تعرض الجولان للاحتلال مرات عديدة عبر التاريخ وكانت أرضه مسرحا لحروب سجل التاريخ ملاحمها، وما زال أحفاد من قاتلوا بالأمس يناضلون اليوم ضد كل مستعمر أو محتل أو مغتصب يحاول المساس بأرضهم، وبدا ذلك جليا عندما حاول الصليبيون تدنيس تلك الأرض الطاهرة أو الفرنسيون عندما سعوا للسيطرة على سورية. وكان من أحدث الفصول المضيئة في مقاومتهم هي مقارعة الاحتلال الصهيوني الذي يمارس سياسات الإرهاب والعدوان والقمع ضد أهالي الجولان منذ عام 1967.
لقد عمد الاحتلال الإسرائيلي إلى تضييق الخناق على الجولانيين ومارس ضدهم كافة أشكال الاضطهاد بهدف عزلهم نفسيا وكليا عن وطنهم وشعبهم في سورية، واتبع سياسة تعسفية قمعية تجلت في المحاولات المستمرة لمصادرة المزيد من الأراضي وأملاك أبناء الجولان بذرائع ومبررات واهية بهدف تغيير معالم المنطقة المحتلة ديموغرافيا وجغرافيا، وفرض ضريبة الدخل على السكان، واستولى على مياه بحيرة مسعدة لري المستوطنات الجديدة، كما نهجت سلطات هذا الكيان إلى اعتقال المواطنين بتهمة توزيع مناشير والتعامل مع وطنهم الأم سورية والحكم عليهم بالسجن، ومارست كل أشكال التعذيب من ضرب بالعصي واللكمات والتعليق على الأبواب واستخدام الغازات السامة المحرمة دوليا ضد المعتقلين، الأمر الذي أدى إلى إصابة الكثير منهم بأمراض مزمنة وكسور وعلل دائمة. كما قامت فرق جيش الاحتلال إلى الدخول لكل منزل مدججة بالأسلحة وقنابل الغاز والعصي وأوسعت المواطنين ضربا و تنكيلا، وفرضت منع تجول, وحطمت أثاث المدارس, وقطعت مياه الشرب, واجبرت السكان على شرب مياه البرك والمستنقعات مما أدى إلى إصابة مئات الأطفال بأمراض مستعصية، ومنعت الرعاة من إخراج مواشيهم إلى المراعي، الأمر الذي أدى إلى موت الكثير منها وتفشي الأوبئة في قطعان أخرى. ولم يكتف جيش الغزاة بذلك، بل عمد إلى إحراق المزارع واحتكار توزيع المواد الغذائية بالإضافة إلى نصب الحواجز المكثفة بهدف القيام بحملة اعتقالات تعسفية لأبناء الجولان.
لكن ذلك كله لم يفت من عضد أبناء الجولان الذين سجلوا أعلى درجات البطولة التي ستبقى راسخة في ذاكرة التاريخ لتنقل إلى الأجيال القادمة واقع هذا الاحتلال الهمجي، معربين وبإصرار عن رفض السياسات الإسرائيلية في مجال التعليم والثقافة حيث لجؤوا إلى تدريس أبنائهم في المنازل بمساعدة من المعلمين المفصولين عن عملهم وكان للبرامج التعليمية الموجهة إلى الجولان عبر الإذاعة والتلفزيون السوريين الأثر الكبير في معالجة هذا الواقع المرير. كما جابهوا سياسة التدمير بالإصرار على إعادة البناء والإعمار للجولان. وفضلا عن ذلك عمدوا إلى زراعة الأشجار واستصلاح الأراضي والتواصل مع الوطن الأم لتسويق انتاجهم الزراعي وتبادله كرد على أعمال التخريب للأراضي الزراعية واقتلاع الأشجار التي نهجها العدو الإسرائيلي.
إن ما أوغر صدر الكيان الصهيوني أنه بعد خمسين سنة من الاحتلال لا يزال هذا الشعب يتمسك بأرضه وانتمائه إلى سورية ويتمتع بكم هائل من الإرادة لمواجهة قوات الاحتلال، وقد بدا ذلك على نحو جلي إبان الانتخابات المحلية التي عقدت بتاريخ 30 تشرين الأول من العام الفائت حيث اندلعت مواجهات بين شرطةالاحتلال والمتظاهرين من أبناء الجولان السوري المحتل، في قرية مجدل شمس، بعد أن حاصر المتظاهرون مدخل المدرسة الثانوية التي تضم مقر الانتخابات للمجلس البلدي، معبرين عن رفضهم إجراء انتخابات للحكم المحلي، والتي فرضها عليهم الاحتلال الإسرائيلي لأول مرة منذ احتلال الجولان عام 1967. وتوجه المتظاهرون، منذ ساعات الصباح الأولى إلى مدخل المدرسة في قرية مجدل شمس، وقاموا بحصارها لعدم السماح بإجراء انتخابات السلطات المحلية التي فرضها عليهم الاحتلال. ورفع المعتصمون الأعلام السورية، ورددوا شعارات مناهضة للانتخابات والاحتلال وأحرقوا البطاقات الانتخابية في ساحات القرى، وبذلك فقد تلقت إسرائيل الصفعة الثانية القوية الأمر الذي أثار حفيظة حكومة الاحتلال. أما الصفقة القوية الأولى فكانت عندما أحرق الجولانيون بطاقات الهوية عام 1982 رفضا لمشروع ضم الجولان مؤكدين أنهم مواطنون عرب سوريون يرفضون كل القوانين الإسرائيلية وكل القوانين التي يفرضها الكيان الإسرائيلي. كما قامت الحكومة السورية بدعم المواطنين تحت الاحتلال بشتى الأساليب الممكنة ومنها الاستمرار بمنح الرواتب للموظفين العاملين في الشأن العام وصرف استحقاقاتهم، وقبول تسجيل طلاب الجولان المحتل في الجامعات السورية بمفاضلات خاصة بهم ليسهموا في رفع السوية الثقافية والعلمية والوطنية التي يحاول الاحتلال طمسها. وقد أصدر المواطنون في الجولان الوثيقة الوطنية بتاريخ 25/3/1982 والتي أصبحت دستورا لهؤلاء السكان ما دام الاحتلال قائما.
ليندا سكوتي
التاريخ: الخميس 14-2-2019
رقم العدد : 16909