«الشيري اذا قال صدق واذا وعد وفى» كان موسى العلي في روايته حي الشير الصادرة عن دار بعل للطباعة والنشر, هذا الشيري الذي لايغيره الزمن ليس لأن طبيعة عمله العسكري والنضالي والحقوقي فرضت ذلك بل اشتياقه للأطلال وتفتق آلامه الدامية حين وقف بعد ربع قرن أمام حي الشير مستطلعا أحواله بعد مغادرته له.. تترجمت مناجاته عبر سطور تلك الرواية.
لم تمتد يد الزمن على حي الشير ولم يتغير الشيريون. عملهم هو عبادتهم بنول يدوي..فكان الراوي يسرد لنا أحداثا معيشية واصفا شخوص روايته بعين المحب تارة والمنتقد تارة أخرى فكانت الشخصيات ذات محتوى واقعي أغنت الرواية، في حين قلت وبشدة الحوارات التي قد تضفي على الرواية عنصر التشويق عند القارئ.
(سكان الشير تسربوا من شرانقهم منطلقين عبر أبواب مغائرهم على ذات الدرب) الشير منبع الأمراض ومسببها في أنحاء الدنيا لأنه الموطن الأفقر والأجهل في أركان المعمورة كلها بلا منازع ودون ادعاء..
نرى تفاصيل الصراع بين الشيري والفقر والغربة وحتى الوجود وكأن الراوي يثبت لنا أن عائلات الشير مهما اختفلت جذورها المعروفة كان لها جذر واحد قبل كل هذه الجذور لأنهم ارتحلوا من الشير ثم عادوا إليه ثم يرتحلون فأنى وجدتهم أو وجدت أمثالهم تستطيع أن تلمس بيدك جذرهم الشيري أكان مستحدثاً أم قديماً فالشيري لا يتغير.. امكث في الشير أم ارتحل عنه إلى أي قارة من قارات العالم.
قدتكون الحياة خارج الشير أكثر عطاء لكنها فيه أكثر عزة وأمناً.. أحداث ومجريات تاريخية شهدها هذا الحي فكانت الرواية كمشهد توثيقي صوره الراوي محافظاً على عنصري الزمان والمكان، فستكون الرواية بصمة في تاريخ الرواية السورية.
مغائر حي الشير التي تربض فوقها الثكنة العسكرية لجيش الاحتلال الفرنسي بكل طغيانها وجبروتها ضاربة جذورها في أعماق تربة تلك المغائر كأنما تتلذذ منتشية بامتصاص دماء ساكنيها, ورغم كل تقشف العيش والسعي وراء الرغد حافظ الراوي على خطابه لنا بالقول:
(لم يبق في الشير من سكانه سوى العجائز والعجز..! وأنه لا حاجة للإنفاق على الاوابد عندما نطق الشيخ بكلمته الأخيرة قدحت الفكرة في خاطر المقدم معتبرا أنها لاتقل خطورة عن قيام الثورة أو متممة لها) الشير متحف الثورة في كل مغارة من مغائره تنصب تماثيل المناضلين الذين ترعرعوا بتلك المغائر ويبقى النول في مكانه كأنه متروك غادره عبيده منذ برهة قصيرة وان تغطى جدران تلك المغائر بلوحات قصص وسير أولئك الأبطال ومراحل النضال.
رواية تكثر فيها العبر ويقل فيها الاعتبار، ويبقى جميل هذا الوعظ المُراد تقديمه من خلال الرواية، وعلى ما اعتقد هو مغزى الرواية.
إن الحياة على مر العصور كانت تنبض وتزدهر تحت عين وبصر حي الشير إلا أنه بقي أميناً محافظاً على عصره الحجري خلقه الأول لم يغره زخرف الحياة ولامجد حضارة تلك النواعير التي تروي الجنان الوارفة الغناء علة شاطئ النهر كذلك هم قاطنوه لم يتأثروا حتى بعبادات ورقي قاطني حي المدينة كما إنهم كانوا بعيدين كل البعد عن عادات الأحياء الأخرى بعد هذه عن عادات حي المدينة.
رنا سلوم
التاريخ: الأحد 3-2-2019
رقم العدد : 16899