ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير عـلي قـاســم
ترتسم معالم المشهد الإقليمي من بوابته الدولية، ويأخذ عناوينه التفصيلية في جزء منها على الأقل من التحذير الروسي العاجل من تهوّر أميركي يقترب فيه من حافة المحظور السياسي الذي أوصل الأمور إلى نقطة استعصاء
سيكون من المحال التعاطي معها من دون الأخذ بالسياق الموازي الذي استحضر معه صورة الكاوبوي، وأرفقها بالكثير من تعويذات السياسة الممزوجة بمقاربة تحاكي فجوراً إضافياً بلغة تختفي منها السياسة أو تكاد، فيما تحضر كل لغات القوة وبجميع اللهجات المتدرجة في حدتها.
فالذريعة لم تعد الكيماوي الذي أقرّ وزير الحرب الأميركي بأن لا أدلة لها مقنعة لديه، ولا تتصل بالتعويذة الأممية بنسختها الإنسانية، ولا ترتبط بالرؤية القاصرة والممسوخة لمجلس حقوق الإنسان المصادر غربياً، وإنما بخرق منطقة تخفيف التصعيد في المنطقة الجنوبية، التي لم يمرّ يوم من دون أن يخرقها المرتزقة ورعاتهم الإقليميون والدوليون، والذي استدعى الدعوة لاجتماع عاجل لم يتطلب سوى ساعات قليلة ليلتئم مكانياً، فيما كانت التحضيرات الأميركية تسبقه بساعات لشنّ عدوان كانت لوحت به المندوبة الأميركية في مجلس الأمن، واستدعى ذلك التحذير الروسي بسقفه المرتفع.
فالعودة الأميركية للنفخ بمرتزقة الجنوب ومن البوابة الأردنية، ومن داخل الكنف الملكي كملاذ للترويج لبضاعتها، لم يكن ليحصل لولا جملة من المؤشرات الموازية التي برزت في الساعات الأخيرة، وتحديداً في الغوطة الشرقية التي أفلتت خيوطها من بين الأصابع الأميركية، وصولاً إلى احتراق الأوراق التي طالما كانت ذريعة واشنطن الدائمة، ليعلو صوت تهديدها ووعيدها مقترناً بمعطيات تؤشر إلى أنها خطوة استباقية تمارس من خلالها أميركا أقصى درجات الضغط السياسي والابتزاز الرخيص، وصولاً إلى تجارة الوهم التي تزدهر لدى أركان الإدارة الأميركية كلما عصفت بها وبخططها الاستعصاءات المزمنة، فيما تتحول لدى مرتزقتها وأدواتها إلى ورقة تعوّل عليها في بيع وشراء الوهم الأميركي مراراً وتكراراً.
عودة النفخ في الأدوات الأميركية داخل المنطقة وخارجها وتعويمها فرض معايير محددة وضاغطة على الأميركي نفسه، حيث الحال الأردني المتردي ليس أفضل في تموضعاته المتبدلة من باقي الأدوات الوظيفية في المنطقة، بل يبدو أسوأها على الإطلاق، حين يحاول الأردن الرسمي أن يجاري الوهم الأميركي وأحياناً يزاود عليه ويضيف، لتكون له حصته من تجارة الوهم تلك، خصوصاً أنه يواجه مأزقاً متفاقماً ووضعاً يضطر من خلاله لتبديل اصطفافاته السياسية تبعاً للمشهد الإقليمي تارة، ووفقاً لاحتياجات المشروع الأميركي تارة ثانية، وفي ثالثة حسب هواجسه الذاتية، فتضيع بوصلة خياراته ، ويعجز عن إرضاء الأميركي والإسرائيلي معه، فيما يخسر رهاناته بالتتابع على المشيخات الخليجية التي تريد تحويله إلى مطية في صراعاتها البينية.
الاستدراك الأميركي في العودة إلى إحياء الدور الأردني بعد نعيه أكثر من مرة، ليس الأول من نوعه، ولن يكون الأخير، لكنه يأتي في الوقت بدلاً من الضائع، والمسألة ترتبط في جذرها الأساسي بمحاولة مستميتة للعودة إلى سياسة بيع الوهم، لكن الفرق الأساسي أن الوهم كان تجارة رائجة يتسابق عليها رعاة الإرهاب قبل الإرهابيين، ويتخاصم حولها وكلاء الحرب الأميركية الإقليميون والدوليون قبل المرتزقة، أما اليوم فهذه التجارة تبدو مفلسة لأن بضاعتها كاسدة.. والمغريات فيها تكاد تكون معدومة، إلا لأولئك الذين يلوذون بالقارب الأميركي للنجاة من الغرق، في تعويل أخير لكيلا يكونوا في المحصلة النهائية مجرد فرق حساب في الصراع القائم بنسخته الإقليمية والدولية على حد سواء.
المعضلة أن التصعيد الأميركي ليس مصادفة عبثية، والتهديد بالعدوان ليس مجرداً من أوراقه الخادعة وذرائعه التي تنبت في اللحظة التي يريدها أو يحتاجها الأميركي، وهذا كله يضاف إلى عوامل الانزلاق نحو الهاوية والتي باتت تعاني من فائض في المسببات والاحتمالات، لأن التحذير الروسي من العواقب الوخيمة لأي عدوان لم ينطلق من فراغ، حيث التسخين الأميركي أبعد من ابتزاز.. وأخطر من ترويج لتجارة الوهم، وله تداعياته ومخاطره، والأدهى أنه يوفر البيئة للرسائل الخاطئة التي تخطها أميركا في كل الاتجاهات، وحين تتعمد أميركا الخطأ فعلى العالم أن يتحضر للأسوأ والأخطر…!!!
a.ka667@yahoo.com