الثورة – جهاد اصطيف:
في الوقت الذي لا يزال فيه العديد من المواطنين يعانون من تبعات إجراءات قديمة، فرضت عليهم خلال سنوات النظام المخلوع، بدأت وزارة الداخلية باتخاذ خطوات متسارعة وجذرية لإزالة تلك القيود وتحديث قواعد البيانات، بما ينعكس مباشرة على حياة المواطنين ومعاملاتهم اليومية، ويعيد ترميم الثقة بالمؤسسات الحكومية.

معاناة لم تنته بعد
لا تزال بعض الحالات تكشف حجم التعقيد الذي ورّثته المؤسسات السورية نتيجة الإجراءات الأمنية القديمة التي كان يتبعها النظام الهارب بحقّ الملايين من الشعب السوري.
أحد المواطنين يروي لصحيفة ” الثورة ” كيف تمّ اعتقاله أثناء محاولته استخراج جواز سفر، بسبب تهمة ملفقة تعود لسنوات بعيدة، قبل أن يخلى سبيله لاحقاً بعد ثبوت بطلانها.
ويوضح آخر كيف حجزت معاملته العقارية بسبب مبلغ زهيد لا يتجاوز 200 ليرة سورية، الأمر الذي أدخله في دوامة من المراجعات المتعبة.
أما الحالة الأكثر صدمة، فكانت لرجل تفاجأ بغرامة خيالية وصلت إلى 65 مليون دولار بتهمة الاتجار بالمخدرات، قبل أن يتبين لاحقاً أن كلّ ما في الأمر مجرد تشابه أسماء.
يقول الرجل بحرقة : لو كنت أملك هذا المبلغ لما اضطررت للاقتراض لإتمام موسمي الزراعي.
هذه الحالات مجتمعة تعكس إرثاً ثقيلاً من الأخطاء والإجراءات الأمنية المتراكمة، والتي باتت وزارة الداخلية اليوم تعمل على محوها بصورة ممنهجة ومتسارعة.
قرارات مفصلية
في بيان حديث لوزير الداخلية أنس خطاب عبر منصّة ” X “، كشف عن خطوة تعدّ الأكبر من نوعها خلال السنوات الأخيرة، إذ أعلنت الوزارة حذف أكثر من 150 ألف إجراء من قاعدة بيانات ” فيش الهجرة والجوازات “، معظمها مرتبط بإجراءات قديمة، تعود لمؤسسات الدفاع والداخلية والأجهزة الأمنية السابقة.
ويأتي ذلك استكمالاً لتطبيق القرار رقم 20 الصادر في آذار الماضي، والذي أتاح إزالة ما يقرب من 4.7 ملايين إجراء، معظمها يتعلق بالانشقاق أو التخلف عن الخدمة الإلزامية، ومنع السفر لأسباب أمنية متنوعة، وقيود أمنية تعود لفترات سابقة.
وبذلك يرتفع عدد الإجراءات التي تمّت إزالتها حتى اليوم إلى 4,850,719 إجراء، وهو رقم يعكس حجم الجهد المبذول لتخفيف الأعباء عن المواطنين.
عمل ممنهج وتنسيق واسع
تؤكد وزارة الداخلية أن الجهود الحالية لا تهدف فقط لمعالجة الحالات الملحّة، بل إلى إعادة بناء قاعدة بيانات نظيفة ومنصفة للمواطنين، ويتم ذلك بالتعاون مع وزارات الدفاع والعدل والمالية، إضافة إلى عمل لجنة مختصة تضم إدارات المعلومات والمباحث الجنائية والهجرة والجوازات.
كما أعلنت الوزارة أن مكاتب الشكاوى تستقبل طلبات المواطنين لمعالجة حالات منع السفر المستعجلة عبر فريق متخصص، لضمان سرعة البت وتخفيف الضرر.

انعكاسات إيجابية
من خلال هذه الخطوات، بدأت تظهر مجموعة من المنعكسات الإيجابية، أبرزها تسهيل حركة السفر، وإزالة مئات آلاف القيود المفروضة سابقاً، ما مكن الكثير من المواطنين من استخراج جوازات السفر والتنقل من دون عوائق، ورفع الظلم عن المواطنين، كلها أغلقت، ملفات قديمة واتهامات غير دقيقة كانت تضع آلاف الأشخاص في دائرة الاتهام أو الملاحقة، من دون سبب مشروع، ولا ننسى تسريع المعاملات الإدارية، و خاصة بعد تنظيف البيانات من الإجراءات غير القانونية أو غير الدقيقة، حيث باتت المعاملات العقارية والمالية والقضائية تنجز بسرعة أكبر، والأهم باعتقادنا تعزيز الثقة بالمؤسسات، من خلال تفاعل الوزارة السريع مع الشكاوى، وشفافيتها في إعلان الأرقام، لتعزيز شعور المواطنين بأن مرحلة جديدة من التعامل الرسمي بدأت تتشكل.
لا شك أن الخطوات المتسارعة التي تتخذها وزارة الداخلية السورية اليوم، تمثّل نقطة تحوّل مهمة في علاقة المواطن مع الدولة، وتفتح الباب أمام مرحلة إدارية أكثر عدلاً وشفافية، فالقرارات التي شطبت بموجبها ملايين الإجراءات الجائرة، ليست مجرد تحديث تقني، بل عملية تصحيح لمسار طويل من الأخطاء، وتسليم بضرورة وضع مصلحة المواطن في أولويات العمل الحكومي.
وإذا استمر هذا النهج بالوتيرة نفسها، فقد تشهد الفترة المقبلة إعادة هيكلة كاملة لملفات المواطنين، بما يعيد الحقوق لأصحابها ويمهد لبيئة قانونية وإدارية أكثر استقراراً وإنصافاً.
