الثورة – تحقيق جهاد اصطيف:
سرعان ما يتحول السوق المحلي في حي سيف الدولة بحلب إلى مسرح مزدحم، محال الخضار، والشاورما والفروج المشوي، العصائر، والبطاطا المقلية، لكن خلف رائحة التوابل والدجاج المشوي، تتسلل رائحة أخرى أكثر حدة، أكوام من المخلفات، تنتشر على أطراف الحاويات والأرصفة المحيطة. فما الأسباب التي تجعل القمامة تتكدس يومياً في السوق؟ الحقيقة أن هناك إهمالاً فادحاً لدى عدد من أصحاب المحال والمطاعم، بالخصوص الوجبات السريعة والفروج في إدارة نفاياتهم، وهناك قصور إداري وخدمي في مجلس المدينة، خاصة بتخطيط المسارات وتوقيت الجمع والرقابة. وبين هذه الحلقات، يقف المواطن (الحلقة الأضعف)، يتنقل بين قاذورات الأزقة ويشتكي صحته وعافيته!.
مشاهد متكررة
الملاحظ أن هناك خللاً في بالتخلص المباشر من النفايات، ما يؤدي إلى انتشار روائح كريهة في المكان، بل وخانقة في معظم الأحيان، فالحاويات ممتلئة في معظم الأوقات، ما يدفع الباعة إلى رمي الأكياس حولها، فتتناهبها النباشة، ثم القطط والكلاب الشاردة. يقول “أبو إبراهيم” (من أبناء الحي موظف 60 عاماً): نمشي على حافة الرصيف كي لا ندوس على بقايا القمامة والنفايات، في الصباح ترى أسراب الذباب، ابنتي الصغيرة أصيبت بطفح جلدي، فمن المسؤول؟ ويضع أبو إبراهيم اللوم بالدرجة الأولى على عاتق أصحاب المحال، لعدم إدارة وفرز نفاياتهم بشكل صحيح والتخلص منها بشكل آمن، الأمر الذي يلوث المكان، ويستدعي القوارض والحشرات، عدا عن التعدي على الملك العام.
يضيف أبو إبراهم: مرات عدة سألت أصحاب المحال، دائماً كان تبريرهم، نحن نعمل حتى بعد منتصف الليل، شاحنة البلدية أغلب الأحيان لا تمر في هذا الوقت، أين نضع النفايات؟ نتركها قرب الحاوية!.
أين مجلس المدينة؟
لا شك أن اللوم كله يقع على عاتق مجلس المدينة، ممثلاً بمديرية النظافة، ففجوة التوقيت غير المتزامن مع الذروة والقدرة التشغيلية لديها قد تلعب دوراً، وتبرير نقص الحاويات وصيانتها والعمال والمركبات وسواها باتت نغمة معتادة، تسهّل استمرار العبث وتسرب الروائح والتلوث البيئي وانتشار الأمراض. لذلك لا بد من رقابة صارمة وإنذار رادع، مع تنظيم ضبوط، وعدم تسوية المخالفات بغرامات محدودة لا تحقق الردع المطلوب، ويجب تنشيط المتابعة وزيادة الجولات الرقابية وتفعيل القانون وإنزال العقوبات الرادعة بالمخالفين، فالقصور المؤسسي في التخطيط الزمني والرقابي يجعل تراكم القمامة حتمياً كل ليلة، مهما اجتهد عمال النظافة صباحاً. أم محمد- ربة منزل، من سكان الحي تقول: عندما أمرّ مع أولادي، أضطر للنزول إلى الطريق لأن الرصيف مليء بالنفايات، أخاف من السيارات ومن القطط. بدوره، أبو هاشم سائق سيارة أجرة يقول: أتجنب الوقوف بالمكان لأن الرائحة تلتصق بالسيارة، والزبون عندما يشم الرائحة يبتعد قاصداً مكاناً آخر.
تقصير مزدوج
عندما ينتج المحل ذروة نفاياته بعد الإغلاق، ولا يجد جمعاً ليلياً للقمامة أو حاويات كافية قريبة، سيختار أسهل الحلول، رمي المخلفات والأكياس حول الحاوية. وعندما لا توجد رقابة أو غرامة رادعة ولا توعية حازمة، يتحول السلوك السيئ إلى “عادة سائدة”. ولسد الثغرات، في هذا الإطار، ينبغي ربط تجديد الترخيص الصحي بوجود حاويات تناسب المحال في السوق، والتي فرضها أصلاً مجلس المدينة قبل مدة قصيرة وفق نماذج معتمدة تناسب طبيعة عمل المحل أو المهنة، دون أن يتقيد بها إلا القلة القليلة منهم، ويجب على أصحاب المحال تنظيف محيط المحل بعد الإغلاق.
لا أعذار مقبولة
لا عذر لأصحاب المحال في رمي الأكياس حول الحاويات أو رمي المخلفات، هذه مخالفة مهنية وصحية قبل أن تكون قانونية، ولا يكفي الجمع الصباحي من قبل مديرية النظافة، فالسوق ليلي النبض، والحل يجب أن يكون منسجماً زمنياً مع الواقع، فسوق سيف الدولة ليس حالة ميؤوساً منها، المشكلة واضحة، إهمال فردي متراكم، وتقصير خدمي مزمن، ورقابة ضعيفة مع فجوة توقيت، والحل واضح كذلك، فرز من المصدر، ودوريات ليلية، ومزيد من الحاويات، وغرامات رادعة. فعندما يلتزم أصحاب المحال بأبسط قواعد إدارة المخلفات، ويعيد مجلس المدينة هندسة خدمته وفق ساعات الذروة، سيتحول المساء من مشهد قمامة خانق إلى رونق سوق نظيف يليق بمدينة عريقة كسيف الدولة.