أول زيارة رسمية إلى أوكرانيا.. سوريا تكسر القطيعة وتبحث عن بوابة غذائية جديدة

الثورة – سامر البوظة:

بعد الإطاحة بنظام الأسد المخلوع في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024- ومنذ الأيام الأولى- سعت الإدارة السورية الجديدة إلى إعادة بناء علاقاتها الدولية عبر انتهاج سياسة دبلوماسية متوازنة تحافظ فيها على مصالحها مع جميع الأطراف، وتأتي أوكرانيا ضمن سياق هذه السياسة.

وخلال الأيام الماضية، شهد الفضاء الإعلامي تفاعلاً ملحوظاً مع خبر الزيارة الرسمية لوفد حكومي سوري إلى أوكرانيا، في خطوة اعتبرها محللون هامة وغير مسبوقة بعد سنوات من القطيعة السياسية والدبلوماسية بين البلدين، كون هذه الزيارة تحمل دلالات سياسية ودبلوماسية واقتصادية، خاصة فيما يتعلق بإعادة فتح قنوات التعاون المرتبطة بالأمن الغذائي والتبادل الزراعي وإدارة الأزمات.

التوازن في السياسة الخارجية

أكد المحلل السياسي، فراس علاوي، أن الزيارة تُعتبر نوعاً من التغير في السياسة السورية بعد سقوط نظام الأسد المخلوع، والاتجاه نحو سياسة أكثر توازناً وفاعلية بما يخص الملفات المتعلقة بالمنطقة.

وبالتالي، فإن زيارة الوفد الرسمي الحكومي إلى أوكرانيا هي كسر لفترة الجمود في العلاقات وانحياز النظام السابق لروسيا.

وفي حديث لصحيفة “الثورة”، أوضح علاوي أن فتح علاقات متوازنة بين سوريا وأوكرانيا يعكس رغبة سوريا في إعادة بناء علاقاتها الدولية، ويشكل دليلاً على أن الحكومة السورية تنتهج نوعاً من التوازن والانفتاح على جميع الملفات وجميع الدول، سواء كانت الدول التي تسير في المحور الروسي أو حتى الولايات المتحدة الأميركية ومن يسير في محورها.

وبيّن علاوي، أن هذه السياسة تنطلق من بحث الحكومة السورية الجديدة عن الاستقرار في المنطقة من جهة، ومن جهة ثانية تصفير المشاكل مع الدول الأخرى.

ومن هنا تأتي أهمية الزيارة بكونها كسراً لعملية الجمود في العلاقات مع دول لم يتخللها أي علاقات دبلوماسية أو اقتصادية مع سوريا منذ سنوات وعقود.

الأمن الغذائي مدخل للانفتاح

من الناحية الاقتصادية، اعتبر علاوي أن الزيارة يمكن أن تسهم في تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين في مجالات عدة، أهمها الزراعة والطاقة والبنية التحتية وغيرها.

وأوكرانيا دولة مهمة جداً في الاقتصاد العالمي، وخاصة بما يتعلق بموضوع توريد القمح والزراعة.

وكما هو معروف، فإن أوكرانيا تُعتبر “سلة غذاء أوروبا”، لذلك من المؤكد أن هذه الزيارة وإعادة العلاقات بين البلدين ستنعكس نتائجها بشكل مباشر على سوريا، خاصة أنها تعاني أزمة حبوب وأزمة زراعة.

وأشارعلاوي إلى أنه توجد علاقات سابقة بين أوكرانيا وسوريا، ومن المهم إعادة تجديدها، ومهم جداً الاعتماد على أوكرانيا في الجانب الزراعي بشكل خاص، كونها أحد موردي القمح المهمين على مستوى العالم، إضافة إلى إمكانية توريد العديد من المنتجات الزراعية الأخرى بشكل عام إلى سوريا، وبالتالي، هي عملية انفتاح على العالم.

الجدير ذكره، وقبيل الزيارة، وصلت إلى مرفأي اللاذقية وطرطوس 5 بواخر تحمل أكثر من 134 ألف طن قمح، ضمن خطّة لتعزيز مخزون الأمن الغذائي، وتأمين احتياجات المطاحن في مختلف المحافظات السورية من الدقيق التمويني.

وأوضح مدير عام المؤسسة السورية للحبوب حسن عثمان أن هذه البواخر قادمة من أوكرانيا وروسيا وتأتي ضمن خطّة تأمين مادة القمح اللازمة لاستمرار عملية إنتاج الخبز، مشيراً إلى أن المؤسسة تتابع تنفيذ التوريدات بشكل متواصل لضمان وصول الكميات المطلوبة من دون انقطاع.

منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) قالت في تقرير لها صدر مطلع أبريل/نيسان الماضي: إن من المتوقع أن يكون إنتاج الحبوب في سوريا بالموسم الحالي أقلّ من متوسط إنتاج السنوات الماضية جميعها، كما أن الظروف الجوية الجافة والمخاوف الأمنية تعوق إنتاج الحبوب في عام 2025.

تثير حالة عدم الاستقرار الاقتصادي أيضاً حالة من عدم اليقين بشأن متطلبات استيراد الحبوب هذا العام، ما يشير إلى استمرار انعدام الأمن الغذائي في عام 2025 على الرغم من انخفاض أسعار المواد الغذائية، وفق التقرير.

ويعد القمح من المحاصيل الاستراتيجية الرئيسة في سوريا، إذ كان متوسط إنتاج المحصول منذ 1990 إلى 2010 يزيد على أربعة ملايين طن، وسجلت سوريا في 2006 أعلى رقم في إنتاجه بمقدار 4.9 ملايين طن، وفق المكتب المركزي للاحصاء، وكان متوسط الاستهلاك المحلي 2.5 مليون طن، ما أتاح فائضاً للتصدير يتراوح بين 1.2 و1.5 مليون طن.

تفاعل مجتمعي وإعلامي

أثار خبر الزيارة تفاعلاً واسعاً على وسائل التواصل وفي وسائل الإعلام، حيث تشير المتابعات الرقمية إلى أن الزيارة أحدثت حراكاً واسعاً على المنصّات نظراً لطبيعتها غير الاعتيادية بعد سنوات من الجمود السياسي والدبلوماسي.

ورغم التفاوت في زوايا التناول، فإن الخطاب العام اتجه في معظمه نحو قراءة الحدث كخطوة سياسية تحمل أبعاداً اقتصادية مباشرة، خصوصاً في ملفي الزراعة والأمن الغذائي.

وفي هذا السياق، بيّن المحلل السياسي أن المزاج الشعبي هو مزاج مؤيد لأي خطوة تقوم بها الحكومة السورية تجاه الانفتاح على العالم، خاصة وأن السوريين بالعموم عانوا من عزلة استمرت لعقود بسبب سياسات النظام المخلوع والقطيعة التي عانتها البلاد بسبب تلك السياسات وما تبعها من عقوبات دولية أثقلت كاهل السوريين.

لذلك، فإن أي زيارة ينتج عنها أي انفتاح، سواء كان دبلوماسياً أو سياسياً أو اقتصادياً مع أي دولة، سيلاقي بكلّ تأكيد صدى وترحيباً لدى السوريين جميعاً.

كما أن التقارب مع أوكرانيا قد يساعد في دعم سوريا ويحسن صورتها على الساحة الدولية، الأمر الذي سيسهم بدوره في جذب الاستثمارات والدعم الدولي للمساعدة في عملية إعادة الإعمار.

بداية مسار الاندماج بالنظام الدولي

وعن المآلات الاستراتيجية لهذه الزيارة، أوضح علاوي أنها ستشكل بداية مسار لسوريا الجديدة في إعادة اندماجها بالمجتمع الدولي بما يخدم الواقع السوري والداخل السوري، وبشكّل أدق مع المصالح السورية، وليس بما يخدم السلطة كما كان يجري في عهد النظام المخلوع.

ولاحظنا كيف أن الدولة السورية، منذ سقوط النظام، انتهجت نهجاً مختلفاً وسعت عبر دبلوماسيتها الهادئة إلى إعادة تشبيك علاقاتها في كلّ الاتجاهات، سواء مع دول الجوار أو الإقليم أو الغرب أو حتى مع الولايات المتحدة الأميركية.

وأيضاً كيف كان التحول الجذري والنوعي في مواقف تلك الدول تجاه سوريا، وهذا إنجاز يُحسب للإدارة السورية الجديدة.

لذلك، الهدف الرئيسي للحكومة السورية هو تحقيق الاستقرار، وهذه رغبة متبادلة مع الدول الفاعلة بالملف السوري، وبشكل خاص الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية.

وأضاف علاوي أن العلاقة مع أوكرانيا تعطي نوعاً من التوازن بما يخص العلاقة مع روسيا، حتى لا تكون هناك نوع من “المحورية” أو الانحياز لمحور دون آخر.

