الثورة – عدي جضعان:
كشفت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية أن النيابة الوطنية الفرنسية لمكافحة الإرهاب أخفت لأكثر من 18 شهراً مذكرات توقيف دولية صادرة بحق الرئيس السوري المخلوع، بشار الأسد، وشقيقه ماهر، بالإضافة إلى اثنين من كبار مسؤولي النظام الذي سقط في كانون الأول/ديسمبر 2024.
ورغم إصدار قضاة التحقيق مذكرات في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 تتهم المعنيين بالتواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، خاصة في الهجمات الكيميائية على الغوطة الشرقية عام 2013، لم تُدرج هذه المذكرات في أنظمة التنبيه الأوروبية مثل “شنغن”، ولم تُرسل إلى الإنتربول، وفق ما نقلته الصحيفة.
وبخلاف التوقعات والممارسات المعتادة، وحسب تصريحات عشرة محامين وقضاة وأساتذة في القانون الدولي استمعت إليهم صحيفة “ليبراسيون”، قامت النيابة الوطنية الفرنسية لمكافحة الإرهاب بحجب تعميم مذكرات التوقيف الدولية بحق بشار وماهر الأسد حتى حزيران/يونيو 2025، على الرغم من صدورها عن قضاة دائرة الجرائم ضد الإنسانية في محكمة باريس.
وتشير التحقيقات إلى أن هذه المذكرات بقيت محصورة في سجل المطلوبين داخل فرنسا حتى منتصف عام 2025، وهو ما وصفه خبراء القانون بأنه “غير مسبوق وغير منطقي”، إذ عادة ما تُعمم مذكرات التوقيف المتعلقة بشخصيات قد تسافر إلى الخارج على نطاق واسع.
ويقول أحد المطلعين على الملف: “هذا أمر فاضح، بقيت مذكرات التوقيف في درج بباريس، مع أنه كان يجب تعميمها على أوسع نطاق”.
مذكرات لم تُعمم دولياً
لم تُصدر مذكرات التوقيف الخاصة بالجنرالين غسان عباس، مدير الفرع 450 في مركز الدراسات والبحوث العلمية المسؤول عن تطوير الأسلحة الكيميائية، وبسام الحسن، ضابط الارتباط بين الرئاسة والمركز، ضمن النشرة الحمراء للإنتربول حتى نيسان/أبريل 2025، كما لم تُعمم عبر نظام “شنغن”، وفق ما رجحه أحد المطلعين على الملف، بحسب تقرير صحيفة “ليبراسيون”.
ويشير التقرير، الذي أعده لوك ماتيو للصحيفة الفرنسية، إلى أن القضية تعود إلى الشكاوى التي تقدمت بها منظمات حقوقية في باريس عام 2021، بشأن الهجمات الكيميائية في الغوطة الشرقية قرب دمشق، والتي أودت بحياة أكثر من 1400 شخص.
بعد تحقيقات موسعة تضمنت شهادات وتقارير استخباراتية، أصدر قضاة التحقيق مذكرات توقيف بحق أربعة من كبار قادة النظام السوري، إلا أن النيابة الفرنسية اعترضت على مذكرة بشار الأسد وحده، متذرعة بحصانته كرئيس دولة، وسعت لعرض المسألة على محكمة أعلى.
ورغم رفض محكمة الاستئناف هذا الطعن وتأكيدها أن الحصانة لا تشمل من يرتكب جرائم ضد الإنسانية، استمرت النيابة في تجميد تعميم المذكرة.
وفي تموز/يوليو 2025، منحت محكمة النقض النيابة ما يشبه الغطاء القانوني بإلغاء مذكرة الأسد استناداً إلى الحصانة، ما أثار خيبة أمل الخبراء والضحايا الذين كانوا يأملون في “اختراق قضائي تاريخي”، وفق ما ذكرت صحيفة “ليبراسيون”.
ويُشير التقرير إلى أن قرار محكمة النقض لم يشمل شقيقه ماهر الأسد ولا المسؤولين الآخرين، وهو ما لا يفسر عدم تعميم مذكراتهم عبر الإنتربول ونظام “شنغن” حتى منتصف عام 2025، خاصة بعد رفض وزارتي العدل والنيابة الإجابة على أسئلة الصحيفة.
وختمت الصحيفة بالإشارة إلى أن مذكرة توقيف جديدة صدرت بحق بشار الأسد بعد فقدانه صفة الرئيس، وتأمل المحامية كليمونس ويت، المدافعة عن الضحايا، أن تكون هذه المذكرة قد عُممت وفق القانون كما هو معمول به بالنسبة لباقي أوامر الاعتقال في الملف منذ عامين.
يُذكر أن مجزرة الهجوم الكيميائي على الغوطة الشرقية عام 2013 أودت بحياة أكثر من 1400 شخص.