ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم: يثير الحديث عن العقد الاجتماعي تأويلات متباينة، بعضها على الأقل يدفع بالنقاش نحو نصف الكأس الفارغ، ولا يرى في المسألة برمتها سوى ما يمكن أن يملأ ذلك الفراغ بمعيار الحقوق الواجب حضورها،
فيما بعضها الأخر يستحضر دفاتره وأوراقه لمذاكرة جديدة، تعيد رسم مقاطع العقد بصيغة بعيدة عن جوهر العلاقة بين الحقوق وما يترتب عليها من واجبات.
والواضح أن سكة النقاش في جزء من عناوينها، تستبعد من حساباتها ما تقتضيه الضرورة من توازن في ضفتي الجدل، وتجزم مسبقا بما تتطلبه المعايرة الجديدة على قاعدة المطالبة بالحقوق، فيما يؤجل البحث في مقتضيات ما تمليه على الضفة الأخرى من واجبات، لأنها تحصيل حاصل، وفي أفضل الحالات ليس هناك من يطالب أو يسأل.
ورغم التشعب في مفاصل الحديث ثمة مفازات أساسية يصعب تجاهلها، حتى لو كانت تحت ذريعة الأولويات، إذ تبرز المعضلة من بابها الواسع حين تبدو الحقوق في واجهة ما يحضر فيما تتراجع تراتبية الواجبات إلى الصفوف الخلفية، وأحيانا تكاد أن تشطب من الحسابات والمعادلات.
في البداية… لا بد من وضع كفتي الميزان بالتساوي والنظر إلى نصفي الكأس بالوضعية ذاتها، مع القبول الأولي بأن يكون حضور الحقوق أساس النقاش باعتبارها في الصدارة وأخذت الحيز الأكبر من الجدل على قاعدة الافتراض المسبق بأنها الغائب الدائم، فيما الواجبات التي تمثل خط الدفاع عن كينونة العقد الاجتماعي لديها ما يكفي من اوراق القوة لتفرض حضورها حين تشاء.
فإذا سلمنا جدلا بالفرضية دون أن نأخذ بالنتيجة، نكون امام اختلال في المرجعية التي تحكم عمل كلا الكفتين، فالحضور الدائم للحقوق على رأس لائحة المطالب لايعني أن الواجبات تأتي في المرتبة الثانية، كما أنه من غير المنطقي أن تكون غائبة كليا أو مؤجلة إلى حين تستكمل الحقوق حضورها، وعندها يمكن المجادلة والنقاش فيها أو المساءلة حولها.
وبالتالي فإذا كانت الاصلاحات السياسية هي البوابة لطريق يحصن الحقوق ويعطيها العبد القانوني، فإن الواجب وما يمليه القبول به، يقتضي في الحد الأدنى العودة إلى أساسيات تنظيمه والانطلاق نحو محاكاة ما يمكن البناء عليه لاحقا وصولا إلى الغاية التي دفعت بكلا الطرفين إلى القبول به، بل والالتزام بمفرداته وما يمليه في الضفتين.
فالجميع اليوم يكاد ان يركز اهتمامه على النصف الفارغ من الكأس كما جرت العادة، وتأخذ الاتجاهات المبنية على هذا الافتراض سياق النظرة التي تحكمها، وبقدر ما تكون في اتجاه واحد تميل إلى إلغاء ما تبقى من وجوه مقابلة لها أو جانبية محاذية، ويتم التجاوز عليها من زاوية الاقتدار والدور، وتصل في بعض مستوياتها إلى نفي ما عداها كنقطة ارتكاز في الحصيلة النهائية.
جدلية العلاقة بين الأطراف المرتبطة بالعقد الاجتماعي، وخصوصا حين تقترن بالحديث عن البرنامج السياسي لحل الأزمة، تدفع إلى ربطها مباشرة بالذهنية المتواترة عن حديث الحقوق فيما تتداعى إلى الخلف ما يترتب عليها بمعيار الواجبات والسؤال هل ذلك يكفي للمناصفة بين ما يصح هنا وما لا يصح هناك؟
ليس من باب المبالغة القول أن المرحلة التحضيرية في البرنامج السياسي تكاد ان تكون وقفا على الحقوق والمرحلة الثانية في معظمها يتركز أيضا على آلية التنفيذ للوصول إلى تلك الحقوق، فيما الواجبات التي تحضر في السياق الملاصق لها تكثَّف وجودها في الاستفتاء، وهذا قد يفسر اقتران الأخذ بنتائج الحوار بما تقرر صناديق الاقتراع التي تحضر فيها الواجبات دون أي لبس أو غموض.
ربما قد يأخذ البعض أن الكفة في جوهرها تميل نحو امتلاك الحقوق الحيز الأكبر لكنها في خاتمتها مرهونة بالواجبات التي تجيزها أو تلغيها أو تعيد النظر في بعض أجزائها، وفي كل الأحوال نحن أمام فرصة سانحة لعقد جديد يرفع في كفة الحقوق، ويحتضن في الأخرى الواجبات..
a.ka667@yahoo.com