ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير علـي قـاسـم:
يستنفر النظام التركي أوراق ابتزازه غرباً وشرقاً، فيما سعاره السياسي يبلغ ذروته، وهو يشتاط في صراخه الذي لا يخلو من تهديد ووعيد يُشبهُه ويعكس حالته المأزومة، وصل حد التلويح بفتح الأبواب أمام مرتزقته وإرهابييه للانطلاق باتجاه أوروبا،
التي باتت الفزاعة الأكثر استخداماً والأكثر إثارة في ابتزازها سياسياً، وسط تباين حاد في المقاربات الأوروبية التي بدت أكثر تهوراً في التعاطي مع المساومات التركية.
عنق الزجاجة الضاغط على النظام التركي يفقده في أغلب الأحيان القدرة على التفريق بين المصالح التركية وبين ما يُلزم به نفسه من التزامات تفوق طاقته وتتجاوز كثيراً قدرته، وتتحول إلى مشهد من الورطات السياسية التي يزجّ نفسه فيها، بدليل أن الكثير من التعهدات التي قدمها انتهت إلى كارثة حقيقية وعبء يثقل على نظام أردوغان، ويفتح أمامه أبواباً سبق له أن دفع ثمناً غالياً كي يغلقها، وربما في بعضها لا يزال عاجزاً عن سد الثغرات، والأخطر أن بعضها يستحيل عملياً.
فالأوراق الإرهابية التي كانت بيضة القبان التي ساوم عليها حلفاءه وخصومه على حد سواء، بدت في هذه الأيام تشكل الورقة الأصعب المستخدمة ضده، حيث باتت نقطة الضعف الأكثر تداولاً في السياسة والدبلوماسية، وباتت هاجساً يؤرق الخيارات التركية، فيما تحولت لدى أغلب الأوروبيين إلى كابوس رعب يستخدم فوبيا اللاجئين كممر أو معبر لعودة الآلاف من الإرهابيين الذين بالغ أردوغان في تدليلهم وتسمينهم، وباتوا الورقة الأكثر استخداماً في المساومات السياسية.
الهزيمة المحسومة للإرهابيين في إدلب رفعت من السُعار الغربي عموماً، باعتبارهم آخر ما في الجعبة الغربية، في محاولة يائسة تدق لها طبول العربدة والتهديد بالعدوان قبل التسليم بانهيار مشروع استخدام الإرهاب، فيما التركي يجد المأزق مزدوجا حيث المعضلة ليست في انهيار المشروع الإرهابي فحسب، بل في تبعات الانهيار التي سيدفع ثمنها، وقد يكون باهظ التكلفة ويصل حدود الانهيار السياسي، وهذا ما أوجد أرضية مشتركة للتوافق مع الأوروبي والتقاطع معه على الهواجس ذاتها، فيستحضر الذرائع نفسها ويرسم سيناريو العدوان ومجسماته بالطريقة عينها، وإن اختلفت التداعيات وتباينت الأثمان السياسية تبعاً للأدوار والمهمات الوظيفية.
اللغط المزدوج الناتج عن القراءات المتسرعة والمتباينة يحاول فرض إيقاعه في سياق المحاولة المحمومة لخلط الأوراق، بدليل التشكيك المتواصل والتسريبات المتعمدة، والتهويلات والتهويمات المفرطة التي يسوقها الخطاب الغربي الرسمي والإعلامي، وفي بعض جزئياته يشكل سياقاً إضافياً لتصدير الأزمات، ومنهجاً لتوريد الخطاب المأزوم الذي يصطدم بالتباين الحاد في أولويات التحالفات الغربية، والعلاقات بين أصلاء الحرب الإرهابية ووكلائها المعتمدين أميركياً ليظل الفارق هنا محصوراً في المرتزقة الذين يظلون وقوداً احتياطياً لأي مغامرة، وورقة تشتعل فيها نيران الشك المتبادل.
في التوقيت يبقى سُعار أردوغان هو الطاغي، والذي يشهد فصولاً غير مسبوقة من الابتزاز الرخيص والمساومة المبتذلة شرقاً وغرباً.. شمالاً وجنوباً، والتي يرى فيها طريقاً وحيداً للتخفيف من حالته المأزومة وما يعتريها من تورم في الوهم، حيث عنق الزجاجة لم يعد يؤشر إلى استعصاء مؤقت بقدر ما هو مزمن يطول النظام التركي وخياراته ويحدد مستقبله السياسي.. وربما مصيره القادم ..!!