المنشورات الطبية على وسائل التواصل.. مخاطرها وكيفية تجنبها د.مجيد البيطار: لابديل عن العلاج الدوائي النظامي 

الثورة – حسين صقر:

لا يخفى على أحد أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت سلاحاً ذا حدين، ولها منافع كثيرة ومخاطر قد تزيد أو تقل، لكن العاقل فقط من يغتنم المفيد منها ويتجنب الضار.

ونظراً لصعوبة التمييز بين المنافع والأضرار مع المنشورات ذات الصلة بالصحة والعلاج لغيرالمعنيين المشتغلين بمهنة الطب، يتوجب على المتابع أو القارئ أن يسأل أهل الاختصاص قبل الخوض بهذه التجربة أو تلك، وألا يستسهل العلاج، إذ ليس من المعقول أن يختصر العاقل الذي يعاني من مرض ما سنوات الطبيب الدراسية من جامعة واختصاص، بوصفة رآها على موقع تواصل، أو سمعها من أحد قرأها أو روج له إياها.

الآونة الأخيرة شهدت انتشار ظاهرة الوصفات الطبية عبرالإنترنت، إذ يتم الترويج للكثير من الأدوية الطبية والمستحضرات العشبية وبيعها إلكترونياً.

  تجاوز للدراسة والخبرات

ولتسليط الضوء على هذا الموضوع تواصلت صحيفة الثورة مع عدد من الفعاليات المختلفة، والتي أكدت أن أي منشور يتعلق بالصحة والعلاج يرد فيه ذكر نباتات بعينها أو أطعمة تفيد في علاج امراض أو تمنع من حدوث مشكلات صحية، يجب ألا يتبع إلا إذا استوفى بعض الشروط، كأن يكون كاتبه طبيباً معروفاً في المهنة بمؤهلاته الطبية ومكان عمله، أو أن يذكر الكاتب مصدر المعلومة التي يتحدث عنها مع ذكر رابط المصدر لمن يرغب في الرجوع إليه، أو أن تكون المعلومة منسوبة إلى مؤسسة طبية معروفة كوزارة الصحة مثلاً مع الإشارة إلى ما يثبت صدق النسب.

وأشارت الفعاليات إلى أن كلّ هذه الإجراءات ضرورية، لأن الأطباء أنفسهم يقرؤون منشورات كثيرة على صفحات التواصل الاجتماعي تشير إلى نباتات أو أطعمة تفيد في علاج العديد من الأمراض، ونظراً لخبرتهم في هذا المجال يستطيعون اكتشاف خطأ هذه المعلومات، فكيف بالشخص العادي، ولاسيما إن كان مريضاً، ويسعى لخوض التجربة أملاً بالشفاء وبأقل التكاليف، لكن يفاجأ أن سعر الوصفة المزعومة يفوق سعر الدواء وأجرة المعاينة عند الطبيب، بل وبعض التحاليل والصور.

   مضاعفات كبيرة

وفي هذا السياق قال الدكتور غزوان الجبور الاختصاصي في الصحة النفسية: إن من المخاطر التي لمسناها بين المرضى، أن هناك قسماً كبيراً يأتي إلينا ويتكلم عن هذه الوصفة أو تلك، وهناك من يصدقها ويطبقها ويترك الدواء الذي نوصفه له، أو أي طبيب معالج، وأضاف ربما يتم ذلك لسهولة الحصول على ذلك النبات أو سهولة تناوله أو رخص ثمنه أو غير ذلك، لكن المشكلة الأكثر خطورة تكمن في أن هذا المريض يأتي إلينا بمضاعفات المرض الذي كان يعاني منه، وذلك لأنه ترك علاجه واتبع طريقاً آخر لا علاقة له بحالته الصحية، ولذا كان من الواجب أن ننبه إلى ضرورة الالتزام بالعلاج الطبي الموصوف من الطبيب المختص وعدم التحول عنه إلى أي بديل آخر من تلك التي تظهر على صفحات التواصل الاجتماعي، وإنما عن طريق طبيب آخر في ذات التخصص إذا لزم الأمر حتى لا تتأثر حالة المريض سلباً بترك الدواء المناسب وتبدأ في التأخر وظهور المضاعفات، وبما قد يؤدي ذلك لكوارث لا تحمد عقباها على الشخص طالب العلاج.

