الأشخاص الذين بدؤوا علاجا مبكرا حصلوا على نسبة شفاء عالية، ولكن هناك أكثر من 70% من حالات السرطان تكتشف في المرحل المتأخرة وتشخص اصابتهم من الدرجة الثالثة أو الرابعة وبالتالي نسبة البقا ء لديهم قليلة جدا، لأن المرض في هذه المرحلة المتقدمة ينتقل في الجسم من مكان إلى مكان, مشيرا على أننا في سورية وصلنا إلى مراحل متقدمة للكشف المبكر عن سرطان الثدي وعنق الرحم من خلال عيادات الصحة الانجابية المتوفرة في المحافظات والمشافي العامة لوزارة الصحة، وهي تقدم بشكل مجاني بالإضافة إلى مجانية العلاج والمتابعة، بالوقت الذي تهرب فيه شركات التأمين في الدول المتقدمة من مريض السرطان.
واضاف: أن وزارة الصحة تقدم خدماتها لأكثر من 6000 مريض سرطان في السنة من خلال شعب أمراض السرطان الموجودة في مشافي الوزارة السبعة كما تقدم علاجا جراحيا وكيماويا، وتصل خدماتها إلى ثلث الخدمات على مستوى سورية رغم الحصار والعدوان والاستهداف.
الأكثر شيوعاً
وفقا للدراسة التي قدمها السجل الوطني للسرطان في سورية لعام 2016 نجد أن سرطان الثدي هو الأكثر شيوعا بين الأمراض السرطانية لدى النساء وهو يشكل رقم واحد لدى النساء وتصل نسبته إلى 32% من الحالات. بينما يشكل سرطان الرئة نسبة 18% لدى الرجال.
ويرى الدكتور فراس الجرف رئيس دائرة الأمراض السرطانية في وزارة الصحة: أن الملفت للانتباه في نتائج هذه الدراسة هو ارتفاع نسب سرطان القولون والمستقيم لدى الإناث والذكور معا، بينما تقل نسبة سرطان الدرق إلى 8% ويشكل سرطان الدم رقما ثالثا بين السرطانات. لتكون أقل النسب هي لسرطان الفم بنسبة 1%.
وأضاف: أنه لا نستطيع التحدث عن تضاعف بأمراض السرطان، ولا يمكن أن نتحدث عن ارتفاع الاصابات خلال الأزمة لأن اكتشاف الحالات يحتاج لمرور عشر سنوات وأكثر. كما أنه لا يوجد لدينا مسح كامل وفقا للقاعدة السكانية, إذ إن الاحصائيات في سورية تعتمد على السجل الوطني للسرطان الذي تأسس عام الـ 2001 وكان أول تقرير له بخصوص السرطان في عام الـ 2002 وأخر تقرير هو الذي صدر عام 2016 بالاعتماد على قاعدة المشافي، بعد أن طبقت الدراسة على مشفى البيروني والمواساة والأطفال وتشرين الجامعي ومشفى دمشق ومشفى السويداء ومشفى حماة الوطني ومشفى الشرطة.
وأشار إلى وجود عمل تشاركي بين وزارة الصحة ومشافي التعليم العالي لتحديث سجل السرطان وفقا لبرنامج الكتروني جديد معتمد من قبل الوكالة العالمية لأمراض السرطان حيث يعمل البرنامج على اداخل بيانات المرضى بأحدث المعايير العالمية وفقا للقاعدة السكانية بهدف الوصول إلى رقم صحيح حول معدل السرطان في سورية.
120 دواء مجانياً
لم تتوقف الشكاوى حول موضوع نقص الدواء والخدمات المتعلقة بمريض السرطان خلال سنوات الأزمة؟ وهنا يبين الدكتور الجرف رئيس دائرة الأمراض السرطانية أن وزارة الصحة لم تتوقف عن تقديم العلاج الجراحي والكيماوي لمرض السرطان ضمن مشافيها السبعة، ولم تتوقف مشافي التعليم العالي عن تقديم العلاج بأنواعه وبخاصة العلاج الشعاعي في كل من مشفى البيروني وتشرين الجامعي، ورغم الحصار استمرت الحكومة بتأمين 120 صنفا دوائيا سرطانيا يقدم للمواطن بشكل مجاني، علما ان تكلفة بعض الأدوية تصل إلى 4 مليون ليرة سورية, موضحا أن حالات تأمين الدواء هي حاليا بتحسن كبير ، وتتكلف الدولة بالمليارات سنويا لتأمين هذه الأدوية.
