شن الكيان الصهيوني حملة إعلامية في الأوساط الأميركية لجر ترامب للاعتراف بضمها للجولان المحتل على غرار اعترافه لها بالقدس وقد غير ترامب سياسة أميركية قائمة منذ فترة طويلة عندما اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل في كانون الأول 2017. وحذت بضع دول أخرى حذوه، ويتمنى مسؤولو الجيب الصهيوني موافقة الولايات المتحدة على ذلك خلال شهور، وهو اقتراح يتصدر هذه الأيام أي محادثات دبلوماسية إسرائيلية مع الولايات المتحدة، وكان جون بولتون قد أعلن أن الولايات المتحدة «تتفهم» المطلب الإسرائيلي.
المجتمع الدولي يعتبر هذا الاحتلال غير شرعي منذ عام 1967 حتى الآن، ولكن نتنياهو يطالب واشنطن بكل صفاقة الاعتراف بضم الجولان المحتل عام 1981 كجزء من صفقة الانسحاب العسكري الأميركي من سورية، بحجة أن «الجولان مهم لأمن الكيان العنصري» علماً أنه حتى تاريخ ما قبل العدوان على سورية كان قد مضى على احتلال الجولان أكثر من 45 عاماً وكان الكيان العنصري يجد الذرائع دوما لاستمرار احتلال الجولان، ولكن اعتراف الولايات المتحدة بضم إسرائيل للجولان قد يشرعن الاستيلاء على الأراضي بالقوة.
وفي محادثات مع سورية رعتها أميركا قبل أكثر من عقدين وتلاها تبادل محادثات كانت تنقلها تركيا قبل عام 2010 كان هم الصهيوني مركزاً على مبادلة الجولان في أي محادثات مع سورية بشرط خروج سورية من محور المقاومة.
في عام 2011 ومؤامرة «الربيع العربي» كانت إسرائيل من بين الدول التي أرادت أن تقاتل سورية عبر الإرهاب بالوكالة.
وقد دعم الكيان الصهيوني الجماعات الإرهابية منذ عام 2011 وقال تقرير صادر عن الأمم المتحدة إن قوات الأندوف الموجودة في الجولان لمراقبة فض الاشتباك في جنوب سورية رصدت بين 10 أيلول و24 تشرين الثاني من العام ذاته قيام قوات الاحتلال بالتواصل 16 مرة ولقاءات جمعت بين أشخاص إرهابيين مع أفراد من جيش الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك نقل مستلزمات في كلا الاتجاهين والتنسيق مع الجماعات الإرهابية في الجنوب وكشف التقرير نقل صناديق خمن أنها ذخيرة خلال الفترة نفسها وعبور 229 دابة و127 شخصاً للسياج الشائك نحو فلسطين المحتلة وعودتهم محملين بمواد يرجح أنها أسلحة أيضاً.
وقد أقر مسؤول سابق رفيع المستوى في حلف «الناتو» الجنرال بيتر بافل بأن «السلطات الإسرائيلية قدمت مختلف أوجه الدعم لأحد أكثر التنظيمات الإرهابية المتطرفة الناشطة على الأراضي السورية، نظرا لأنه لا يمثل خطرا على إسرائيل وكان إرهابه يستهدف سورية فقط». كما خلص تقرير صادر عن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، إلى قيام «إسرائيل» بتقديم الدعم لتنظيم جبهة النصرة الإرهابي التابع للقاعدة ، ولم تأتِ هذه التقارير بشيء جديد لأن وسائل الإعلام المختلفة كانت تغص بالتقارير المماثلة.
وبتاريخ 22 أيلول 2014، أكد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف السفير حسام الدين لأن إسرائيل تشجيع دخول التنظيمات المسلحة بما فيها جبهة النصرة ذراع القاعدة في سورية إلى منطقة فصل القوات وعلى مهاجمة مواقع قوات الأندوف هناك واختطاف عناصرها سعياً إلى إخلاء المنطقة من قوات حفظ السلام بهدف تغييب أي رقابة دولية على السلوك الإسرائيلي الداعم للإرهابيين في تلك المنطقة. وفي أواخر العام 2015، قال المدير السابق لوحدة الشرق الأوسط في وكالة الاستخبارات الأميركية فيلنت لورت، إن إسرائيل على اتصال مستمر مع جبهة النصرة، وبدأ الحديث عن أن هذا التعاون يسمح للكيان الإسرائيلي بأن يبني جداراً أمنياً بينه وبين منطقة الجولان المحتلة باستخدام إرهابيي النصرة.