وأضاف د. الجبوري: هنا تتحول التكنولوجيا من نعمة لنقمة ولسموم تؤذي من حولها دون أن يكون هناك أي محاذير أو ضوابط تنظم عمله.

وأوضح من الضروري ألا يجب الاستناد إلى المعلومات الطبية المقدّمة من أي موقع، لأن المعلومات الطبية قابلة للتغيير بسرعة، وقد تكون المعلومة قد انتهت صلاحيتها أو خاطئة، لذا يجب الابتعاد عن تطبيق أي وصفة طبية منتشرة عبر المواقع الإلكترونية بغرض تشخيص أو علاج أي حالة مرضية من دون إشراف الطبيب، لأنه من الضروري جداً أن يتم التشخيص مباشرة من قبله، وتشخيص المرض يعتمد على استجواب مفصّل لمعرفة تاريخ المرض وفحص سريري دقيق للمريض ووصف تحاليل مخبرية أو إشعاعية أو منظاريه إن تطلب الأمر.

  انتشار مخيف

بدوره أكد مدير برنامج طب الأسرة في وزارة الصحة الدكتور مجيد هلال البيطار أن انتشار الوصفات العلاجية الطبية على وسائل التواصل الاجتماعي (مثل الفيس والانستا)، يشكل خطراً على الصحة العامة، لما للسوشيال ميديا دور في التأثير والترويج للوصفات الطبية والطب البديل وطب الأعشاب والمواد الغذائية والأدوية غير المرخصة أو المغشوشة كبدائل عن العلاج الدوائي المرخص نظامياً والمثبت بالبراهين والأدلة والدراسات.

وأضاف: أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة منبراً رئيسياً لتبادل المعلومات، إلا أن خطورتها تتضاعف عندما يتعلق الأمر بالصحة والعلاج، إذ انتشر بشكل ملحوظ الترويج لوصفات طبية وأعشاب وخلطات بديلة، غالباً من دون سند علمي أو إشراف طبي، وهو ما يهدد سلامة الأفراد والمجتمع، وهي ظاهرة خطيرة في السنوات الأخيرة، وتحمل العديد من المخاطر الصحية والاجتماعية.

وأوضح د. البيطار أنه تكمن خطورة هذه الظاهرة في عدة جوانب، أولها انتشار المعلومات المضللة التي قد تُظهر الوصفات على أنها “علاجات معجزة”، في حين أن بعضها قد يسبب مضاعفات خطيرة أو يتعارض مع الأدوية الموصوفة من الأطباء، كما يؤدي الانسياق وراء هذه الادعاءات إلى تأخير العلاج الصحيح، ما يُفاقم حالة المريض ويقلل فرص الشفاء، إضافة إلى ذلك، تُستغل حاجة المرضى من قبل بعض المروجين لتحقيق مكاسب مادية على حساب صحة الناس.

 آمال زائفة

وقال: لا تقف المخاطر عند الجانب الجسدي فحسب، بل تمتد إلى الجانب النفسي والاجتماعي؛ إذ تُغذّي هذه الوصفات آمالاً زائفة خاصة لدى مرضى الأمراض المزمنة، وتزرع الشك في الطب الحديث والمؤسسات الصحية، كما أن انتشار وصفات مجهولة المصدر والكثير مما يُنشر ليس له أساس علمي، وغالباً ما يكون الهدف تجاري أو لجذب الشهرة وليس الصحة العامة.

وأضاف مدير برنامج طب الأسرة: إن الاستخدام غير المدروس لهذه الوصفات خصوصاً عند كبار السن والأطفال قد يؤدي إلى تدهور حاد في الصحة، كما حدث في حالات واقعية استدعت نقل المرضى إلى المستشفى، ومن الأمور الشائعة بهذا المجال هو الترويج لمنتجات بدون ترخيص أو رقابة (فالعالم الفضائي مفتوح والرقابة شبه معدومة)؛ وتلك المنتجات غالباً ما تحتوي على مواد ضارة ولا تحقق الفائدة المزعومة، كذلك اعتماد البعض على تجارب أشخاص غير مختصين: أي ما يسمى تبادل التجارب الشخصية على أنها نصائح طبية يؤدي إلى نتائج عكسية، فليس كل ما ينفع شخصاً يصلح للآخر، فضلاً عن خداع المستهلكين بمظهر الخبرة الطبية الزائفة، حيث يفتعل بعض المروجين شخصية الطبيب أو الصيدلي ويدخلون مصطلحات طبية للإيهام بالمصداقية، ما يسهم في انتشار الخطر.