الوقاية نصف العلاج
تدور الاتهامات حول أنواع مختلفة من العوامل المسرطنة تتعلق بطبيعة الأغذية وما تحمله من وسائل الغش وكثرة الملوثات البيئية والشعاعية، بالوقت الذي لا نجد فيه تقارير صحية واضحة حول هذه العوامل، باستثناء ما يصدر بين الحين والحين عن منظمة الصحة العالمية والتي كشفت عن وجود مسرطنات مؤكدة مثل التدخين والكحول والتلوث البيئي وبخاصة التلوث الناتج عن الرصاص والمعادن الثقيلة, وفي آخر تقرير لها بهذا الشأن صدر منذ عام واحد يتحدث عن اللحوم المعالجة بالمراحل المتعاقبة بالنتريت والنترات وهي أغذية مسرطنة بشكل مؤكد, ولهذا ينصح أطباء الصحة بالعودة إلى الطبيعة وتناول الخضار والفواكه في مواسمها والابتعاد عن الأغذية الصناعية.
أكبر المراكز المتخصصة
تشير بعض المصادر الإدارية من مشفى البيروني الجامعي بدمشق أن أكثر من 75 % من مرضى السرطان يتوجهون إليه مرة واحدة على الأقل لإجراء الفحوصات التشخيصية الدقيقة والنسبة أكبر يتلقون علاجهم بالكامل, إذ يعد البيروني أكبر مركز تشخيصي شعاعي في سورية يقدم جميع خدماته بشكل مجاني 100% وقد أشار الدكتور ايهاب النقري مدير عام المشفى إلى جملة الخدمات المقدمة لمريض السرطان من تحاليل مخبرية وصور شعاعية وجلسات كيميائية وفيزيائية وصور طبقي محوري ومرنان وإيكو ودواء وعمليات وبدون أي تكلفة مادية علما أن مريض السرطان يكلف الدولة بشكل وسطي أكثر من 30 مليون ليرة سورية.
ولفت أن المشفى يستوعب 550 مريضا يوميا، وكان عدد المراجعين قبل الأزمة يصل إلى 1000 مريض وهو لم يخرج من الخدمة رغم الظروف الأمنية منذ بداية الحرب على سورية وحتى الآن وقد قدم ثمانية شهداء و60 جريحا، ومع ذلك استمر في عمله من خلال القسم التابع له في المزة. ويخدم يوميا ما بين 600 حتى 800 مريض مع أن المكان مخصص لسعة 50 مريضا فقط.
الصعوبات
تدور الاقاويل بين المرضى حول صعوبات تتمثل بنقص كمية العلاجات الكيماوية، وشراء بعض الأدوية لعدم توفرها في المشفى، والفقراء ينتظرون دورهم للحصول على علاجهم؟ بينما يوضح النقري أن استجرار الدواء منذ عام 2014 يتم بشكل منتظم عن طريق شركة فارمكس وهي شركة حكومية، وكان هناك انقطاع لبعض الأنواع بسبب الحصار , ولكن فقط لشهر أو شهرين أي خلال فترة التعاقد على المادة, حينها قد يضطر المريض لشرائه من القطاع الخاص, مشيرا على أن الادوية حاليا متوفرة بنسبة 90% , وهي النسبة التي كانت موجودة فيها قبل الحرب, إلا أن المشكلة تكمن في التزام المريض بمواعيد العلاج والمراجعات التي تحددها له المشفى, فقد ينقطع المريض عن العلاج بسبب ظروف السفر وهذا يؤثر بشكل سلبي على نسبة الشفاء لديه، ويشكل خسارة جديدة للمشفى لأنه يحتاج إلى اعادة تقييم وتصوير وتحليل, وضمن دائرة الصعوبات هذه لابد من الإشارة إلـى حاجة المشفى إلى مكان أكبر ومتسع يمكن من خلاله تحسين الخدمات وتقديمها لعدد أكبر من المرضى.
مؤشرات وحقائق
ويرى مدير مشفى البيروني أن نسب الأمراض السرطانية في سورية بحسب الدراسة الأخيرة، هي نسب واقعية ضمن الحدود العالمية وهي نفسها قبل الأزمة, وأن احصائية المشفى خلال عام الـ 2017 تشير إلى أن عدد المرضى المقبولين الجدد هو 8213 وأن عدد مراجعي العيادات الخارجية هو 79492 ، وعدد مراجعي الإسعاف هو 594 مريضا في حين كان عدد الوفيات في هذا العام هو 66 شخصا بحسب لجنة الوفيات الموجودة في المشفى والتي تعتبر حالة جديدة في المشافي السورية, ولعل الواقع يتحدث عن نفسه فقد وصل عدد عمليات جراحة الأورام في العام نفسه إلى 671 عملية وهناك 3930 حالة تصوير بالمرنان, وهذا يؤكد أن أكثر من 70% من الأورام يعالج في مشفى البيروني وأن 90% يحصلون على استشارات أغلبهم قادم من مشافي أخرى.
ونوه النقري إلى ظهور أدوية بيولوجية للسرطان وهي أفضل من العلاج الكيماوي تعمل على الخلية الهدفية لأنها تصل إلى الهدف المطلوب فقط، وأن تكلفة مرضى السرطان من الأدوية فقط، قد تصل خلال العام الواحد إلى ملياري ليرة سورية, مؤكدا على ضرورة الكشف المبكر الذي يوفر الكثير من المال والعذاب على المريض وعلى الدولة ويحقق نسب شفاء عالية.
