معلمو ومعلمات الشمال بين مطرقة الغلاء وسندان نظام تعليمي منهك

الثورة _ تحقيق _ حمزة العبد الله :

“لا يكفي لشيء” بهذه الجملة يختصر أحمد المقصوص (معلم لغة إنجليزية) من قرية “كرسعه” بريف إدلب الجنوبي، واقع المعلمين والمعلمات في الشمال السوري، جراء تدني الرواتب الشهرية التي تتراوح بين 100 إلى 150 دولاراً أميركياً (مليون إلى مليون وسبعمئة ألف ليرة سورية).

إضراب الكرامة

دفعت الظروف المعيشية “القاسية” الكوادر التعليمية إلى تنفيذ إضراب تحت مسمى “إضراب الكرامة” لتعليق العملية التعليمية في مناطق متفرقة من محافظات حلب وإدلب وحماة بهدف رفع مطالبهم إلى الجهات المعنية لتحسين أوضاعهم في مشهد يسلط الضوء على استمرار أزمة النظام التعليمي بعد 11 شهراً على تحرير سوريا.

تتمحور مطالب الكوادر التعليمية برفع الأجور الشهرية والتثبيت الوظيفي وإعادة المفصولين وتحسين واقع العملية التربوية والتعليمية.

يقول محمد عبد الفتاح (أحد المنسِّقين للإضراب)، إن الإضراب يأتي في وقت تمر العملية التعليمية بتحديات كبيرة، أبرزها الفجوة بين الأجور الشهرية ومتطلبات المعيشة المرتفعة، لا سيما أن آلاف المعلمين والمعلمات لا يزالون نازحين وغير قادرين على العودة إلى مناطقهم الأصلية من جراء الدمار الكبير الذي خلّفه النظام المخلوع.

وتتمحور المطالب بتحسين الأجور وتحديد سلم رواتب واضح وتثبيت الوكلاء من الخريجين الجدد، والحد من صلاحيات الموجهين التربويين وحفظ وصون كرامة المعلمين والمعلمات، وفقاً لعبد الفتاح الذي أوضح أن مديرية التربية والتعليم في محافظة إدلب، اجتمعت مع مجموعة من القائمين على الإضراب للاستماع إلى مطالبهم ووعدتهم بإيصالها إلى الوزارة، ما أدى إلى تعليقه تماشياً مع المصلحة الوطنية.

يقول أحد المعلمين المشاركين في الإضراب فضّل عدم ذكر اسمه: “لليوم وبعد سنوات من العمل في أصعب الظروف، لم أثبّت بشكل رسمي، حالتي تتشابه مع حالات الآلاف، تحمّلتُ أصعب ظروف العمل من قصف ونزوح وتطوع دون أجر”.

ويضيف: “مطالبنا واضحة ارفعوا لنا الرواتب وثبتونا بشكل رسمي”.

مصطفى (معلم بالوكالة) يقول، إن راتبه الشهري لا يتعدى المليون ليرة سورية وهو “قليل جداً عندما يقارَن بغلاء أسعار جميع المواد الغذائية والسلع وإيجارات المنازل والمواصلات التي ترتفع بشكل كبير”، متسائلاً: “كيف لي أن أوازن بين دخلي ومتطلبات معيشتي”.

الإضراب الذي بدأ في التاسع من تشرين الثاني سرعان ما انتهى في الثامن عشر من الشهر الجاري، بعد وعود من قبل مديريات التربية والتعليم بإيصال كافة المطالب التي وضعها المحتجون إلى وزارة التربية والتعليم كشروط أساسية لتعليقه.
تأثير سلبي على العملية التعليمية
تسبب “إضراب الكرامة” بتوقف شبه كامل للعملية التعلمية، وارتفعت نسبة إغلاق المدراس في بعض المناطق إلى أكثر من 50%، ما انعكس سلباً على آلاف الطلاب والطالبات.