وقد بدا واضحاً أن الكيان الإسرائيلي يعمل مع الإرهابيين من جبهة النصرة وداعش، لإطالة أمد الأزمة نظراً لاعتقاده بأنه الرابح الوحيد لذلك اتخذ غطاء إنسانيا بمعالجة جرحى الإرهابيين لاستثماره على الساحة الدولية. وكان دعمه للتنظيمات الإرهابية التكفيرية يهدف لضرب الجيوش العربية، من العراق إلى سورية ولاحقاً مصر وضرب محور المقاومة.
وإسرائيل أقامت مستشفى ميدانيا في الجولان المحتل، لتقديم الإسعافات الأولية للجرحى من الإرهابيين وتم نقل بعضهم إلى مستشفى نهاريا في الجليل الغربي، وقد ساهمت عمليات التحرير بيد الجيش العربي السوري ضد المجموعات الإرهابية، في كشف معدات وأسلحة إسرائيلية كانت بحوزتهم وذلك بعد مغادرتهم للمدن السورية. فعثر خلال تمشيطه لعدد من قرى ريف القنيطرة على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر ومواد غذائية إسرائيلية الصنع من مخلفات الإرهابيين، وبنادق وصواريخ «تاو» الأميركية وذخائر متنوعة وألغام وقناصات ورشاشات ومعدات لما يسمى «الخوذ البيضاء» كانت مخبأة.
وحول ذريعة خطر داعش التي قال بها المحتل الصهيوني فإن الحقيقة أنهما حلفاء في السر إذ تكشفت شواهد تعاون بين الجانبين، واعترافات إسرائيلية بأن إيران هي الأولى بالقتال من هذا التنظيم، بل لم تستبعد المصادر الإسرائيلية أن يوجد تحالف مع «داعش» للتخلص من محور المقاومة الذي يعتبرانه عدوهما المشترك.
وذكرت مصادر أن ما يسمى «تنظيم شهداء اليرموك، الذي يوالي داعش» قد نشط في القرى الواقعة بين مثلث الحدود السوري- الأردني- الفلسطيني.
وكان ثمة ضباط صهاينة في قلب داعش يساعدونها، فكانت العلاقة بينهما علاقة تعاون وقد أعلن الإرهابي «أبو بكر البغدادي» أن «تحرير فلسطين ليس من أولويات الجهاد». والوقائع أثبتت قيام عصابات تهريب النفط لدى داعش في سورية والعراق بالتعاون مع إسرائيل التي حصلت على النفط عبر سماسرة، وقد انكشف أن النفط الذي يصل إلى إسرائيل يصدر بأسعار أعلى، وهو الأمر الذي سهل زيادة ثروات داعش.
والآثار السورية التي نهبها داعش ووصلت إلى إسرائيل. ومن أكبر الأهداف التي كان الكيان الغاصب يريد تحقيقها هو ما جاء على لسان قائد في جيش الاحتلال يائير غولان عندما قال إن ما «لا يمكننا استبعاده هو إقامة منطقة أمنية على الجانب الآخر من الحدود». ووفقا له, فإن هذه المنطقة يمكن أن تكون شبيهة بالشريط الحدودي الذي فرضته دولة الاحتلال في جنوب لبنان, والذي طُردت منه عام 2000 بالمقاومة. وقالت القناة الأولى الرسمية في التلفزيون الإسرائيلي يومها، إن حكّام إسرائيل باتوا يُفكرون بصورة جدية في إقامة منطقة عازلة في الجولان العربي السوري المحتل. وفي أيار 2018 دحضت موسكو مزاعم إسرائيل حول اتفاقها معها بمنع محور المقاومة من الاقتراب من حدود فلسطين المحتلة على الجانب السوري وأعلنت أن السيطرة على الحدود الجنوبية السورية بما في ذلك منطقة التنف ستسلم للحكومة السورية وفقاً لاتفاقيات جرت مناقشتها وأن الجولان سيتم تجديد الاتفاقية حول منطقة قوات الأمم المتحدة للمراقبة. ماذا يعني كلا التصريحين الإسرائيلي والروسي؟ هناك العديد من النقاط المهمة يجب التوقف عندها.
والنتيجة أن إسرائيل وغرفة الموك خسرت رهانها الأساسي الذي عملت عليه منذ اللحظات الأولى للأزمة السورية والقاضي بإنشاء منطقة جغرافية في الجنوب السوري تديرها مجموعات مسلحة عميلة مرتبطة بها وبغرفة الموك شبيهة بالمنطقة المحتلة التي أقامتها إسرائيل في جنوب لبنان والدور الذي لعبه العملاء فيها.
تعاون الكيان الصهيوني مع الإرهاب كثيراً، والأدلة كثيرة، ما يوجب معاقبة إسرائيل ولكن إذا قررت الأمم المتحدة معاقبته، ستستخدم أميركا الفيتو لحماية ربيبتها؟
منير الموسى
التاريخ: الخميس 14-2-2019
رقم العدد : 16909