ثورة اون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
قد يكون من باب المصادفة غير البريئة التزامن بين التغييرات الصادمة في توقيتها وطريقتها في الخارجية الأميركية، والتصعيد والتسخين السياسي والدبلوماسي مع حملة منظمة من الاتهامات التي طالت روسيا على خلفية فبركات بريطانية عن استخدام غاز الأعصاب على أراضيها،
في توصيف سياسي دعائي تحوّل لاحقاً إلى ماركة مسجلة باسم بريطانيا في اختلاق الذريعة لتبرير هجومها على روسيا، لتعيد للأذهان فبركات المنظومة الداعمة للإرهاب في توقيت لا يمكن الخطأ في قراءته سياسياً على الأقل، وخصوصاً مع المفاعيل السياسية اللاحقة على مستوى المنظومة الغربية.
المشهد لا يحتاج إلى الكثير من الوقت لفهم الأبعاد والخفايا، ولا الاستدلال على المنطق الغربي في تفسير هذا التحشيد.. وصولاً إلى محاولة تجيير مجلس الأمن في قضية تبدو حمالة أوجه ولا تستدعي انعقاد الجلسة، كما تفتقد للحد الأدنى من مبررات التصعيد.. وصولاً إلى لغة الإنذارات التي أعلنت روسيا رفضها المطلق لها تحت أي ذريعة كانت، ولاسيما حين تفتقد للأدلة والقرائن وتتهرب بريطانيا من المواجهة السياسية.
غير أن البداية الأميركية غير المفاجئة بإقالة تيلرسون كانت تشي ببدء تحرك أوسع وأشمل، بحيث يمكن للمصادفة حينها أن تعطي الفارق بين التعمد السياسي والبحث عن ذرائع للتصعيد تكون فيها الدبلوماسية الأميركية أكثر انسجاماً مع متطلباته، وتترك للإضافات الاستخباراتية أن تفعل فعلها، وتترافق مع ضخ سياسي وإعلامي وتجيير للمنابر الدولية، بحيث تتحول قصة عميل -عليه أكثر مما هو له -إلى أزمة دبلوماسية دولية، وإلى مواجهة سياسية ساخنة لا يمكن بأي حال من الأحوال وفق المعطيات الحسية وطريقة التسخين أن تنتهي بالسياسة، ولا أن تحل بالدبلوماسية، بدليل أن الإجراءات البريطانية كانت سابقة لأي موقف.. ومحكومة في توقيتها بتسارع وتيرة خطواتها، حيث لم تترك للدبلوماسية مكاناً ولا للسياسة دوراً.
الأدهى من ذلك أن يأخذ الإسقاط السياسي والدبلوماسي بعداً أكثر وضوحاً، حيث تراكم على التجربة الغربية من حيث بدأتها مسبقاً باتهامات زائفة وأحياناً ساذجة، لتأخذ إلى سياق المقارنة مع تلك التي حملتها أكف المنظومة الداعمة للإرهاب، وتفتح الباب على مصراعيه أمام المقارنة بضرورتها السياسية والميدانية على آليات الاتهام الغربية، التي طالت سورية بحكم ما عرفته من تراكم التجربة الغربية والاستفادة منها لاستدراك جوانب القصور في تلك التجربة وسد الثغرات الفاضحة في فبركاتها وأكاذيبها.
الربط هنا في الاتهامات يحاكي من حيث المشهد الربط بين إقالة تيلرسون وبدء حملة الاتهامات البريطانية، وهو أيضاً يتشابه أو يتقاطع مع التداعيات الناتجة بين الحدثين، حيث تغيير رأس الدبلوماسية الأميركية يجسد حدثاً بحد ذاته له دوافعه وأسبابه، والأهم تعبيراته عن مدى التأزم داخل الإدارة الأميركية، بينما الاتهام الأجوف لروسيا يعكس بالقدر ذاته حدود التأزم داخل المنظومة الغربية، وإشهارها الحرب على روسيا لا يمكن بأي حال عزله عن حربها القائمة على سورية منذ سبع سنوات، ولا نفي الروابط المباشرة وغير المباشرة في المجابهة التي ترتفع وتيرتها.
واللافت في الحالين أن التغيير في رأس الدبلوماسية الأميركية شكل مدخلاً أو قصفاً تمهيدياً لتغييرات في الخطاب الأميركي يجاري الهجوم البريطاني المتهور، والمبني على افتراءات لا سابق لها تجسد إشارة بدء الهجوم، حيث تأخذ المصادفة بعداً إضافياً وترمي بأوراقها داخل المشهد الدولي، الذي يواجه مأزقاً صدامياً تستخدم فيه المنظومة الغربية كل وسائلها غير المشروعة، وتعتمدها في المواجهة المفتوحة التي بلغت ذروتها في تراشق خطابي كان الأشد سخونة منذ الحرب الباردة، باعتباره مدخلاً تمهيدياً لحرب ساخنة، لا تقف عند حدود الذرائع ولا تأخذ بكثير من قواعد الاشتباك.
المشهد الصدامي القائم يؤشر إلى حالة استعصاء ولّدت تلقائياً جملة من المآزق الحادة في الخطاب الغربي، الذي ينحو باتجاه تصدير أزماته سواء التي ارتبطت بمفاعيل وتفاعلات إقالة وزير الخارجية الأميركية، أم كانت مرتهنة لمفاهيم وحسابات ومعادلات التجيير البريطاني والتحشيد الأميركي الفرنسي الألماني، وهي في نهاية المطاف تعيد رسم قواعد اشتباك، وإن كان من السابق لأوانه تثبيت إحداثياتها الجديدة، بحكم أن السقوف العالية التي ينحو باتجاهها الخطاب الغربي يؤجج المواجهة وفق معايير لم يكن قادراً حتى اللحظة أن يفصل بين التأزم البنيوي الحاصل، وبين مقارباته المغلوطة التي تعيد خلط الحابل بالنابل.
a.ka667@yahoo.com