فسوريا تسعى لعلاقات متوازنة مع كلّ الدول وأن تكون على مسافة واحدة من الجميع بما يخدم مصالحها الوطنية العليا.

وكما رأينا، فإن العلاقات مع أميركا لم تعطل الذهاب باتجاه تحسين العلاقات مع روسيا، وأيضاً اليوم فإن تحسين العلاقات مع أوكرانيا يجب ألا يؤثر على العلاقات مع روسيا.

وهذا ما تقوم به الحكومة السورية حالياً من حيث البحث عن موارد اقتصادية من أجل إنعاش الاقتصاد السوري، وأيضاً البحث عن منافذ سياسية تؤدي إلى استقرار سوريا من جهة، وعدم استخدام الجغرافيا السورية لأي صراعات قد تنشأ بسبب الخلافات الدولية أو الإقليمية كما حدث سابقاً، عندما كانت سوريا أحد مسارح الصراع بين روسيا وأوكرانيا بشكل أو بآخر.

لذلك، فإن تنويع الزيارات والعلاقات الدبلوماسية مع الدول وإقامة علاقات متوازنة معها وعدم الانخراط في محور معين سينعكس بشكل مباشر على العلاقات مع تلك الدول، ما سينعكس على الداخل السوري ويخدم عملية الاستقرار وإعادة البناء التي تنتهجها الحكومة السورية.

تاريخ العلاقات السورية-الأوكرانية يتركز على مرحلة تحوّل كبيرة بدأت بقطيعة دبلوماسية في حزيران/يونيو 2022، عندما قرر النظام المخلوع الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا، ما دفع حكومة كييف لقطع العلاقات مع دمشق.

وتمّ استئناف العلاقات الدبلوماسية أواخر عام 2024 عقب سقوط نظام الأسد، حيث أرسل الرئيس الأوكراني وزير خارجيته إلى دمشق وأجرى مباحثات مع القيادة السورية الجديدة، عارضاً المساعدة الغذائية.

كما أرسلت أوكرانيا في كانون الأول/ديسمبر الماضي 500 طن من دقيق القمح، مؤكدة التزامها بدعم الأمن الغذائي.

وفي خطوة دبلوماسية لافتة، أعلنت سوريا وأوكرانيا عن عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد ثلاث سنوات من القطيعة.

جاء ذلك خلال لقاء جمع الرئيس أحمد الشرع بنظيره الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، على هامش أعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

وفي تشرين الأول/أكتوبر 2025، شهدت المباحثات بين البلدين فرصة لتعزيز التعاون في مجالات الزراعة والطاقة والبنية التحتية والأمن السيبراني.

آخر الأخبار
ردود فعل دولية وعربية تندد بزيارة نتنياهو للجنوب السوري شطرنجنا يتألق في بطولة العرب بالكويت سلّة الكرامة وحمص الفداء بنكهة سمراء متابعة مشاريع منظمة "العمل ضدّ الجوع" في "تل الضمان" بحلب غلاء الكهرباء.. بين الضرورة الاقتصادية والضغوط الاجتماعية خمس ذهبيات للجودو في غرب آسيا مستقبل مشرق لكرة القدم النسائية في نادي محافظة حمص تشغيل تجريبي متواصل وخارج ساعات برنامج التقنين بالقنيطرة النفايات الغازيّة حوّلت سماءنا إلى مقبرة لها.. والحلّ في الطاقات المتجددة التربية تعزز حضورها في حلب.. تطوير معاهد الريف وتحسين واقع التعليم "برغل بحمص".. وجبة شعبية وذاكرة مكان بعد زيارة الوزير الشيباني.. قرار رسمي يخص مجلس الأعمال السوري-الصيني لرفع كفاءته... تحديث مستمر لخدمات مستشفى اللاذقية الجامعي في يومهم العالمي.. أطفالنا مستقبل حريّة ثمنها غالٍ "الداخلية" تنهي قيود السفر المفروضة فترة حكم النظام المخلوع فراس تيت رئيساً لاتحاد كرة القدم رسائل حاسمة وتحركات وشيكة لإصلاح القطاع المصرفي اليوغا.. تسامٍ روحي يعيدنا إلى الجوهر استجابة لمطالب الأهالي.. مشاريع خدمية في سقبا وقطنا والمليحة النيابة الفرنسية لمكافحة الإرهاب أخفت مذكرات توقيف بحق الأسد المخلوع وشقيقه