نية الامتناع عن المشاركة في أي عدوان تقتضي خروج هذا الطرف أو ذاك من قطاره، بدل التنقل بين عرباته، لأن ذلك لن يجدي نفعاً، ولن يضعه أمام مسؤولياته، ولهذا فالمتتبع للسياسة الأميركية يستنتج بنفسه، أن هوة كبيرة تفصل بين أقوال مسؤوليها وأفعالهم،
وبالتالي فإن الحيطة والحذر ضروريان في ظل القرار الأخير الذي اتخذته بالانسحاب من أماكن وجودها في سورية، حتى وإن نقلت جزءاً من قواتها إلى أربيل العراقية، ولاسيما أن إدارة ترامب ومن يتبعها من أنظمة إقليمية و«عربية» لم تأخذ بعين الاعتبار أن المنطقة تمر بمرحلة حساسة وخطيرة، وأن مسار التحولات بات واضحاً، وحبال المناورات التي تعوّل عليها باتت رثة وسوف تنقطع.
إسرائيل أيضاً ليست بعيدة عن مشهد التطورات، وقرار أميركا الغامض، وتراها تنجرف بين الحين والآخر لامتطاء غرائزها، وارتكاب الحماقة أو اعتلاء الجنون، ظناً منها بأن ستكون قادرة على افتتاح منافذ لإطالة أمد الأزمة، لكن في كل مرة ترتد على أعقابها خاسرة مكسورة الجناح، نتيجة الصحوة الدائمة لدفاعاتنا الجوية، وتغيير قواعد الرد والتوازن الاستراتيجي.
على وقع التناقض الأميركي في المواقف، والتذبذب التركي بشأن مكان الوقوف والاصطفاف، والهلع الإسرائيلي من النتائج المحسومة لمصلحة سورية، يتنقّل الإرهابيون المتكورون في المناطق التي توجد فيها عناصر القوات الأميركية من كتف لآخر، بعد أن باتوا محاصرين بالجيش العربي السوري من جهة، والباصات الخضراء التي فاتهم الصعود إليها قبل عدة أشهر خلال موجة هجرة أمثالهم إلى الشمال من جهة ثانية، وهو ما يجعل أشباههم في مناطق ما يسمى شرق الفرات يستجدون الوكيل الفرنسي للاتكاء والتعكز عليه، نتيجة إدارة الأميركي ظهره لهم وتركهم لمواجهة مصيرهم بأنفسهم، بعد نحو ثماني سنوات من التعويل والمراهنة عليه.
الأميركي أوكل مهمة استكمال دعم الإرهاب لأدواته بعد أن أيقن بأن مشروعه الاستعماري دخل في نفق مسدود، ليتنطح نظام أردوغان بأخذ الوكالة الحصرية إلى جانب شريكه الصهيوني في المضي قدما برعاية التنظيمات الإرهابية والدفاع عنها في محاولة عبثية جديدة لتعويمها وفرضها كأمر واقع، ولكن كل الدلائل والتطورات الميدانية تشير اليوم إلى أن الولايات المتحدة، وأدواتها من العثمانيين، والمستعربين الجدد قد هزموا في الميدان، وأخفقوا في السياسة، ولم يعد أمامهم سوى خيارين اثنين، إما الاعتراف بالهزيمة، أو الاستمرار في دعم الإرهاب لإطالة أمد الحروب في المنطقة، ولكن انتصار سورية على الإرهاب، بات أمرا واقعا، وأقطاب منظومة العدوان أصبحوا يعترفون بهذه الحقيقة، ويقرون بفشل مخططاتهم، ولذلك بدؤوا اللعب مجددا على حبال المناورات، علهم يحصلون في الوقت المستقطع على ما عجزوا عنه طوال سنوات الحرب الإرهابية التي شنوها على سورية، وهذا من المحال.
كتب حسين صقر
التاريخ: الجمعة 28-12-2018
الرقم: 16872