التدخل الغربي في الشرق الأوسط مسؤول عن أزمة المهاجرين

 

 

 

منذ أمد ليس ببعيد شوهد قارب مطاطي أسود اللون يبدو أنه كان يحمل على متنه ركابا تركوه على شاطئ دونغينيس في مقاطعة كينت البريطانية، وبعدها تم العثور على ثمانية رجال قيل إنهم إيرانيون أو أكراد، وقد جرى توجيه أصابع الاتهام إلى أحد الإيرانيين المقيمين جنوب لندن بمساعدة بعض الأشخاص على عبور القناة بشكل غير شرعي من فرنسا إلى إنكلترا.
لم يكن عدد القادمين إلى المملكة المتحدة بالعدد الكبير في الأشهر المنصرمة، لكن الساسة أخذوا يضخمون الأمور لما يمكن أن يحدث جراء وصولهم للبلاد، الأمر الذي كان ثمة تأثير واسع له في استفتاء بريكس نتيجة لظهور أفواج اللاجئين على شاشات التلفزة ومناظر لقوافل اللاجئين تجتاز وسط أوروبا.
بعد ثلاثة أيام من العثور على القارب المطاطي في شاطئ دونغينيس، كان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يلقي خطابا في القاهرة أفصح فيه عن سياسة ترامب في الشرق الأوسط موجها التأنيب إلى الرئيس السابق أوباما لجهة تقاعسه عن أداء دور مهم في الحروب، وقال بومبيو «إن الولايات المتحدة ستستخدم الدبلوماسية وتتعاون مع شركائها في معالجة معضلات الشرق الأوسط بطريقتها الخاصة».
على الرغم مما ذهب إليه وزير الخارجية الأميركي من استخدام للأساليب الدبلوماسية لوحظ تلويحه بحرب اقتصادية وعسكرية يمكن أن تخوضها الولايات المتحدة في أفغانستان وإيران والعراق وسورية الأمر الذي يؤثر بشكل سلبي على واقع الحياة في هذه الدول.
إن تحقيق أميركا وحلفائها للنصر على إيران وسورية من الأمور المستبعدة إلا أنه لا شك بأن لديهم القدرة على افتعال الأزمات بشكل متوال ودائم في الدول الممتدة من باكستان إلى البحر المتوسط الأمر الذي يجعل أكثر من 170 مليون شخص يعيشون بحالة من اليأس تجعلهم يركبون المخاطر وينفقون مدخراتهم للوصول إلى أوروبا، وإزاء ذلك، على الغرب أن يضع هذا الأمر في اعتباره ويعلم بأن عدم الاستقرار في سورية سيقود بالضرورة إلى عدم الاستقرار في العراق.
لقد كان للحرب والعقوبات التي فرضها الغرب على دول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأثر المدمر الذي قاد إلى هجرات واسعة على مدى السنوات الثماني الماضية، وكان من سذاجة وحماقة بعض الحكومات الغربية عدم قيامها ببذل الجهود لإحلال السلام في المنطقة، لكن عدم خضوعها للمحاسبة من قبل شعوبها إزاء تصرفاتها تلك كان نتيجة لعدم التبصر بالتداعيات التي ستسفر عن التدخل الأجنبي في المنطقة وخاصة ما يتعلق بموجات للهجرة من قبل الذين تعرضت مدنهم وبيوتهم إلى دمار شامل. وأكبر مثال على ذلك ما حدث عام 2011 عندما تلقت قوى المعارضة المتمردة في ليبيا الدعم والمساندة من قبل دول الناتو التي انضوت تحت القيادة البريطانية والفرنسية حيث أتيحت الفرصة للمتمردين بقتل القذافي وإدخال ليبيا في فوضى عارمة تقودها ميليشيات الإجرام التي فتحت الباب أمام المهاجرين للعبور إلى أوروبا حيث غرق الكثير منهم وهم يحاولون اجتياز البحر الأبيض المتوسط. أما في سورية فإن الولايات المتحدة وبريطانيا كانتا على علم ودراية تامين بعدم قدرتهما على تغيير الحكومة السورية، لكن صناع السياسة في البلدين إضافة إلى فرنسا كانت لديهم الرغبة في استمرار الصراع في هذا البلد ومنعه مع حلفائه الروس والإيرانيين من تحقيق النصر الكامل عن طريق إطالة أمد الحرب ما يجعل اللاجئين السوريين يتهيبون من العودة إلى البلاد. ينهج البعض إلى التقليل من آثار الدمار الاقتصادي الناجم عن الحروب الطويلة الأمد وذلك لعدم وضوح الرؤية خلافا لما حدث من تدمير في كل من الرقة وحلب والموصل وحمص. ففي العام الماضي، قمت بقيادة سيارتي في شمال شرق سورية مارا في تلك الأراضي التي كانت تزخر بالزراعات وتنتج الكثير من الحبوب والقطن إلا أننا لم نشاهد سوى قنوات الري الفارغة من المياه وميلا بعد ميل تنحسر تلك الأراضي لتصبح مراعي جافة وقد توقفت مركبتنا نتيجة مرور قطيع من الأغنام التي كانت ترعى في المنطقة القليلة بالأعشاب حيث تحولت تلك الأراضي إلى جرداء قاحلة شبه صحراوية لعدم توفر الكهرباء التي تمكن من ضخ المياه من نهر الفرات.
تسعى الحكومة البريطانية والدول الغربية الأخرى إلى وضع أسس للتمييز بين اللاجئين بسبب الأعمال العسكرية أو اللاجئين نتيجة الظروف الاقتصادية حيث يلاحظ بأن سورية وإيران يتعرضان لحصار اقتصادي يلحق الأذى بالمواطنين على غرار ما أحدثته العقوبات المفروضة على العراق لمدة 13 عاما والتي استمرت منذ عام 1990-2003 واكتوى بنارها المدنيون الذين لم يجدوا سوى الهجرة لمعالجة واقعهم.
حتى هذا اليوم لم يتعاف العراق من العقوبات التي كان لها أثرها السلبي على قطاع الإدارة والتعليم والصحة وفضلا عن ذلك فقد غادره خيرة المتعلمين، علما بأنه لا يكتوي بنار العقوبات الاقتصادية إلا المواطنون الذين تقع على كاهلهم التضحية.
بقلم: باتريك كوكبرن
ترجمة: ليندا سكوتي

