والناس يمارسون اللامبالاة في حياتهم حيال أمور كثيرة، وأحداث أكثر تحيط بهم وكأنها تنبع من حولهم، وقد يكون منها ما يستحق أن يستأثر بالاهتمام لكنهم لا يفعلون.. وفجأة نجد ألوفاً منهم يركزون على غلاف كتاب دون غيره من الكتب بكل المبالاة..
كتاب لم يتعرفوا اليه إلا من غلافه.. وفقط لأن لاعب كرة قدم أصبح مشهوراً، وعالمياً كان يمسك بذلك الكتاب حين ظهر في صور الصحافة البيضاء، والصفراء، وبكل الألوان عندما تتبعت خطوات ذلك النجم الرياضي.. ولا ندري إن كان هو قد قرأ في الكتاب، أم تصفحه، أو التقطه بمصادفة ما تزامنت مع الصورة التي التقطت.
هكذا بدأت القصة التي سارت بها رحلة الكتاب ليدخل سباق الأكثر مبيعاً، وليصبح عنوانه الأكثر رواجاً، وليذيع صيته في كل الأرجاء.. ومن لم يسمع بتلك الواقعة فسيطالعه الكتاب في نشرات الأخبار، وفي قصص المشاهير، والشطار. لم يسأل أحد عن اسم مؤلفه، ولا عن مدى جودة نصه، ولا عن مترجمه وناشره، ولا عن سر صفحاته.. بل نسوا عنوانه الاصلي ليعرّفوه باسم اللاعب الشهير.
أما الصورة التي كانت سبباً فقد تم تداولها عبر المواقع الإلكترونية آلاف المرات.. والأطرف من هذا أن المعجبين تسابقوا في البحث عن ذلك الكتاب عبر محرك البحث ليقتنوا نسخة منه. ويقول خبر إن كلمة (لامبالاة) قد اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي في الدول العربية لعدة ساعات تزامناً مع تداول الصورة.. ليس اهتماماً بمضمون الكتاب، ولا بما إذا كان سيضيف الى قارئه.. بل كل ما في الأمر أن جموع الناس من الجماهير المتابعة للرياضة، والرياضيين وخاصة من فئة الشباب أرادوا أن يتقربوا من نجمهم المحبوب، وأن يقلدوه.. ولا خطأ هنا في التقليد باكتساب المعرفة، والاقتداء مادام ذلك الرياضي الذي أصبح محط الأنظار قد أثبت تفوقه، وأعطى صورة إيجابية لكل من لديه طموح للنجاح، والارتقاء.. لكن سؤالاً واحداً ظل يشغلني: هل كل من اقتنى الكتاب قد قرأه؟
هذا يعيدنا الى مربع كاد أن يُنسى ألا وهو خلق النماذج القدوة في المجتمعات لتكون مثالاً يقتدي بها أبناء المجتمع الواحد، ومن هم في مرحلة الشباب على وجه الخصوص.
هذه الحادثة البسيطة التي تتلخص بكتاب، وقصة شاب رياضي أثبت نجاحه حتى غدا محط إعجاب شريحة كبيرة من الشباب في العالم، والعربي منه على الأخص استوقفتني لأبحث عن نماذج معاصرة تكون قدوة مؤثرة في مجتمعاتنا فما وجدت أننا نكرّس لذلك.. بل نفتح الأبواب واسعة لصرعات الغرب ليصبح أصحابها هم النماذج التي يقلدها كل من لا يجد له نموذجاً قدوة من أبناء عروبته.. وكأن الساحة العربية قد غدت خاوية بينما الواقع هو العكس، والنماذج الرائدة، والرائعة أكثر من أن تحصى لكننا لا نكرس لها، ولا نوجه الأضواء باتجاهها.
وبما أننا لم نكرس لنماذج قدوة في مجتمعاتنا فإن شبابنا يختارون قدوات لهم ممن تطالهم الشهرة سواء أكانوا من النماذج الانسانية المتفوقة والرائدة، أو ممن ليسوا كذلك.. وهنا تكمن الخطورة في الاقتداء بالنماذج التي ينتقونها وقد لا يحسنون اختيارها.
ومما قيل عن الكتاب الذي غدا شهيراً إن: «المرونة، والسعادة، والحرية كل تأتي من معرفة ما يجب الاهتمام به، لكن الأهم هو معرفة ما ينبغي عدم الاهتمام به». عبارة تستوقف قارئها، واستوقفتني وأنا أبحث عمن يعيد النظر فيما تحتاجه مجتمعاتنا فعلاً، وفيما يجب أن نسقطه من حساباتنا من كل ما هو سطحي مزيف.
ويكفي أن نراقب كيف أن صرعة جديدة لا تحمل أي معنى ظهرت في الغرب، وهي الرقص الى جانب السيارة وهي تسير، قد اجتاحت البلدان العربية، والمواقع الإلكترونية، لتسود كما الزي الذي يشيع، حتى نقول: ما بالنا نهتم بما لا يستحق منا الاهتمام، أو الالتفات نحوه.. وننسى ما يجب أن نكرّس له؟.. وبين المبالاة، واللامبالاة تقع أسئلة، وإجابات.
لينـا كيــلاني
التاريخ: الجمعة 3-8-2018
رقم العدد: 16753