إصابة الأطفال محدودة
يستقبل مشفى الأطفال الجامعي بدمشق جميع حالات مرضى الدم والأورام من كافة المحافظات السورية من عمر شهر وحتى عمر 14 سنة باعتباره المشفى الوحيد المخصص للأطفال في سورية، ورغم مشقة الطريق ودروب السفر والألم فهو الملجأ الوحيد لهؤلاء المرضى, فقد أكد الدكتور ماجد خضر معاون مدير مشفى الأطفال ورئيس شعبة أمراض الدم أن المشفى يقدم خدمات التشخيص والتدبير والمتابعة والمعالجة وما بعد المعالجة من خلال شعبة أمراض الدم التي تضم 37 سريرا، وقسم العزل وفيه 7 أسرة بالإضافة إلى القسم الخاص ويستوعب حوالي 30 مريضا, مشيرا على أن مرض السرطان نادرا عند الأطفال مقارنة بالكبار إذ لا تتجاوز النسبة 2% من حالات الإصابة, وأن أكثر المراجعات لأنواع المرض هي ابيضاض الدم اللمفاوي، واللمفومات والأورام الدماغية وهي لا تتجاوز لدينا النسب العالمية, حيث تختلف نسب الشفاء من مريض إلى آخر، وهناك تطور كبير في طرق علاج الأورام التي أصبحت نسبة الشفاء منها تصل إلى 60% في بعض الحالات بعد مضي عدد من سنوات المعالجة.
حديث الأرقام
وبلغة الأرقام يوضح الدكتور خضر: أن عدد الأطفال المراجعين لعيادات المتابعة اسبوعيا يتراوح مابين 160 حتى 200 حالة طفل مشخص له المرض، وتقدم له المتابعة الدورية بمعدل يومين في الأسبوع, ويصل عدد المراجعين في السنة إلى حوالي 7000 مريض يتلقون كافة العلاج مجانا ولا يدفع الأهل أي مبلغ مهما كان بسيطا, ويصل عدد الحالات الجديدة المشخصة سنويا إلى 350 حالة، تقدم لهم الاجراءات المخبرية والشعاعية داخل المشفى بشكل مجاني علما أن أبسط تحليل تصل تكلفته إلى 60 الف ليرة سورية في القطاع الخاص.
وأضاف: أن زيادة عدد المراجعين يعود لظروف الأزمة وليس دليلا على زيادة الإصابات وأن الضغط الكبير سببه خروج بعض المشافي والمراكز في الأرياف والمدن الأخرى عن الخدمة، مما دفع الأهل من كافة المناطق لتحمل عناء السفر لمراجعة مشفى الأطفال، وهذا بطبيعة الحال أدى إلى وجود دور وحالة من الانتظار قد تصل إلى عشرة أيام لكي يحصل المريض على التشخيص.
قصة الدواء والعلاج
تختلف نسب الوفيات لدى الأطفال عنها لدى الكبار وهي تزداد بعد نكس المرض وأغلب الأسباب وأشيعها لا يعود إلى نقص الدواء بل إلى نكس المرض والانتانات التي يراجع بها المريض المشفى بعد تأخره عن موعد المراجعة بسبب صعوبات السفر الطويل والاعتبارات المادية.
وأفادنا معاون المدير أن المشفى لم يتوقف عن محاولات امتصاص الضغط من خلال زيادة عدد الأسرة في القسم الخاص وتحديد غرفة اقامة مؤقتة بالتعاون مع جمعية بسمة تتسع لستة مرضى تطبق فيها الجرعات التي تحتاج إلى عدة أيام. مشيرا إلى وجود جهاز جديد للتنميط المناعي يحدد نوع المرض بدقة عالية. وإلى توفر الدواء وتحسن وجوده بشكل كبير مقارنة بالسنوات الماضية، إذ يتم تأمين جميع الادوية السرطانية للأطفال عن طريق شركة فارمكس وبالتعاون مع جمعية بسمة في حال عدم تأمينه من قبل الشركة.
على دروب النجاة
وعلى دروب العلاج يتابع الدكتور خضر حديثه عن أفضل ما يقدمه المشفى حاليا لمريض السرطان من ادوية استهدافية بعيدا عن الأدوية الكيماوية والتي تستهدف فقط الخلايا الورمية. مشيرا إلى العلاج عن طريق زرع النقي الغيري، الذي بدأ مشفى الأطفال بتطبيق منذ عامين حيث اجريت سبع عمليات زرع نقي ذاتي بنجاح بشكل مجاني على الرغم من أن تكلفتها تصل أكثر من 50 مليون ليرة سورية في المشافي الخاصة.
كما أشار إلى وجود خطوات متقدمة في مجال زرع النقي الغيري, وإلى توسع جديد للمشفى مقدرا بستة طوابق، سوف يخصص منها طابقين لمرض السرطان مما يساعد على زيادة عدد الأسرة والقبول.