الثورة – تحقيق هلال عون:
في الطريق من مبنى صحيفة الثورة إلى منطقة السومرية مسافة لاتقل عن عشرة كيلومترات، تقطعها السيارة خلال عشرة دقائق.
خلال هذه الدقائق العشر تنتابك مشاعر متناقضة وأنت تتجه لإجراء تحقيق صحفي حول سور تبنيه وازرة الدفاع للفصل بين مساكن المدنيين بحي “الشهداء” والمساكن العسكرية المحاذية.
سبب تناقض المشاعر هو التعاطف مع القاطنين المدنيين المتضررين من السور من جهة، وتفهُّم وجهة نظر وزارة الدفاع التي تبني السور، إذ إن الفصل بين أي منطقة عسكرية- حتى لو كانت مساكن- وبين المدنيين أمر معمول به في كلّ دول العالم وله مبرراته الأمنية.
لكن أحياناً يبدو أن العمل بروح القانون لا بنصّه أمر جيد، بخاصة إذا راعى جوانب إنسانية، كالفقر المادي المدقع لقاطني المخالفات، وحقق الهدف الأمني المنشود.
وصلنا خلال عشر دقائق، ودخلنا الحي للاطلاع على واقع السور. وكان التحقيق المصغّر التالي:
في مكتب المختار
في المدخل الغربي لمنطقة السومرية، حيث كراج السومرية تقف دورية تابعة لوزارة الداخلية.
ألقينا التحية على عناصر الدورية ودخلنا من دون أن يسألنا أحد عن وجهتنا.
في مدخل الحي الغربي الشمالي ركنّا السيارة غرب السومرية على الطريق الذي يصل إلى أتوستراد بيروت لأن حفريات السور حالت دون دخول السيارة، وتابعنا سيراً على الأقدام حوالي ثلاثمائة متر إلى مكتب مختار حي السومرية برفقة ودلالة أحد سكان الحي.
طلبنا من مختار الحي دعوة عدد من الجيران للاطلاع على آرائهم ولفهم طبيعة شكواهم، والضرر الذي سيصيبهم نتيجة بناء السور، ولمعرفة اقتراحاتهم، لنقدّمها بدورنا – عبر صحيفة الثورة – لوزارة الدفاع للاطلاع ولاتخاذ ما تراه مناسباً حيالها.
الحي مُطوّق
مواطن في الثلاثين من عمره، ( طلب عدم ذكر اسمه) قال لنا: إحدى المشكلات أن مخطط السور سيقسم المساكن المدنية إلى أربعة أقسام، قسمان بقيا ضمن السور، أي مع المساكن العسكرية.
أما القسمان الآخران: فسيتم فصلهما عن السور بحسب مخطط السور وحفريات جُوَر الأعمدة على أرض الواقع، ومجموع المساكن في هذين القسمين حوالى 130 مسكناً.
قاطعه مواطن آخر، أيضاً ( طلب عدم ذكر اسمه) بالقول: المشكلة الكبرى أن السور الجديد سيقطع 95 % من الطرق المؤدية إلى المساكن المدنية.
وسيصبح الحي الشمالي الغربي مطوّقاً من كلّ الجهات بالسور، ولا يمكن لأي سيارة الدخول إلية لأن السور لا يبعد في بعض الأماكن عن المنازل أكثر من مترين، ويقاطعه شخص ثالث، بل في بعض الأماكن يبتعد السور مترا واحدا فقط.
ولأننا، كصحفيين، لا نأخذ بكلّ ما نسمع فقد عاينا حفريات السور التي لم تنته بعد، وبالعين يظهر أن الحفريات لا تبتعد، في بعض الأماكن، أكثر من مترين عن منازل المدنيين أو عن محلاتهم التجارية.
حالات إسعافية
المختار، تحدّث عن الحالات التي تحتاج إلى إدخال سيارات إلى الحي الشمالي الغربي الذي سيطوّقه السور، كسيارات الإسعاف أو الحريق أو النظافة أو طوارئ الكهرباء.
أحد الحاضرين قاطعه قائلاً: اليوم تمّ إسعاف ( أبو يحيى) إلى المشفى، وحملَه أهله على ظهورهم بسبب عدم إمكانية دخول السيارات.
وتابع: يوم الاثنين الماضي دخل عناصر تابعون للمسؤول الأمني إلى منزل رئيس لجنة الحي المدعو كرم خزام ، وأخذوا أجهزة الجوال من جميع أفراد عائلته بدعوى أنه قام بتصوير أعمال حفريات السور، وتمّت إعادتها يوم الثلاثاء.
