من المعلوم أن الأطماع الصهيونية بالجولان السوري بوصفه موقعا استراتيجياً مهما ومصدرا غنيا بالمياه الصالحة للشرب والزراعة التي يحتاجها الكيان الصهيوني، تعود إلى بدايات الحركة الصهيونية، إذ ورد ذكر منطقتي الجولان وحوران في خطابات وأحاديث العديد من القادة الصهاينة المؤسسين وعلى رأسهم هرتزل وبن غوريون، إلا أن احتلال الجولان السوري بصورة فعلية جرى عام 1967 اي خلال ما يعرف بنكسة حزيران، حين احتلت إسرائيل بعدوان غادر شبه جزيرة سيناء المصرية والضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة في فلسطين التاريخية وكذلك هضبة الجولان السورية، ولكن لم يمض سوى ثلاث سنوات على احتلاله حتى وضعت الحركة التصحيحية المباركة التي قادها القائد المؤسس حافظ الأسد عام 1970على رأس أولوياتها تحرير الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها الجولان السوري المحتل، لتبدأ بعدها رحلة الاستعداد للحرب عبر إعداد الجيش العربي السوري ليوم التحرير ودعم صمود الشعب ليكون جنبا إلى جنب مع جيشه في المعركة بكل استحقاقاتها.
لم تتأخر القيادة السورية في اتخاذ قرار تحرير الجولان المحتل فبعد أقل من ثلاث سنوات على قيام الحركة التصحيحية جرى التنسيق مع الشقيقة مصر لتحرير واستعادة الأراضي العربي المحتلة خلال عدوان حزيران وفي يوم السبت الموافق السادس من تشرين أول عام 1973 وبتوقيت واحد انطلقت القوات العربية السورية من الشمال نحو الجولان والقوات العربية المصرية شرق قناة السويس لتحرير الأرض المحتلة في الجولان وسيناء، ولم تمض سوى أيام قليلة على الحرب حتى تم إسقاط أسطورة الجيش الذي لا يقهر التي تم ترويجها على مدى سنوات طويلة من عمر الكيان الصهيوني وتتساقط معه المواقع الاسرائيلية المحصنة كخط ألون وخط بارليف، لتحقق كل من سورية ومصر أول انتصار عسكري عربي في العصر الحديث، إلا أن تطورات مخيبة جرت على الجبهة الجنوبية في الأيام اللاحقة نتيجة وقف اطلاق النار من قبل مصر أفقدت هذا الانجاز العسكري الباهر زخمه اللازم واضطرت سورية لتكمل الحرب بمفردها في حرب استنزاف امتدت لأشهر في ظل قيام الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة بمد إسرائيل بجسر جوي لتعويض الخسائر التي لحقت بها أثناء الحرب الأمر الذي أعاق استكمال تحرير كامل الجولان السوري المحتل ومع تدخل مجلس الأمن بدفع من أميركا تم اللجوء إلى اتفاقية هدنة وفض الاشتباك على الجبهة السورية بعد أن حررت مدينة القنيطرة وعادت إلى الوطن الأم سورية، في حين شرع الجانب المصري في توقيع اتفاقيات استسلام مذلة مع الكيان الصهيوني برعاية أميركية لتخرج مصر نهائيا من الصراع العربي الصهيوني وتبقى سورية وحيدة في المواجهة رافعة راية المقاومة لتحرير ما تبقى من أراضي محتلة.
بالرغم من هذه التطورات غير المحسوبة على الجبهة المصرية استطاعت سورية أن تستعيد جزءاً من أراضيها المحتلة في الجولان فيما بقي جزء آخر تحت الاحتلال، حيث قام القائد المؤسس الراحل حافظ الأسد في حزيران عام 1974 برفع العلم العربي السوري في سماء القنيطرة معلناً تحريرها وسط احتفالات السوريين بالنصر متوعدين الاحتلال بجولات جديدة من الصراع إلى حين تحرير باقي الأراضي المحتلة، ومنذ ذلك اليوم تحولت مدينة القنيطرة إلى رمز لقدرة سورية على تحرير الجولان وتمسكها بكل شبر من أراضيها المحتلة.
بعد حرب تشرين التحريرية ومجرياتها وانتصاراتها ومفاجآتها جرت الكثير من التطورات السياسية والعسكرية على مستوى المنطقة والعالم، وتبدلت الكثير من موازين القوى الدولية وانفرط عقد قوى عظمى وتحالفات عسكرية كبرى ما حال دون فتح جبهة الجولان مجدداً، لتبدأ بعدها سورية مرحلة العمل السياسي في سبيل استعادة الجولان المحتل بالطرق الدبلوماسية اعتمادا على الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن التي اعتبرت احتلال الجولان باطلا وغير قانوني، ولكن دون التفريط بحقها الطبيعي باستعادته بالقوة العسكرية متى كان ذلك ممكناً، وإلى جانب التمسك بالجولان وأهله الشرفاء المقاومين كانت القضية الفلسطينية حاضرة دائما في وجدان السوريين، ولو قبلت سورية مقايضة القضية الفسطينية بالجولان لتم تقديمها لها دون حرب، ولكن لأن المعركة واحدة مع هذا الكيان الغاصب ولا يمكن تجزئتها، فقد رفضت سورية التخلي عن التزامها بحقوق الشعب الفلسطيني وآلت على نفسها أن تكون آخر الموقعين على أي اتفاقية سلام تعيد الحقوق العربية المسلوبة.
سورية لم تتخل يوما عن الجولان وعن أهله الأوفياء المتمسكين بوطنهم الأم ولن تتخلى عنه لأنه كما قال ذات يوم القائد المؤسس حافظ الأسد سنعمل على أن يكون الجولان وسط سورية وليس على حدودها، وكما يؤكد السيد الرئيس بشار الأسد في كل المناسبات، بأن لا تنازل عن الجولان السوري قيد أنملة مهما كانت الظروف والتحديات، وهذا ما تخشاه إسرائيل وتتحسب له، فرغم حرب السنوات السبع القاسية لم يغب الجولان بأهله وتضاريسه عن أدبيات السياسة السورية، بل ظلت قضية الجولان المحتل في رأس اهتمامات السياسة السورية تطرح في مجلس الأمن والأمم المتحدة وعلى كل المنابر الدولية للتذكير بها والتنديد بالاحتلال الاسرائيلي وإجراءاته غير القانونية ووضع العالم أمام مسؤولياته الاخلاقية تجاه هذه القضية العادلة.
فؤاد الوادي
التاريخ: الخميس 14-2-2019
رقم العدد : 16909