 

التاريخ: الأربعاء 16-1-2019
رقم العدد : 16886

آخر الأخبار
منظمة "رحمة" تؤكد دعمها للتعليم المهني في درعا معرض دمشق الدولي .. عودة للصوت السوري في ساحة الاقتصاد العالمي صيانة وتركيب محولات كهربائية في جبلة معرض دمشق الدولي نافذة سوريا إلى العالم "المركزي" يضبط بوابة التواصل الإعلامي معرض دمشق الدولي .. رسائل ودلالات نيويورك تايمز: زيارة مشرعين أميركيين إلى سوريا لدفع إلغاء العقوبات ودعم المرحلة الانتقالية قطر تدين التصعيد الإسرائيلي في سوريا وتدعو لتحرك دولي عاجل أردوغان: تركيا ضامن لأمن الأكراد في سوريا وملاذ آمن لشعوب المنطقة الخارجية تدين التصعيد الإسرائيلي في القنيطرة وتؤكد حقها بالدفاع عن أرضها  الاعتداءات الإسرائيلية.. وحق سوريا في الدفاع عن حقوقها الوطنية المشروعة قوات الاحتلال تغتال الحقيقة.. هكذا يعيش ويعمل صحفيو غزة  بين الفائض و انعدام التسويق.. حمضيات طرطوس هموم وشجون.. وحاجة للدعم قرار الخزانة الأميركية.. خطوة تراكمية نحو تعافي سوريا دمشق تستعد للحدث الأهم.. المحافظ يتفقد آخر الاستعدادات في مدينة المعارض عودة اقتصاد الإبداع والهوية.. حرفيو حلب في معرض دمشق الدولي هذا العام الطفل الوحيد.. بين حب الأهل وقلقهم المستمر معرض دمشق الدولي.. جزء من الذاكرة الاجتماعية والاقتصادية لجنة التحقيق في أحداث السويداء تواصل عملها الميداني وتؤكد على الحياد والشفافية التحالف السوري الأميركي..  زيارة الوفد الأميركي إلى دمشق خطوة محورية لدعم تعافي سوريا