وعن مسار السور تحدّث شخص في الأربعين من عمره من الحاضرين فقال: هناك طريق إجباري وحيد، يمتد من الكراج حصراً باتجاه الشمال، ثم يتجه شرقاً، لتبدأ حفريات السور بمحاذاته، وصولاً إلى باب كتيبة الخدمات، ليعود ويتجه جنوباً بزقاق ضيق يقل عرضه عن مترين في بعض الأماكن، وهو المدخل الوحيد للحي الغربي، وبهذا الوضع لا يمكن دخول الإسعاف، ولا حتى إخراج المتوفى.
ويوضح المختار: الحارة الغربية تمتد من كراج السومرية غرباً، وتتجه نحو الشمال، ثم نحو الشرق وصولاً إلى سور مركز الأبحاث الصناعية.
ويبدأ السور بهذا الحي من آخر سور الكراج غرباً، ويتجه شمالاً ثم شرقاً، ويتعرج بين المنازل، فيضيق أحيانا ليقارب المتر.
ويتابع أحد المواطنين: بقي عدد من من المنازل من الجهة الشمالية بالقرب من صيدلية المفيد، نحو ثلاثين منزلاً ( مهددون بالإخلاء) لأنهم ضمن السور، أي ضمن المساكن العسكرية.
وفي الحي الشمالي الشرقي، بالقرب من جامع سيدنا عمر يوجد أيضا نحو مئة منزل ضمن السور، وكلها مهددة بالإخلاء.
اقتراحات:
وعن الاقتراحات التي يرغب المواطنون بإيصالها عبر “الثورة” إلى وزارة الدفاع، قال مواطن: نطالب بتعديل مسار السور لتصبح جميع المنازل خارج السور ، وبعيدة عنه مسافة خمسة أمتار للسماح للسيارات بالدخول إلى الحي.
وطالب المختار الجهات المنفذة للمشروع بإصلاح خطوط الماء والكهرباء والهاتف التي أخرجتها الحفريات من الخدمة، امرأة قاطعت المختار قائلة: منذ ثلاثة أيام والمياه مقطوعة بسبب الحفريات.
امرأة أخرى، دخلت إلى مكتب المختار ونحن فيه، وعندما علمت أننا من صحيفة الثورة، قالت: أرجو أن تنشروا مشكلتي: لقد استأجرت منزلاً هنا منذ خمسة أيام ودفعت مبلغاً سلفاً عن ستة أشهر قادمة، والآن أريد أن أجلب عفش بيتي لكنني لا أستطيع، لعدم إمكانية دخول سيارة العفش إلى الحي بسبب الحفريات.
أخيراً: طالب أحد المواطنين بفتح منافذ تمكّن الطلاب من الوصول إلى المدارس، إذ يوجد في الحي أربعة مدارس ( ثانويتان وإعدادية وابتدائية).
مع الأمن
في طريق العودة، وعلى مدخل السومرية من ناحية الكراج توقفنا عند عناصر الأمن، وسألناهم عن المسؤول الأمني عن المنطقة، السيد أبو حذيفة، فأخبرونا أن علينا أن نذهب إلى مدخل السومرية الشرقي لمقابلته.
وعند المدخل الشرقي سألنا أحد رجال قوى الأمن الداخلي، فنادى على شيخ، بعيد عن المكان نحو عشرة أمتار وبرفقته عنصران، فجاءنا، وطلبنا منه لقاء السيد ” أبو حذيفة” فنادى أحد المسؤولين الأمنيين، الذي جاء إلينا وشرحنا له ما نريده، فطلب منا مرافقته إلى مكتب في أحد الأبنية العسكرية، وعلى مدخل البناء طلب المهمة فأعطيناه إياها، وطلب منا الانتظار لدقائق، ثم دخل المكتب وعاد بعد نحو سبع دقائق واعتذر منا لعدم وجود السيد ” أبو حذيفة”.
في دردشتنا مع شباب الأمن في المدخلين الغربي والشرقي فهمنا أن الجهة المنفذة للمشروع هي وزارة الدفاع، وأنهم يتبعون لوزارة الداخلية.
وأكد صحة كلامهم أحد المواطنين الذي راجع محافظة دمشق لمعرفة مايجري فأخبروه في المحافظة أن جهة عسكرية هي الجهة المنفذة لأعمال الحفريات الخاصة ببناء السور.