يقول أبو محمد (والد أحد الطلاب)، إنه يتضامن مع مطالب المعلمين والمعلمات “المشروعة”، لكنه عبر عن انزعاجه من توقف العملية التعليمية، خصوصاً أن الطلاب عانوا كثيراً خلال السنوات السابقة من جراء توقف المدارس، إما بسبب حملات القصف والعمليات العسكرية للنظام المخلوع، أو كونها مراكز مؤقتة للنازحين والمهجرين، مضيفاً أن الكثير من الطلاب والطالبات يحتاجون إلى تكثيف الحصص الدراسية لكافة المواد التعليمية لتعويض النقص لا إلى الإضرابات وإيقاف العملية التعليمية، محملاً وزارة التربية والتعليم المسؤولية عن مستقبل آلاف الأطفال.

يضاف إلى ذلك التسرب المدرسي الكبير في تلك المناطق التي تم تدمير الكثير من مدارسها، إذ تقدر أعداد المتسربين في سوريا وفقاً لآخر إحصائية صادرة عن منظمة “يونيسيف” بـ 2.4 مليون طالب وطالبة، قسم كبير منهم في مناطق الشمال، فيما لا تزال آلاف المدارس خارج الخدمة جراء التدمير الذي طالها خلال السنوات الـ 14 الماضية، حيث تشير إحصائيات وزارة التربية والتعليم إلى وجود أكثر من 8 آلاف مدرسة مدمرة ومتضررة، إما كلياً أو جزئياً في كامل الجغرافيا السورية، الحصة الأكبر منها توجد في محافظة إدلب وتقدر بالمئات.

واقع مرير

يُجمع من التقيناهم من معلمين ومعلمات خلال إعداد هذا التحقيق الصحفي إلى واقع مرير من جراء هشاشة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وعدم قدرة الآلاف حتى اليوم على العودة إلى مدنهم وقراهم بسبب تدمير منازلهم وافتقار تلك المناطق إلى البنى التحتية من ماء وكهرباء واتصالات وصرف صحي.

يقول أحمد المقصوص، إن المعلمين والمعلمات يواجهون واقعاً صعباً تفرضه الظروف المعيشية الحالية، فما يتقاضاه من أجر شهري لا يغطي إلا جزءاً بسيطاً من متطلبات عائلته (أب لـ 4 أطفال)، يضاف إلى ذلك ضعف اللوجستيات التي تقدمها مديرية التربية للمدارس، فقسم كبير منهم يشتري القرطاسية والمستلزمات المدرسية على نفقته الخاصة.

البحث عن عمل بديل

أعداد من المعلمين والمعلمات (لا توجد إحصائيات دقيقة) بدأ يفكر جدياً بترك مجال التعليم والانتقال لعمل آخر بسبب تدني الأجور الشهرية، مقارنة بالعمل الخاص وبأجور القطاع الخاص، رغم أهمية الرسالة التي يحملونها في بناء الإنسان والمجتمع، فالمعلم هو الرافعة والركيزة الرئيسة للنهوض والتعافي في سوريا الجديدة، لكن عدم تكافؤ الأجر مع الواقع المعيشي دفعهم للبحث عن حلول بديلة.

يضيف “المقصوص”: إن تأمين الحد الأدنى من متطلبات عائلته دفعه إلى العمل في الأعمال الحرة بعد دوامه، وهو أمر فرض عليه في ظل الظروف الراهنة، فراتبه غير كاف، ولا بد له من دخل إضافي حتى يتمكن من تلبية الاحتياجات الأساسية.

هبة العبد الله (معلمة صف) هي الأخرى تعمل بعد دوامها في مجال الإنترنت على إحدى منصات الدردشة لتأمن دخلاً إضافياً، فراتبها يذهب بين أجرة المنزل والمواصلات.

تقول “العبد الله”، إن عدم إنصافهم سيفاقم المشكلة، فالمعلم والمعلمة مطالبان بتحضير الحصص الدراسية قبل إعطائها، لكن التفكير الدائم بالأمور المعيشية والغلاء والعمل الآخر يدفع قسم منهم إلى التقصير، ما ينعكس سلباً على الطلاب والطالبات.

تحديات العملية التعليمية

لا تقتصر مشاكل معلمي ومعلمات الشمال على تدني الأجور الشهرية، بل توجد صعوبات أخرى تتمثل بافتقار عدد كبير من المدارس للخدمات واللوجستيات الأساسية، مثل نقص المقاعد والكتب والقرطاسية والوسائل التعليمية ولوازم التدفئة وعدم وجود نوافذ وأبواب.

