تـسرع منظومة العدوان من إجراءاتها الميدانية والسياسية للتغطية على هزيمة مشروعها في سورية، بالتوازي مع استمرار بعض أركانها بالعزف على وتر المراوغة والنفاق للتعويض عما خسرته من أوهام تبددت على صخرة الصمود السوري، والمقاربات الدولية الجديدة تشير إلى بدء التسليم الغربي بواقع الهزيمة التي فرضتها معطيات الميدان.
الأميركي بصدد إعلان انتهاء فترة صلاحية داعش، والترويج لنصر وهمي على منتوجه الإرهابي، بعدما ارتكب مع تحالفه سيء الذكر عشـرات المجازر بحق المدنيين، ودمر مدينة الرقة والبنى التحتية في العديد من المناطق تحت شعار محاربة الإرهاب، ليتوج ترامب عملية انتهاء الدور الوظيفي لمرتزقته بسرقة نحو أربعين طناً من الذهب المسـروق كانت مخبأة في أوكار للتنظيم الإرهابي، عبر صفقة يبدو أنها الأخيرة بين الجانبين في سورية على أقل تقدير، بانتظار صفقات جديدة في أماكن أخرى، ولا سيما أن ما تبقى من إرهابيي داعش ومتزعميه يتم ترحيلهم إليها عبر المروحيات الأميركية.
أميركا لم يعد لديها أوراق ضاغطة سوى الإرهاب المتنقل، تلوّح بها ضد أي دولة تناهض سياساتها العدائية، بعد فشلها المتكرر في إحداث تأثير فعلي عبر العديد من التدخلات السافرة في الشؤون الدولية، حتى أن نهجها القذر باتباع سياسة العقوبات والحصار الاقتصادي بات يرتد عليها، ولم يعد بمقدورها بناء تحالفات جديدة تلقي عليها تبعات نهجها الاحتلالي، ومؤتمر وارسو الأخير أثبت هذه الحقيقة، والدول المنضوية تحت تحالفها المزعوم لمحاربة الإرهاب، لم تبد أي رغبة في نشر قواتها مكان القوات الأميركية المحتلة بعد تنفيذ عملية الانسحاب في نيسان القادم وفقا للمزاعم الأميركية، وإذا كان الفرنسي قد أكد أنه بصدد سحب قواته المحتلة، فإن البريطاني أقر صراحة بهزيمة مشروع الغرب الاستعماري في سورية، عدا عن ذلك فإن أميركا فشلت بالتحشيد ضد إيران، رغم كل تهديدها ووعيدها لأدواتها الأوروبية، ولم تنجح إدارة ترامب خلال المؤتمر سوى بتظهير العلاقة الحميمية بين الكيان الصهيوني وبعض الأنظمة المستعربة.
العثماني الجديد يحاول وحده اليوم أن يرث النهج العدواني الأميركي في سورية، ويسارع لاقتناص بعض المرابح قبل حسم المعركة ضد الإرهاب في إدلب، بتفعيل عملية التتريك في بعض قرى عفرين، والتشبث بوهم «المنطقة الآمنة» المزعومة، رغم أن الجانبين الروسي والإيراني يرفضان هذا الأمر، وأكدا خلال اجتماع سوتشي الأخير الرفض القاطع لأي محاولات ترمي إلى إقامة وقائع جديدة على الأرض، ولكن أردوغان الذي سبق وأن تنصل من تعهداته بموجب اتفاق خفض التصعيد، لن يتخلى عن أطماعه التوسعية طالما بقي متكئا على العكاز الأميركي، إلا أنه سرعان ما سيجد نفسه أمام واقع جديد سيفرضه الجيش العربي السوري عندما تستنفد كل المهل الزمنية التي تمنحها الدولة السورية حقنا للدماء.
كتب ناصر منذر
التاريخ: الأحد 17-2-2019
رقم العدد : 16911