في سؤال تمّ توجيهه للمفكرة الألمانية حنا أرندت عن سبب اختيارها دراسة الفلسفة كان جوابها: «لأني أردت أن أفهم»..
كانت الفلسفة خيارها، حسب ما ذكرت في لقاء معها، كطريق اختارته وسيلة للتفكير ومن ثمَّ الفهم.. وعلى رأي الشاعر البرتغالي الأشهر فرناندو بيسوا «أن تفكّر هو أن تهدم. الفكرة بذاتها تتهدم خلال عملية التفكير، أن تفكر هو أن تفكك».. وبالتالي تتوازى عملية التفكير مع خلق مسارات جديدة لأفكار جديدة.. في سوية من ابتكارات لا تركن للعادي أو التقليدي الممل.
كيف نقوى على هدم أصنام فكرية قديمة..؟
كيف نتحرر من أنساق ومستويات وعي غدت مجمّدة بفعل الزمن ورافضة أي حركة.. كأنما تكلّست وأصابت أصحابها بعفونة فكرهم..؟
المصيبة أنهم لا يمتلكون أي قدرة على تحسس أو شمّ تلك العفونة التي تدوّخ المحيطين بهم.. لكن النكسة الحقيقية فيما لو كان غالبية المحيطين ذوي عفونة مشابهة وبالتالي تقل فرص علاجها.
هل أزكمت تلك العفونة أنوفنا جميعاً بحيث لم نعد قادرين على التقاطها وتمييزها..؟
وكيف لنا أن نرتقي وصولاً إلى فخامة الفكر/الأفكار.. لاسيما أن تدرجات تحصيل قدرة سليمة للتفكير السليم تحتاج مِراناً وتعوّداً لتغدو مسلكاً حياتياً إن لم يكن يومياً..؟
«الفخامة هي عكس الابتذال».. فكيف السبيل إليها حين يكون الابتذال سيد الموقف..؟!
ألا تكون عفّة العقل وشرف الفكر في التعالي عن كل ابتذال..؟
ذاك الابتذال المتماهي مع معنى اجترار الأفكار ذاتها والمنسجم مع استهلاك كل شيء ليصبح غير ذي قيمة.
الفهم الذي أرادته «أرندت» كان تمرّداً عقلياً عن طريق الفلسفة، لأنها فعلياً تمرين للعقل صوب القدرة على امتلاك المعرفة التي تجعل صاحبها ممتلكاً لتساؤلات حقيقية حول كل ما يحيط به.
على رأي الفيلسوف الفرنسي آلان باديو: إنّنا في حاجة ماسّة إلى فكرة ما أو قيمة ما، نسمّيها الحقيقة، بها يمكن أن نخاطر من أجل إيقاف هذه السرعة المجنونة لحضارة البضاعة المطلقة».. لعلها تنجح في كتم صوت ضجيج الابتذال الصاخب، وموجته الفائقة التي تكتسح معها كل شيء.
رؤيـــــــة
لميس علي
lamisali25@yahoo.com
السابق
التالي