يتابع “المقصوص”: “تفتقر مدرسة القرية إلى الأبواب والنوافذ وهو ما يشكل عائقاً لنا ككادر تعليمي، خاصةً مع دخول فصل الشتاء، فمنذ عودتنا من مخيمات النزوح وبدء العام الدراسي الحالي، لا تزال المدارس مهمشة بشكل كبير”.

بدورنا تواصلنا مع وزارة التربية والتعليم للحصول على توضيحات تخص الأجور الشهرية وواقع العملية التعليمية في الشمال، لكننا لم نحصل على أي رد حتى لحظة كتابة هذا التحقيق.

تراكمات

لا يعد “إضراب الكرامة” الذي عُلِّق مؤخراً بعد وعود من الجهات المعنية في الشمال بإيصال المطالب إلى وزارة التربية والتعليم الأول من نوعه، فالمشاكل التي تواجه المعلمين والمعلمات والقطاع التعليمي ليست وليدة اللحظة، بل نتاج تراكمات سابقة، تفاقمت منذ سنوات عديدة من جراء ظروف استثنائية كانت تشهدها مناطق الشمال السوري من عمليات القصف والحملات العسكرية العشوائية إلى استمرار حركات النزوح القسري وهشاشة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية آنذاك.

بين مطرقة الغلاء المعيشي وسندان نظام تعليمي منهك بعد حرب مدمرة، يصر معلمو ومعلمات الشمال على المضي قدماً حتى تحقيق كافة مطالبهم المتمثلة برفع الأجور وتحسين واقع العملية التربوية والتعليمية، فهل تستجيب وزارة التربية والتعليم لتلك المطالب التي يعتبرونها حقاً مشروعاً وأساسياً تكفله القوانين الناظمة، أم إن الإضرابات وإغلاق المدارس وحرمان عشرات الآلاف من الأطفال من حقهم الأساسي بالتعليم سيكون عنوان المرحلة المقبلة، وهو ما ينعكس سلباً على عملية التعافي والنهوض التي بدأت قبل أشهر عقب إسقاط النظام المخلوع؟.. سؤالٌ ستجيب عنه الأيام القادمة.

آخر الأخبار
التفكير الاستراتيجي وصنع القرار... بوابة سوريا نحو إعادة البناء طلاب الثانوية الأحرار بلا اختبار ترشيحي.. ارتياح شعبي وحذر تربوي وزير الإعلام اللبناني: مساعٍ حقيقية بين بيروت ودمشق لتخطي العوائق "سيريا هايتك".. شراكة سورية- أردنية ترسم مستقبل التحول الرقمي الاحتلال يوسع تحركاته جنوباً.. دوريات وتوغلات ورفع للعلم في تل الأحمر في خرق مستمر للاتفاقيات.. تجدد الاشتباكات بين الجيش السوري و"قسد" ما أسباب تأخر إقلاع الاستثمارات المحلية والخارجية وما طرق علاجها ؟ محدودية الموارد أبرز التحديات خطة النقل: رقمنة 60 بالمائة من الخدمات بحلول 2028  دمشق ...نظافة تتجمل في المركز وتتراكم في الأطراف معلمو ومعلمات الشمال بين مطرقة الغلاء وسندان نظام تعليمي منهك إلغاء الاختبار الترشيحي للطلاب الأحرار.. خطوة تربك البعض وتطمئن آخرين فوضى خطوط النقل بدمشق: المواطن والسائق يدفعان الثمن "مدوّنة السلوك".. اختبار الثقة بين رجل الأمن والمواطن الوزير الشيباني في عُمان لأول مرة لمناقشة التطورات الإقليمية والدولية سوريا تستعرض دورها الأمني والدبلوماسي في ورشة عمل بسويسرا سوريا تطالب باستعادة حقوقها داخل منظمة حظر الأسلحة سوريا محور ربط كهربائي ثلاثي.. مشروع عربي يعود إلى الواجهة رغم التحديات أول باخرة سورية نحو أميركا الجنوبية.. تدشين ممر تصديري إلى أسواق 450 مليون مستهلك منتخبنا يطمح للعبور من بوابة جنوب السودان لكأس العرب عودة ميمونة لبرشلونة للكامب نو برباعية