وأشار إلى أن الجهل بمخاطر الإفراط في استخدام الأعشاب أو المكملات أمر غير مقبول حيث يظن كثيرون أن الأعشاب آمنة دائماً، وهذا غير دقيق، خاصة أن تعاطيها بكميات كبيرة أو مع أدوية أخرى قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة.

  الحلول

ولمواجهة هذه المشكلة، قال البيطار: تبرز الحاجة إلى حلول متكاملة، تبدأ بالتوعية الرقمية عبر حملات تثقيفية تكشف مخاطر الوصفات العشوائية، مع تعزيز حضور الأطباء والصيادلة على المنصات لتقديم محتوى علمي مبسط وموثوق، كما ينبغي سن تشريعات تجرّم الترويج العشوائي للمنتجات الطبية والعشبية غير المرخصة، إلى جانب التعاون مع شركات التواصل الاجتماعي للحد من انتشار هذا النوع من المحتوى، ووضع علامات تحقق للمصادر الطبية الموثوقة. وهذه بعض التوجيهات المقترحة بهذا المجال: كضرورة استشارة الطبيب أو الصيدلي قبل استخدام أي وصفات أو منتجات غذائية أو عشبية، وعدم تصديق الإعلانات أو العروض على الإنترنت إلا بعد التأكد من الترخيص والمصدر العلمي، وكذلك توعية المجتمعات بخطورة هذه الظاهرة وتفعيل دور الرقابة القانونية والمعاقبة على الترويج للوصفات المضللة، والحصول على المعلومات الطبية من مصادر رسمية فقط (وزارة الصحة – الأطباء المرخصون)، ورفض شراء المنتجات أو وصفات العلاج التي ليس لها تصريح أو دراسة علمية موثوقة، كذلك الحذر من الانسياق وراء الشهرة أو تجارب المؤثرين غير المختصين في المجال الطبي.

وختم مدير برنامج طب الأسرة بأنه يترتب على الوزارات والجهات الرسمية المسؤولة والمعنية في المجال الصحي ومحدداته الاجتماعية، تعزيز الوعي الصحي والإعلامي ومسؤولياته منذ المراحل الدراسية المبكرة، لأنه يمثل حجر الأساس ضد هذا النوع من التضليل، فالصحة مسؤولية مشتركة، وحمايتها تبدأ من التحقق من المعلومة قبل الانسياق وراء أي وصفة منتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي.

آخر الأخبار
ذكرى الكيماوي في الغوطتين.. جرح مفتوح وذاكرة عصيّة على النسيان قلب شجاع من تل أبيض ينال التكريم.. أبو عبدالله يثبت أن الإنسانية أقوى من المستحيل   مدير منطقة حارم يزور كلية الشرطة ويقدر جهودها في تخريج دفعة مكافحة المخدرات   بين الدخان واللهيب..  السوريون يكتبون ملحمة التضامن 6000 هكتار مساحة حرائق ريف حماة     طفولة بلا تعليم.. واقع الأطفال النازحين في سوريا   حلب تبحث عن موقعها في خارطة الصناعات الدوائية  الرئيس الشرع يصدر المرسوم 143 الخاص بالمصادقة على النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب مدير المخابز لـ"الثورة": نظام إشراف جديد ينهي عقوداً من الفساد والهدر زيادة غير مسبوقة لرواتب القضاة ومعاونيهم في سوريا  الشيباني يبحث مع نظيره اليوناني في أثينا العلاقات الثنائية وقضايا مشتركة عاملة إغاثة تروي جهودها الإنسانية في سوريا ريف دمشق تستعيد مدارسها.. وتتهيأ للعودة إلى الحياة حماية التنوع الحيوي وتحسين سبل العيش للمجتمعات المحلية في البادية تحسين واقع الثروة الحيوانية في القنيطرة استئناف الصفقات الضخمة يفتح آفاقاً أوسع للمستثمرين في سوريا    اتوتستراد درعا- دمشق.. مصائد الموت تحصد الأرواح  تفريغ باخرة محملة بـ 2113 سيارة في مرفأ طرطوس وصول باخرة محملة بـ 7700 طن من القمح إلى مرفأ طرطوس تحميل باخرة جديدة بمادة الفوسفات في مرفأ طرطوس اليوم شوارع حلب بين خطة التطوير ومعاناة الأهالي اليومية