متابعتي الدقيقة للمنتخبات الوطنية السورية وخصوصاً منتخبنا الأول غالباً ما كانت تٌصرف في جسدي هماً وغماً وأسى ومرضاً، تماماً كما حصل في ذلك اليوم الخريفي من العام 1988 والذي شهد خسارة منتخبنا الوطني للشباب أمام نظيره العراقي في المباراة النهائية لكأس آسيا التي أقيمت حينها في العاصمة القطرية الدوحة، بعد انحياز تحكيمي واضح من قبل حكم كويتي لم يتردد في إعادة ضربتي جزاء للمنتخب العراقي تصدى لهما ببراعة حارس منتخب سورية الرائع في ذلك الوقت عبد المسيح دونا، وكانت حجة الحكم المبتذلة حينها بأن الدونا قد تحرك قبل أن يسدد اللاعبان العراقيان الكرة.
طال ليلي وليل السوريين الحزين في ذلك المساء ليتصل بصباح وجدت أمي نفسها مضطرة لنقلي بحالة إسعافية وعلى جناح السرعة إلى عيادة الدكتور فانوس، الطبيب الفلسطيني المقيم آنذاك في مصياف وكانت حالتي الصحية والنفسية قد ساءت بشكل كبير ومخيف، نجح الدكتور فانوس في خفض حرارتي، لكن حديثه يومها عن ضرورة التحلي بالأخلاق الرياضية ولا سيما أن (الفريقين عربيان ولا يستدعي الأمر كل هذا الحزن) ساهم كذلك في رفع ضغطي بذات النسبة التي ارتفعت بها حرارتي، عدت إلى البيت وأنا أقتات لأسابيع على وهم سره إلي ابن جيراننا الذي أُسعف حينها إلى دكتور قريب آخر، وهم يقول بأن اتحاد كرة القدم الآسيوي قد قرر إعادة المباراة نظراً للظلم التحكيمي الكبير الذي لحق بالمنتخب السوري، لم تُعد المباراة، لكن الذي أعيد كان أجواء الخيبة المرافقة لها مع كل خروج حزين لأحد المنتخبات الوطنية السورية من تصفيات كأس العالم ومن تصفيات أو نهائيات كآس آسيا، مع فارق أنني كبرت وبدوت أكثر استعداداً لتوطين نفسي على تقبل أي هزيمة جديدة ستلحق بالمنتخب السوري دون أن يفتر حماسي يوماً لقميص منتخب بلادي وعلمه ذي العينين الخضراوتين.
لم ينس الدكتور فانوس ذلك الطفل الذي أسعف إليه يوماً بسبب مزاج حكم أراد أن يتماهى وعلى طريقته الخاصة مع سياسة بلاده المتحالفة حينها مع عراق صدام حسين، بقيت نظراته تراقبني بعين الفضول كلما اجتمعنا يوماً تحت سماء مصياف، وكانت ابتسامته الدائمة حين رؤيتي عنواناً لاستحضاره مشهد دخولي الإسعافي على عيادته عشية المباراة الشهيرة، أذكر أنه استوقفني يوماً على باب عيادته قبيل أيام من تصفيات كاس آسيا وكنا حينها مرشحين فوق العادة للخروج المبكر من هذه التصفيات ليسألني بالكثير من الدهاء الممزوج بدعابة جميلة (شو كيف وضع المنتخب بالتصفيات ؟؟؟؟)
كاد المثل العامي الشهير يقفز من لا وعيي إلى طرف لساني، لولا أن عينيَ قد تسمرت فجأة على اسم الدكتور المرسوم بعناية فائقة وبالحجم الكبير على لوحة عيادته، تداركت الموقف بابتسامة خجولة وعدت أدراجي إلى مربع حبي الأول وخيبتي المعلقة حتى إشعار آخر.
محمد عيد – مراسل قناة المنار في دمشق
التاريخ: الأحد 13-1-2019
الرقم: 16883